الحراك السوري بأميركا: رفع العقوبات والمسار التفاوضي مع إسرائيل

عدنان علي

                                      

تشكل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني التي بدأت أول من أمس الخميس إلى الولايات المتحدة، محطة بارزة ليس فقط في مسيرة الإدارة السورية الحالية التي وصلت للحكم في نهاية العام الماضي، بل في تاريخ سورية المعاصر، بوصفها تشكل نقلة في الحراك السوري الخارجي، وتحمل توقعات وآمالاً بتحقيق انفراج داخلي، في وقت تواصل فيه إسرائيل تدخلاتها في الشأن السوري. ولا شك أن زيارة الشيباني تمهد للزيارة الأهم التي ستحمل خلال اليومين المقبلين الرئيس أحمد الشرع الى الولايات المتحدة بوصفه أول رئيس سوري يزورها منذ نور الدين الأتاسي في عام 1967، حيث من المفترض أن يكون الشيباني مهد الأجواء لتفاهمات واتفاقيات سواء على صعيد الرفع الكلي للعقوبات الأميركية عن سورية أو تلك المتصلة بالتفاهمات الأمنية مع إسرائيل، ومن الواضح أن ثمة علاقة وثيقة بين الأمرين، لدى صانع القرار الأميركي.

الحراك السوري الفارق

ووصفت وزارة الخارجية والمغتربين السورية زيارة الشيباني إلى واشنطن بأنها “محطة فارقة في مسار العلاقات بين سورية والولايات المتحدة بعد عقود من الانقطاع”. واعتبرت إدارة الإعلام في الوزارة، أن الحراك السوري “يعكس انفتاح سورية على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة سعياً لفتح صفحة جديدة من العلاقات، يتم خلالها مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما يخدم مصالح الشعب السوري”. وتشير اللقاءات التي يجريها الشيباني في واشنطن، والاجتماعات التي تواكبها، إلى درجة من الاهتمام الأميركي بهذه الزيارة، وما قد يتمخض عنها بعد وصول الشرع من تفاهمات واتفاقات، ستكون حاسمة في تشكيل توجهات الحكومة السورية خلال الفترة المقبلة.

واجتمع الشيباني في واشنطن مع عدد كبير من أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بينهم مؤثرون في السياسة الخارجية الأميركية، إضافة إلى أعضاء سبق أن زاروا دمشق خلال الأشهر الماضية، ويعدون من الداعمين للإدارة السورية. والتقى الشيباني في مبنى مجلس الشيوخ بشكل جماعي مع مجموعة من أعضاء المجلس ضمت كريس فان هولن، جين شاهين، روجر ويكر، كريس كونز، جوني إيرنست، جاكي روزن، ماركواين مولين، ريتشارد بلومنثال وأندي كيم.

أحمد المسالمة: الحراك الحالي يعكس انتقال النظام السياسي السوري من حالة العزلة إلى محاولة إعادة التموضع 

وأكدت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين، عضوة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أهمية تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي في سورية. وذكرت في بيان أن “القادة المجتمعين أكدوا خلال اللقاء المصلحة المشتركة في الوصول إلى سورية مستقرة ومزدهرة اقتصادياً وأهمية مستقبل سورية لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وأشاروا إلى أن العقوبات تعيق الاستثمار العاجل واللازم لاقتصاد سورية”. وحذرت شاهين، التي قدمت تشريعاً ثنائي الحزب لإلغاء العقوبات المفروضة على سورية، من خطر التقاعس عن العمل، وقالت: “يعاني الاقتصاد السوري من أزمة، وتحتاج سلطاته إلى موارد مالية للحفاظ على وظائف الحكم الأساسية”. كما التقى الشيباني بشكل منفرد مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جيم ريتش، وذلك بترتيب من المبعوث الخاص إلى سورية توماس برّاك. وقال ريتش إنه ناقش مع الشيباني “الخطوات الأساسية التي يتعين على سورية اتخاذها لضمان انفتاحها الكامل على الاقتصاد الدولي”، مشيراً إلى أن أمام سورية “فرصة لبناء ديمقراطية مستقرة، وهو ما تحتاجه المنطقة بشدة في هذه المرحلة وأنا متفائل بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح”. كما التقى الشيباني السيناتور ليندسي غراهام المقرب من ترامب. وصرح غراهام بأنه جرى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين سورية والولايات المتحدة، ورفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية. وقال غراهام إنه سيدعم إلغاء تلك العقوبات إذا تحركت سورية رسمياً نحو إبرام اتفاق أمني جديد مع إسرائيل وانضمت إلى تحالف ضد تنظيم داعش.

وكتب عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري جو ويلسون الذي سبق وزار دمشق: “تشرفتُ باستضافة وزير الخارجية السوري السيد أسعد الشيباني، أول وفد سوري يزور الكونغرس منذ 25 عاماً. لقد أتاحت قيادة الرئيس ترامب فرصة تاريخية لفصل جديد، يعود بالنفع على الجميع. على الكونغرس التحرك الآن: إلغاء قانون قيصر بالكامل”. وشملت اللقاءات الثنائية أيضاً النائب عن ولاية أريزونا إيب حمادة، وفق ما ذكرت الخارجية السورية. ولم تقتصر لقاءات الشيباني على أعضاء الكونغرس الأميركي، بل شملت أيضاً مسؤولين في وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين بحضور برّاك. وأعلنت وزارة الخزانة عبر حسابها على منصة “إكس” عن اللقاء، وقالت إنها تعمل مع سورية على إعادة ربط اقتصادها بالنظام المالي العالمي بشكل مسؤول وآمن، مع مكافحة تمويل الإرهاب.

انضمام سورية للتحالف ضد “داعش

كما التقى الشيباني مساء أمس الجمعة، نائب وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر لاندو. وذكر موقع “أكسيوس” الأميركي، مساء الخميس، أن الشيباني، يزور الولايات المتحدة لبحث ملف رفع العقوبات الدائم عن سورية بصورة دائمة، إضافة الى الاتفاق الأمني مع إسرائيل. ونقل الموقع عن غراهام قوله إنه يدعم الحراك السوري ويتطلع إلى انضمام سورية رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، والمضي نحو إبرام اتفاقية أمنية جديدة مع إسرائيل. من جانبه، أعرب برّاك عن تفاؤله في إصدار الكونغرس قراراً يفضي إلى إلغاء كامل لقانون قيصر، مشدداً في حديث لصحيفة “ذا هيل”، نُشر أمس الجمعة، على ضرورة الأخذ بتوصيات ترامب بشأن رفع العقوبات عن سورية. وقد حاول “العربي الجديد” التواصل مع الخارجية السورية للتعليق على هذه التطورات، لكن لم يكن هناك رد.

ورأى المحلل السياسي أحمد المسالمة، أن الحراك السوري في واشنطن يعكس انتقال النظام السياسي السوري من حالة العزلة إلى محاولة إعادة التموضع الإقليمي والدولي. ولاحظ المسالمة في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن زيارة الشيباني إلى واشنطن جاءت بعد اجتماعه مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في لندن، ما يربط هذا الانفتاح الأميركي على سورية بالمسار التفاوضي مع إسرائيل. كما لاحظ أنه سبق الزيارة الاتفاق على “خريطة الطريق” الخاصة بمحافظة السويداء السورية، التي أُعلن عنها بتنسيق ثلاثي بين سورية والأردن والولايات المتحدة، وهو ما يدعم موقف الحكومة السورية التي تعرضت لانتقادات بسبب حملتها العسكرية في السويداء وما تخللها من انتهاكات. يضاف إلى ذلك، بحسب المسالمة، البعد الأمني الميداني، حيث تستمر التوغلات والضربات الإسرائيلية في الجنوب السوري، ما يعكس إصرار تل أبيب على فرض قواعد اشتباك جديدة، ويجعل أي اتفاق أمني محتمل عرضة للتقويض في حال غياب ضمانات دولية ملزمة. واعتبر أن المسار السوري، وفق هذه المؤشرات، يتجه “نحو ترتيبات جزئية ومؤقتة أكثر من كونه تحولاً استراتيجياً شاملاً”، لافتاً إلى أن النجاح في هذه المرحلة: “يعتمد على قدرة دمشق على الموازنة بين متطلبات الانفتاح الخارجي والحفاظ على التماسك الداخلي، وهو توازن دقيق قد يحدد شكل المرحلة المقبلة في سورية”.

فؤاد عزام: الدبلوماسية السورية تعول على الانفراج الكبير الذي سينجم عن إلغاء قانون قيصر

أما الصحافي فؤاد عزام، فرأى أن زيارة الشيباني إلى الولايات المتحدة تأتي تتويجاً لحراك دبلوماسي مكثّف ونشط على المستويات العربية والإقليمية والدولية، بدأ بعيد سقوط النظام البائد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، من أجل رسم خريطة الحضور والتموضع السوري في المحافل الدولية، سواء لجهة الشرعية، أو لجهة انعكاسها الإيجابي على الأوضاع في سورية. واعتبر عزام في حديث مع “العربي الجديد” أن الحراك السوري يعكس اهتمام واشنطن بتنشيط الحوار والتعاون مع سورية للوصول إلى علاقات دبلوماسية طبيعية بين الدولتين، متوقعاً أن تسهم الزيارة في حلحلة ملفات عالقة، مثل إلغاء ما تبقّى من عقوبات، ومنها قانون قيصر. وقال إن الشيباني يسعى إلى إقناع مشرّعين بإزالة تحفظاتهم، و”هي مهمة ليست معقّدة، إذ إنه غير بعيد عن الخطوط العريضة لسياسة الإدارة الأميركية إزاء سورية، وتحكمها عوامل عدة أبرزها الموقف من إسرائيل، وهذا شهد تطوراً ملموساً سبق زيارته إلى واشنطن بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الشرع بخصوص إمكانية التوصل إلى اتفاقيات أمنية”. وأضاف أن الدبلوماسية السورية تعول على الانفراج الكبير الذي سينجم عن إلغاء قانون قيصر، بما يتيح الإقلاع في القطاعات الأكثر حيوية مثل المالية وإعادة البناء والطاقة، وجذب الاستثمارات إليها من قبل شركات عربية ودولية ما زالت تنظر بتوجس إلى الانخراط في هذه المجالات.

مسار رفع العقوبات

من جانبه، قال الصحافي عمار تباب إن الحراك السوري باتجاه واشنطن عبر زيارة الشيباني الحالية والشرع المتوقعة، يستهدف أساساً فتح مسار يتيح رفع العقوبات المفروضة على سورية بموجب قانون قيصر، خصوصاً مع وجود أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ لديهم تحفظات على سلوك الحكومة السورية. وأضاف تباب في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن إدارة ترامب منحت استثناءات محدودة لمدة ستة أشهر من العقوبات، لكن رفعها نهائياً شرط لا غنى عنه لجذب الاستثمارات. ولفت إلى أن هناك بعض المشرعين الأميركيين يدعمون رفع العقوبات، مثل جو ويلسون وجين شاهين، وقد تقدموا بالعديد من مشاريع القوانين التي تطالب بذلك، لكن حتى أولئك يريدون من الحكومة السورية تبني سياسة داخلية تصالحية تجمع كل السوريين. كما يركز بعض المشرعين مثل ليندسي غراهام على الاتفاق الأمني بين سورية وإسرائيل.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى