اجتماعات الدستورية السورية..الألف ميل المتبقية

مصطفى عباس

رغم أنها لم تحرز تقدماً يُذكر، إلا أن أجواء الجولة الثالثة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية يمكن وصفها بالإيجابية، سيما بعد الولادة العسيرة للاجتماعات بعد توقف دام أشهراً نتيجة فيروس كورونا، الذي عاد وعطّل الجلسات حتى بعد انطلاقتها الاثنين الماضي لمدة 48 ساعة.

الجلسات التي كان مقرراً أن تُختتم الجمعة، تم تمديدها بسبب هذا الانقطاع يوماً إضافياً حيث عقدت جلستان السبت، في حين رفض وفد النظام تمديد مدة الاجتماعات أسبوعاً آخر، وهو موقف متوقع بالنظر إلى محاولة النظام التهرب من المشاركة في هذه الجولة التي ما كان لها أن تنعقد لولا الضغط الدولي الكبير، وخصوصاً الأمريكي والروسي، الذي سبقها.

تقدم ولكن..
وبعد اختتام الجولة الثالثة من لقاءات اللجنة الدستورية، قال المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن إن “هذه الجولة أحرزت بعض التقدم”، مستدركاً أنه كانت “هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين الطرفين”. وأكد أنه حصل على رسالة من الرئيسين المشتركين لوفدي المعارضة هادي البحرة والنظام أحمد الكزبري، تؤكد حرصهما على الاجتماع مرة أخرى في جولة جديدة للجنة الدستورية السورية، مشيراً إلى أن الموعد سيُحدد بعد الاتفاق على جدول الأعمال مع الطرفين.

عضو وفد المعارضة في اللجنة الدستورية يحيى العريضي قال ل”المدن”، إن “الإيجابية في هذه الاجتماع تأتي من أن وفد الهيئة السورية للتفاوض ووفد المجتمع المدني تحدث في صلب الأمور الدستورية، رغم محاولة وفد النظام الابتعاد حتى عن كلمة دستور، وهذا يأتي كخطوة أولى في مشوار الألف ميل”.

بدوره عضو وفد المجتمع المدني إدوار حشوة رأى كذلك أن الأجواء في الجولة الأخيرة كانت أقل استفزازاً من السابق، حيث استبدل النظام اسم وفده من الوفد المدعوم من الحكومة الى “الوفد الوطني”، وفي الحالتين فقد كان يحفظ خط الرجعة إذا ما أراد عدم التقيد بالنتائج، مع العلم أن مذكرة الأمم المتحدة التي دعت للاجتماع، ورد فيها أن الجولة بين وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة.

وقال حشوة ل”المدن”، إن “الهدف الآخر من لجوء النظام إلى هذا الأسلوب هو عدم الاعتراف بالمعارضة، التي صارت دولياً على الطاولة وطرفاً شرعياً في المفاوضات”.

دستور رئاسي
وكان الرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة طالب عقب انتهاء الجولة بأن يكون وفد النظام قادراً على الاجتماع بأسرع ما يمكن، للمضي قدماً والوصول إلى هدف اللجنة الدستورية، معرباً عن أمله في أن يكون جدول الأعمال “واضحاً والبنود محددة في الجولة القادمة”. وشدد على أنه لا يمكن لأي طرف أن يحقق حسماً عسكرياً في البلاد، مؤكداً على ضرورة تفعيل العملية السياسية.

صحيح أن المشكلة في سوريا ليست مرتبطة فقط بالدستور، بقدر ارتباطها بتطبيق بنود هذا الدستور واحترامه وعدم تجاوزه، ولكن الدستور الحالي هو دستور رئاسي، وهذه الصيغة تم رفضها من قبل المعارضة.

ورأى حشوة إلى أنه لا يمكن أن تنجح محاولات تعديل دستور النظام الحالي واعتماده كبديل عن دستور جديد يجب إنجازه، لأن المعارضة حسمت موقفها الرافض للنظام الرئاسي، بالمقابل فإنه من المستبعد أن يقبل النظام بأي تعديلات جوهرية، مضيفاً “كيف يمكن مثلاً التعامل مع نص المادة 114 من دستور النظام التي تقول إن للرئيس الحق في أوقات الخطر أن يفعل ما يشاء؟”.

ساحة تصفية حسابات
ورغم هذا فقد رأى العريضي أن كتابة دستور جديد لسوريا لا يحل الأزمة ولا يضع البلد على سكة الحياة، “إلا أنه بوابة إن فتحت سيتم الولوج من خلالها إلى ملفات أخرى، مثل إيجاد بيئة آمنة لانتخابات حرة على كل المستويات من البلدي إلى الرئاسي”.

وأوضح أن القضية السورية تم تدويلها، وأصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات وأنه “بقدر ما يكون هناك تخفيف لهذه المعادلة بقدر ما يعود ذلك إيجاباً على سوريا والسوريين”.

وكان المبعوث الروسي الخاص لسوريا ألكسندر لافرنتيف قد قال لوفد هيئة التفاوض: “لا تفكروا كثيراً ببشار الأسد بما يعني أنه لن يكون العائق” حسبما قال العريضي، الذي أضاف “لنأخذ هذا التصريح على محمل الجد ونضعه على الاختبار، لعل روسيا تنتقل من الحالة التكتيكية إلى الحالة الاستراتيجية في مقاربة ذلك”.

وأضاف العريضي “أميركا وضعت في قانون قيصر انخراط النظام في العملية السياسية كأحد شروط رفع العقوبات، والأجواء الإيجابية التي سادت في جنيف هي أحد نتاجات هذا القانون الذي يخشاه النظام وداعموه، فهو الذي حرمهم من قطف ثمار كل ارتكاباتهم بحق السوريين”.

وتابع أنه “لولا العملية الجارية في جنيف الآن لنجحت جهود النظام وداعميه بدفن القضية السورية دولياً، حيث حسم النظام الأمر لصالحه عسكرياً في أغلب الأراضي السورية، ماعدا الشمال، وبالتالي لولا هذه الجهود لخلا الجو للنظام ليفعل بسوريا ما يشاء”.

مجلس عسكري
من جانبه إدوار حشوة قال إنه يمكن البناء على النتائج سلباً أو إيجاباً لإجبار المجتمع الدولي على ايجاد الحل الذي قد يكون إعلاناً دستورياً للمرحلة الانتقالية في حال فشل الاتفاق على دستور جديد، مضيفاً أن “كثيرين لم يفقدوا الأمل وبعضهم ما زال يعتبر الأمر مجرد طبخة بحص لكنني أتوقع أنه إذا فشلت اجتماعات اللجنة أن يذهب المجتمع الدولي في النهاية الى مجلس عسكري سياسي”.

بين مماطلة وفد النظام ومحاولته تضييع الوقت، وجدية وفدي المعارضة والمجتمع المدني انتهت هذه الجولة، التي ستعقبها جولات لاحقة لوضع دستور جديد للبلاد. ليست واضحة فرص نجاح هذه الجهود بعد في بلد معرض لخلط الأوراق بناء على تطورات إقليمية ودولية في أي وقت.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى