قال الخبير الروسي المختص بقضايا الشرق الأوسط، كيريل سيميونوف، في مقالة له نشرها موقع TRT باللغة الروسية، 26 آب/أغسطس 2020، إن نظام الأسد لم يساهم”في “بظهور داعش” في العراق فحسب، بل استخدم لاحقاً ولا يزال يستخدم هؤلاء المتشددين الأكثر تطرفاً لتحقيق مصالحه الخاصة”. وجاء في المقال الذي ترجمه الدكتور علي حافظ لموقع الناس نيوز:
“لم يساهم النظام في دمشق بظهور “داعش” في العراق فحسب، بل استخدم لاحقاً ولا يزال يستخدم هؤلاء المتشددين الأكثر تطرفاً لتحقيق مصالحه الخاصة.
يحاول نظام بشار الأسد التغلب على العزلة الدولية وتبرير وحشيته الخاصة خلال الحرب الأهلية. للقيام بذلك، تم تقديم الأطروحات في أن دمشق بالذات، كما يُزعم، أصبحت “البؤرة الأمامية” لمحاربة الإرهاب الدولي، ولعبت دوراً رئيسياً في المواجهة مع “الدولة الإسلامية” (داعش)، متحملة وطأة الضربة الرئيسية للإرهابيين.. هذه الأجندة لها صدى ليس فقط في المجتمع الروسي، وإنما أيضاً في بعض دوائر الولايات المتحدة، وفي بعض العواصم الأوروبية.
أثناء ذلك، وفي الواقع، إذا نظرنا بمزيد من التفصيل إلى تاريخ تفاعل النظام في سوريا مع الإرهابيين الدوليين، يتبين لنا أن دمشق نفسها لم تساهم فقط في ظهور “داعش” بالعراق، بل استخدمت لاحقاً ولا تزال تستخدم هؤلاء المتشددين الأكثر تطرفاً لتحقيق مصالحها الخاصة. إن حقائق هذا التعاون معروفة جيداً وأصبحت أكثر من مرة ملكاً للجمهور، ولكن حان الوقت للتذكير بها مرة أخرى.
الباحث في MEI تشارلز ليستر يؤكد في كتابه “الجهاد السوري، القاعدة والدولة الإسلامية وتطور التمرد” أن نظام الأسد لعب دوراً كبيراً في توسيع قدرات “القاعدة في العراق”، والجماعات الأخرى التي تحولت لاحقاً إلى “داعش”. قدمت دمشق مساعدة جدية للمقاومة المناهضة لأمريكا في العراق، وذلك ليس بدون سبب، بل خوفاً من أن يكون بشار الأسد هو المنافس التالي بعد صدام حسين، الذي سيُحرم من السلطة عن طريق التدخل العسكري. لذلك، كان من بين المهام ذات الأولوية للبعثيين السوريين القيام بكل ما هو ممكن حتى يغرق الأمريكيون في العراق لأطول فترة ممكنة، ويتكبدوا أكبر الخسائر. وتحقيقاً لهذه الغاية، تم تنظيم مراكز تدريب في البلاد لتجنيد وتجهيز السوريين، الذين من المفترض أن يذهبوا للقتال في العراق؛ وأنشأت المخابرات الأسدية معسكرات على أراضي السورية، ووفرت ممرات آمنة عبرها آلاف المقاتلين من جميع أنحاء العالم إلى البلد المجاور.
تم إنشاء القواعد الأولى لإرسال الأشخاص إلى العراق من قبل المخابرات العسكرية السورية في حلب عام 2003. وأرسل 5 آلاف مسلح من بين هؤلاء إلى العراق خلال الشهر الأول من الهجوم الأمريكي على بلاد الرافدين، حيث تم نقلهم في سيارات مقدمة من أجهزة الأمن السورية. بعد ذلك، افتتحت المخابرات معسكراً للأجانب في منطقة الزبداني قرب دمشق، ليكون مقراً لأبو غادية، مبعوث زعيم تنظيم “القاعدة في العراق” أبو مصعب الزرقاوي إلى سوريا.
استُخدم هذا المعسكر من أجل تجميع المقاتلين الأجانب الذين وصلوا إليه من لبنان، لنقلهم بعد ذلك بمساعدة المخابرات السورية إلى العراق. قدر عدد المتدفقين من سوريا إلى العراق في عام 2007، بنحو 100 شخص شهرياً. وصل 85-90 ٪ من مجموع الأجانب التابعين لـ “القاعدة في العراق” من سوريا عن طريق مساعدة أجهزتها الأمنية الخاصة. وقف كثير منهم في أصول نشوء “دولة العراق الإسلامية”، التي تحولت لاحقاً إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
عدوان “داعش، في سوريا بحد ذاته، والذي بدأ عام 2013، خدم أيضاً إلى حد كبير مصالح نظام الأسد، حيث كان موجهاً بشكل أساسي ضد المعارضة السورية. ما اضطر هذه الأخيرة إلى شن الحرب على جبهتين: ضد الأسد في غرب سوريا، وضد “داعش” في شرقها. أدى ذلك إلى إضعاف الثوار بشكل كبير وسمح لدمشق بالاحتفاظ بالعديد من المواقع، وحتى استعادة الكثير منها، والأهم من ذلك كسب الوقت. وهكذا، تم الاستيلاء على العاصمة السورية لـ “داعش”، مدينة الرقة، التي كانت تابعة لقوات المعارضة السورية، مثل معظم المناطق الأخرى التي أصبحت القاعدة الإقليمية لـ “داعش” في سوريا.
وفقًا لمركز IHS Jane’s للإرهاب والتمرد” (JTIC)، كان 6 ٪ فقط من نشاط الأسد العسكري موجهاً ضد “داعش” في عام 2014. بدورها، وجّهت “داعش” هجماتها في سوريا إلى وحدات دمشق المقاتلة في نفس الفترة بنسبة 13 ٪ فقط. على هذه الخلفية، ظهرت حقائق تشير إلى تفاعل اقتصادي مثمر إلى حد ما بين النظام و”داعش”؛ حيث تعرض رجل الأعمال السوري جورج حسواني، الذي تربطه علاقات جيدة بالدائرة المقربة من الأسد، لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد بسبب تجارة النفط والغاز اللذين أنتجهما “داعش”، وتحديداً فيما يتعلق بتنظيم إيصالهما من حقول داعش إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مشاريع مشتركة كاملة بين داعش والنظام السوري. على سبيل المثال، قام نفسه الحسواني بتنظيم حدث مماثل في معمل معالجة الغاز في توينان، الذي كانت تديره شركته “هيسكو”. بعد أن استولى تنظيم داعش على المجمع، واصل العناصر العمل كما كان من قبل، وزودت المحطة احتياجات نظام الأسد بالغاز. تمت إدارة المشروع بشكل مشترك من قبل “هيسكو” و”داعش”، وتقاسما الدخل. واللافت أن النظام اضطر للاعتراف بهذا التفاعل، مشيراً إلى أن بعض موظفيه يعملون تحت إشراف التنظيم، وذلك “حفاظاً على سلامة هذه المنشآت”.
إلى جانب التعاون في مجال النفط والغاز، زودت “داعش” الحكومة السورية بالحبوب عبر أراضيها. وسمحت بنقلها من شمال شرق البلاد إلى المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام، على حساب ضريبة الـ 25 ٪ التي احتفظ بها الإرهابيون لأنفسهم.
ومع ذلك، فإن العلاقات بين داعش ونظام الأسد لم تقتصر على المجال الاقتصادي فحسب. ففي حزيران/يونيو 2015، أثناء هجوم “داعش” على قوات المعارضة في حلب، قصفت طائرات الأسد هذه القوات في المنطقة التي تقدم فيها الإرهابيون الدواعش، مما وفر الدعم الجوي لهم.
استخدم نظام الأسد، في خريف 2017تنظيم “داعش” كقوات طليعة له خلال عملية أخرى في إدلب. ثم فتح ممراً بطول 13 كيلومتراً يسمح لمقاتلي التنظيم بالمرور عبر أراضيه بحرية، من منطقة أثريا شرقي سلمية، حيث كانوا محاصرين، نحو إدلب. في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2017 هاجم الدواعش بشكل غير متوقع المقاتلين في إدلب، ونتيجة لذلك، تمكنوا من احتلال أكثر من 10 مناطق. كذلك شنت القوات الحكومية بدورها هجوماً غرب وشرق قطاع تقدم الدواعش، مشكلةً في الواقع جبهة هجومية موحدة مع الإرهابيين.
في آب/أغسطس 2017، توصل ممثلو نظامي الأسد و”حزب الله” إلى اتفاق مع أمراء تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذين سيطروا على جيوب على طول الحدود السورية اللبنانية في غرب القلمون. ونص الاتفاق مع الإرهابيين على أن تؤمن قوات الحكومة السورية ممراً آمناً، أو ببساطة نقل 300 من عناصر داعش بالحافلات من الحدود اللبنانية عبر سوريا إلى نهر الفرات، مقابل تسليم مواقعهم. وبالتالي يستطيع هؤلاء المسلحون الانضمام إلى قوات “داعش” الرئيسية التي تقاتل ضد التحالف الدولي. بطبيعة الحال، غضبت القيادة الأمريكية من هذه “الصفقة” غير المسبوقة، وأعلنت أنها ستدمر قافلة الحافلات فور اقترابها من مناطق سيطرة “داعش” شرقي سوريا.
نتيجةً لذلك، وبعد محنٍ طويلة، و17 يوماً من نقلهم من مكان إلى آخر، تمكن نظام الأسد من إيصال هؤلاء الإرهابيين إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينتي الميادين السورية والقائم العراقية، الأمر الذي أثار غضب بغداد. ومع ذلك، وجه الأمريكيون ضربة إلى هذا الرتل، مما أسفر عن مقتل 85 منهم.
وأثناء القتال في مخيم اليرموك بدمشق ربيع 2018، أُبرمت أيضاً صفقة بين القوات الحكومية و”داعش”، نقل بموجبها النظام مسلحي التنظيم من ضاحية دمشق إلى صحراء السويداء، مع ضمان عدم الإعلان عن المنطقة التي سيتم فيها “تفريغ” الإرهابيين. إلا أنه سرعان ما أصبح معروفاً، حيث تمكنوا بمساعدة المخابرات السورية من التسلل إلى أراضي “الجبهة الجنوبية” المعارضة والتابعة للجيش السوري الحر، من أجل القيام بأعمال تخريبية وإرهابية في مؤخرة الثوار. ثم انضموا إلى قوات “جيش خالد بن الوليد”، وهي جماعة تعمل في محافظة درعا لحساب “داعش” من أجل تهيئة العملية المستقبلية للنظام في الجنوب. وخلال هذه العملية دخلت القوات الحكومية في مرحلتها الأخيرة من المواجهة مع فصيل “جيش خالد بن الوليد”، الذي كان محاصراً سابقاً من قبل “الجبهة الجنوبية” للجيش السوري الحر، وتم الضغط عليه لينتقل باتجاه الحدود الإسرائيلية. اعتبر بعض إرهابيي “داعش” المحليين أنه من الممكن إلقاء أسلحتهم والقتال تحت راية الأسد. كما حرر النظام قادة “داعش” الذين استسلموا له في حوض اليرموك جنوب غرب درعا، ليلتحقوا بصفوف تشكيلاته. وقد قُتل أحدهم، وهو عمر الرفاعي، رئيس أمن داعش السابق هناك، في وقت سابق من هذا العام أثناء قتاله ضمن صفوف قوات الأسد ضد المعارضة في إدلب.
بالنسبة لمقاتلي داعش السابقين الذين غيروا الولاء للبغدادي بالولاء للأسد، يبدو أن النظام السوري، وجد لهم على ما يبدو ملاذاً في ليبيا. أسس الجنرال المتمرد خليفة حفتر شراكة مع دمشق، وحصل على دعمها العسكري، والذي تضمن نقل أسلحة معينة إلى جيشه الوطني الليبي. بالإضافة إلى ذلك، أرسل البعثيون السوريون مرتزقتهم لمساعدة المشير الميداني الفاشل.
ربما بدأت عملية نقل السوريين إلى ليبيا من دمشق عام 2019، وتألفت المجموعات الأولى من الأسرى ومقاتلي “داعش” الذين وافقوا على خدمة الأسد، وبالتالي حاول النظام السوري إيجاد فائدة لهم في بقعة ساخنة أخرى.
ومع ذلك، فإن هذا بالكاد يمكن أن يضع نهاية لتاريخ الشراكة بين نظام الأسد و”داعش”. بالنظر إلى خبرتهم الطويلة في التفاعل، ومع درجة عالية من الاحتمال، ينبغي للمرء أن يتوقع ظهور حقائق جديدة للتعاون بين البعثيين السوريين وإرهابيي “داعش”، الذين تعلمت دمشق “ترويضهم” واستخدامهم لمصالحها الخاصة، ولا تتردد حتى في تجنيدهم للخدمة في صفوف تشكيلاتها المسلحة”.
المصدر: جسر. نت