قتل مسلحون مجهولون قيادياً بارزاً في القوات المعارضة التابعة لروسيا في محافظة درعا جنوب سوريا، في وقت لا تزال الاغتيالات المتكررة وحوادث الانفلات الأمني تخيّم على أجواء مناطق سوريا الجنوبية الخاضعة لاتفاق التسوية، خصوصاً في محافظة درعا، وتستهدف عناصر تابعة لقوات النظام السوري أو عناصر سابقين في المعارضة، ومدنيين أيضاً.
وقال قيادي في الجبهة الجنوبية التابعة لـ«الجيش السوري الحر» لوكالة الصحافة الألمانية: «أطلق مسلحون مجهولون يستقلون دراجة نارية الرصاص على قيادي في الفيلق الخامس التابع للقوات الروسية في محافظة درعا محمد المصري، والمعروف بالصحن، في بلدة الحراك في ريف درعا الشمالي الشرقي، ما أدى إلى مقتله على الفور».
وأكد القيادي: «قام عناصر من شباب السنة الذين ينتمون للجيش السوري الحر، الذي كان الصحن أحد قادته في بلدة بصرى الشام، بنشر عدة حواجز ولم يتمكنوا من إلقاء القبض على الفاعلين، وتشير الاتهامات إلى عناصر تابعين للقوات الحكومية السورية بعد تكرار عمليات استهداف عناصر الفيلق الخامس وأبرزها استهداف حافلة تقلّ عناصر من الفيلق في 20 يونيو (حزيران) الماضي، حيث قُتل 12 وأُصيب أكثر من 25 آخرين لدى عودتهم من دورة تدريبية في قاعدة روسية في محافظة اللاذقية».
وكشف القيادي أن «المصري تعرض للاعتقال في شهر يونيو الماضي من قِبل قوات الأمن السورية في مدينة دمشق رغم توقيعه على مصالحة وانضمامه للقوات الروسية التي تدخلت وأطلقت سراحه».
ويستمر الانفلات الأمني كهاجس لأكثرية أبناء مناطق التسويات جنوب سوريا، ولم يغب عن بالهم منذ بدء اتفاق التسوية جنوب سوريا عام 2018، فحسب إحصائية لـ«تجمع أحرار حوران»، فإن 415 عملية ومحاولة اغتيال وقعت جنوب سوريا منذ سريان اتفاق التسوية، منها 277 حالة بحق مدنيين، و133 عملية استهدفت قادة وعناصر سابقين في المعارضة انضموا لتشكيلات تابعة للنظام، و48 حالة بحق قادة وعناصر معارضة سابقين لم ينخرطوا في تشكيلات تابعة للنظام، و7 عمليات استهدفت عناصر سابقة في تنظيم «داعش».
30 عملية الشهر الماضي
ووثق ناشطون في محافظة درعا جنوب سوريا وقوع أكثر من 30 حالة اغتيال في المحافظة في شهر أغسطس (آب) الماضي، جلّها كانت عمليات استهداف مباشرة لأشخاص أو خلال اشتباكات متفرقة، حيث سقط 15 مدنياً، و10 من عناصر الفصائل المعارضة سابقاً ممن لم ينضموا لأي جهات عسكرية تابعة للنظام، وآخرون ممن انضموا لتشكيلات محسوبة على النظام السوري أيضاً، بينما سقط خلال اشتباكات متفرقة وخلافات محلية 3 أشخاص.
وشهدت المنطقة في آخر أسبوع من شهر أغسطس 4 عمليات اغتيال راح ضحيتها أكثر من 9 أشخاص بينهم أطفال، آخرها طالت وليد الحلقي في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، يوم الثلاثاء الماضي، حيث أطلق مجهولون يستقلون دراجة نارية النار عليه وهو برفقة ابنته البالغة من العمر 6 سنوات ما أدى إلى مقتلها مع والدها على الفور، وإصابة طفل آخر كان يوجد في الشارع الذي استُهدف فيه الشاب. وقالت مصادر محلية في مدينة جاسم إن «وليد الحلقي الذي تعرض لعملية الاغتيال هو شقيق صدام الحلقي العامل مع أحد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وقد تعرّض لعدة محاولات اغتيال في وقتٍ سابق».
وقال ناشطون في درعا إن مدينة درعا البلد شهدت عمليتي اغتيال في أقل من 24 ساعة، حيث استهدف مجهولون اثنين من أبناء درعا البلد يوم الاثنين الماضي، هما عيسى أحمد مسالمة وعيسى جمال مسالمة، بالقرب من دوار الكازية ضمن مدينة درعا البلد، وذلك بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر، مما أدى إلى مقتلهما على الفور.
في حين سبقها محاولة اغتيال طالت وسام بجبوج شقيق شادي بجبوج، العامل كقيادي مع مجموعة تابعة لجهاز الأمن العسكري في درعا، حيث تم إطلاق النار عليه بشكل مباشر من مجهولين، ما أدى إلى إصابته بجروح في قدميه.
وفي ريف درعا الغربي نجا مأمون العامر، من بلدة تسيل، من محاولة اغتيال في أثناء توجهه صباح يوم الاثنين الماضي إلى عمله، حيث أطلق عليه مجهولون النار، ما أدى إلى إصابته بجروح خطرة، وكان العامر يعمل سابقاً ضمن فصائل معارضة محلية غربي درعا، قبل سيطرة النظام السوري على المنطقة في يوليو (تموز) 2018.
وقالت مصادر محلية إن طفلين قُتلا وأُصيب ثلاثة آخرون في أثناء استهداف القيادي في الأمن العسكري عماد أبو زريق، في مدينة داعل بريف درعا الشمالي، حيث استهدف مجهولون مجموعة سيارات لفريق «نصيب» الرياضي كان يرافقها أبو زريق خلال وجودها في مدينة داعل، حيث انفجرت عبوة ناسفة حال مرور أبو زريق وعدد من السيارات الأخرى مقابل مطعم «البيك» على الطريق الواصل بين مدينة داعل ومدينة درعا المحطة، شمال داعل، ثم تبع الانفجار إطلاق نار مباشر استهدف السيارات، أدى إلى وقوع قتلى أطفال، وإصابات بعضها خطيرة، بينهم أطفال أيضاً، ونجا أبو زريق من محاولة الاغتيال.
وينحدر عماد أبو زريق الذي تم استهدافه، من مدينة نصيب بريف درعا الشرقي، وهو من أبرز قادة فصائل التسويات جنوب سوريا، وكان قيادياً في فصيل محلي معارض يسمى «جيش اليرموك»، حيث عاد من الأردن، بعد أشهر من سيطرة النظام على المنطقة، وشكّل مجموعة من عناصر المعارضة سابقاً تابعة لجهاز الأمن العسكري في درعا بقيادته.
رأس مقطوع
وفي حادثة غير مسبوقة عثر الأهالي في درعا البلد على رأس مقطوع حديثاً، في مقبرة البحار ضمن أحياء درعا البلد، لشاب في العشرينات من العمر، تببن أنه لشاب من بلدة معربة بريف درعا الشرقي، تم العثور على الرأس دون الجسد، ولا يزال الغموض يلف الحادثة.
كما شهدت بلدة أم ولد في الريف الشرقي من محافظة درعا، خلال الأيام القليلة الماضية توتراً، بعد أن نفّذت مجموعة من عناصر التسويات في البلدة العاملة في صفوف أجهزة أمنية، مداهمة واعتقالاً بحق إبراهيم تركي الأيوب، وأحد أقاربه، وشخص ثالث من عشائر البدو من قرية جبيب، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات في البلدة، بين أبناء البلدة ومجموعات التسويات، نتج عنها وقوع 4 قتلى وعدد من الجرحى وحرق للمنازل بين الأطراف المتنازعة، وفقدان شخصين، انتهتْ بعد توتر استمر يومين بتدخل مجموعات تابعة للفيلق الخامس المدعوم من روسيا ودخولها للبلدة كقوات فصل، وأقامت ثلاثة حواجز داخل البلدة تابعة للفيلق، وسط اتهامات للمدعو محمد على الرفاعي المعروف بأبو علي اللحام، من بلدة أم ولد، بالوقوف أمام التوتر الذي شهدته البلدة والمشاركة في تنفيذ عمليات الاعتقال والمداهمة التي حصلت مؤخراً في البلدة. وكان اللحام قيادياً سابقاً في جيش اليرموك، وعاد إلى محافظة درعا قادماً من تركيا قبل أشهر قليلة، ويعمل ضمن مجموعة تعمل لصالح جهاز الأمن العسكري حالياً.
ويبقى ذكر مجهولين مرافقاً لأي عملية اغتيال تقع في جنوب سوريا، ويحاول الكثيرون رد عمليات الاغتيال المتصاعدة إلى الصراع النفوذي في المنطقة الجنوبية بين روسيا وإيران، حيث إن معظم قتلى عمليات الاغتيال التي وقعت جنوب سوريا عقب سيطرة النظام على المنطقة معظمها بحق شخصيات إما مقربة من الجانب الروسي، وإما من الميليشيات الإيرانية و«حزب الله»، وهما القوتان اللتان تحاول كل منهما الانفراد بالجنوب السوري، أو بحق عناصر وقادة في المعارضة سابقاً رفضت الانصياع أو الانخراط في أي تشكيلات عسكرية تابعة للنظام، بينما يرى آخرون أن الأحقاد المتراكمة والثأر وانتشار فوضى السلاح عوامل منتشرة منذ سنوات طويلة قبل سيطرة النظام على المنطقة ساعدت على انتشار الجريمة في جنوب البلاد، وقد تكون هناك فئة تحاول استغلال الصراع الروسي والإيراني جنوب سوريا، وتسعى لتحقيق أهدافها في المنطقة الجنوبية على حساب هذا الصراع.
المصدر: الشرق الأوسط