الحزب السياسي والأيديولوجيا

   معقل زهور عدي

الأيديولوجيا أو العقيدة أو المرجعية الفكرية هي زاد الحزب السياسي السوري في تاريخ سورية الحديث، البرنامج السياسي مشتق من الأيديولوجيا أكثر من كونه خاضعًا لشروط الواقع في كثير من الأحيان.

في مطلع القرن العشرين حين ظهرت حوالي العام 1911 جمعية العربية الفتاة كرد مباشر من الشباب العرب على ” تركيا الفتاة ” كانت النزعة القومية العربية الحافز والمهماز لأول حزب سياسي عربي وجد حاضنته في بلاد الشام , لاحقا اتخذت جمعية ” العربية الفتاة ” ثوبا حزبيا علنيا وشعبيا باسم حزب الاستقلال العربي في العهد الفيصلي بين 1918-1920 ورغم تعديل استراتيجية الحزب باعتماد الدولة العربية السورية كمرحلة في طريق الوصول للدولة العربية الكبرى فقد بقيت المرجعية الفكرية القومية حاضرة خلال العهد الفيصلي حتى نهايته في تموز 1920 حين اجتاح الجيش الفرنسي سورية واحتل دمشق وأسقط المملكة العربية السورية .

في عصر الانتداب الفرنسي بين 1920 وحتى 1946 شهدت سورية ولادة الحزب الشيوعي السوري عام 1924, الحزب الشيوعي الذي كان غارقا في الايديولوجيا الماركسية التي اوصلته في نسختها الستالينية للتبعية الكاملة للاممية الشيوعية التي نشأت بعد انتصار الثورة البلشفية بسنتين عام 1919 والتي يقودها الاتحاد السوفييتي ورغم انحلالها عام 1943 لكن الحركة الشيوعية العالمية بقيت مرتبطة بالاتحاد السوفييتي وهكذا أصبحت الاستراتيجية والتكتيك شأنين أمميين بالدرجة الأولى .

وخلال الفترة ذاتها وفي العام 1928 نشأت جمعية الاخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا لكنها لم تتحول لحزب سياسي سوى مع العام 1938 , ومن مصر وجدت طريقها لسورية وغني عن القول إن المرجعية الدينية الاسلامية كانت تحتل العقل السياسي إلى حد بعيد

وأخيرا هناك الأحزاب القومية – الاشتراكية التي استندت لمرجعيات فكرية تمزج بين فكر قومي وفكر اشتراكي إصلاحي يقترب من الماركسية دون أن يستسلم لها كما تفعل الاحزاب الشيوعية .

تلك هي التيارات الحزبية الرئيسية التي شغلت الميدان السياسي السوري خلال المئة عام الماضية .

ماهي السمة المشتركة بين تلك الأحزاب ؟

في مجتمع متخلف خارج من عباءة الدولة العثمانية حيث نمط الانتاج مازال بدائيا يعتمد على الزراعة والحرف اليدوية والتجارة البينية وحيث العلاقات الاجتماعية تضم تنوعا كبيرا في الولاءات والتكوينات بين المدينة والأرياف وبين الحضر والبدو وبين المناطق الجغرافية شبه المغلقة على نفسها والطوائف المنعزلة وضعف انتشار الثقافة والعلم كان أهم مايميز الحزب هو أولا العقيدة وثانيا شخص القائد .

فالحزب الشيوعي لايكترث هو وأتباعه كثيرا بالاستراتيجيات والبرامج السياسية والاقتصادية فهي بالكاد تجد لها دورا في مكانة الحزب وسمعته وشعبييته ونفوذه السياسي والاجتماعي , المهم هو الايديولوجيا الشيوعية وشخصية خالد بكداش التي جذبت الشباب في وسطه الاجتماعي في دمشق , والعلاقة مع الاتحاد السوفييتي وما منحته من تأييد من قبل دولة كبرى في العالم .

ومثل ذلك يمكن قوله عن قادة الاخوان المسلمين الذين كانت الراية الاسلامية ملاذهم وعنوانهم وقوة جاذبيتهم في حين أثبتت الأحداث أن العقل السياسي لديهم كان باستمرار لايعمل بطريقة تجعلهم قادرين على السباحة في مياه السياسة والتقدم نحو الأمام .

الايديولوجيا أولا ثم القائد الرمز ومابقي فهو تفصيل .

هذا القصور في العقل السياسي للأحزاب جعلها تعيش وسط جزر من العصبيات التقليدية بل جعلها هياكل مجوفة ,ِ الايديولوجيا في الخارج والفراغ في الداخل , الفراغ الذي وجدته العصبيات القبلية والطائفية والمناطقية الخ ..مكانا مناسبا لتعشش فيه مستترة بالايديولوجيا .

يمكن القول إن رحلة الأحزاب السورية الطويلة عبر التاريخ الحديث قد حطت رحالها الآن في منطقة فقدت فيها الايديولوجيا بريقها المعتاد .

والمسألة المطروحة اليوم : إذا كانت الأحزاب الايديولوجية قد سقطت فما هو مضمون وشكل الحزب السياسي البديل وهل يمكن للحزب السياسي أن يحيا بدون مرجعية فكرية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى