أطلق الكرملين إشارات وصفت بأنها تحذيرية إلى أنقرة، بالتزامن مع تنشيط الاتصالات لعقد قمة حاسمة تجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان الخميس المقبل في موسكو.
وعكست التعليقات الرسمية الروسية على تطورات الوضع في إدلب تصاعد درجة الاستياء لدى موسكو بسبب مجريات العمليات العسكرية والتصريحات التي صدرت عن القيادة التركية خلال اليومين الأخيرين، وهو ما برز خلال تشديد الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، أمس، على دعم الكرملين الكامل لـ«مواصلة العمليات ضد الإرهاب في سوريا»، في إشارة إلى تأكيد موسكو تأييدها التحركات التي يقوم بها الجيش السوري في منطقة شمالي غرب البلاد.
وحدد بيسكوف ما وصف بأنه «الموقف الروسي الثابت» حيال تطورات الوضع في سوريا، وقال إن «تعاطي موسكو مع الأزمة السورية لم يتغير أبدا، وهو نفس الموقف الذي ذكره مرارا وتكرارا كل من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف. وكذلك وفد الخبراء المشترك بين الإدارات، والذي تحدث في الأيام الأخيرة مع زملائه الأتراك».
وأضاف «نحن ملتزمون باتفاقات سوتشي، وسوف نواصل دعم سوريا في الحرب ضد الإرهابيين، والمنظمات الإرهابية الواردة في قائمة الجماعات الإرهابية التابعة للأمم المتحدة»، لكنه أضاف في الوقت ذاته أن موسكو «تعلق أهمية كبيرة على التعاون مع الشركاء الأتراك في هذا المجال». مشددا على أن «العسكريين الروس والأتراك على تواصل دائم في سوريا، ومحادثات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان ستلقي وضوحا أكثر على الوضع في إدلب».
وبرغم تأكيد بيسكوف على مواصلة الاتصالات مع الجانب التركي، لكنه تعمد توجيه تحذير قوي إلى أنقرة عبر التأكيد على إعلان وزارة الدفاع الروسية أن موسكو لن يكون بمقدورها «بعد الآن» أن تضمن سلامة الطيران التركي في أجواء إدلب. كما انتقد المتحدث بقوة دعوة إردوغان، أخيرا، لروسيا بأن تتنحى عن الصراع الدائر بين أنقرة ودمشق، وقال إن على كل الأطراف أن تتذكر أن «روسيا الدولة الوحيدة الحاضرة في سوريا بصورة شرعية». موضحا أن بلاده «موجودة وتعمل في سوريا بطلب من حكومتها الشرعية فيما جميع القوات العسكرية الأخرى موجودة حاليا في سوريا بشكل مخالف لقواعد ومبادئ القانون الدولي»، وزاد أنه لا يمكن تجاهل أن «الجيش السوري يحارب الإرهابيين، الذين تعهدت تركيا بتقويض نشاطهم هناك بموجب اتفاقات سوتشي».
وذكر بيسكوف بأن «الإرهابيين في سوريا يضربون المنشآت العسكرية الروسية، لذلك ورغم كل التصريحات فإن المعركة ضد هذه العناصر الإرهابية سوف تتواصل».
وشكلت الإشارة حول عدم ضمان أمن الطيران التركي تأكيدا لإعلان وزارة الدفاع الروسية في هذا الشأن. وكان رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا أوليغ جورافلوف، قال إن روسيا لا يمكنها ضمان أمن الطيران التركي بعد إغلاق المجال الجوي فوق إدلب. وذكر أن السلطات السورية، اضطرت للجوء إلى مثل هذه الخطوة، على خلفية تدهور الوضع بشدة في المجال الجوي للمحافظة السورية.
وحملت هذه التصريحات رسالة تحذيرية قوية من جانب موسكو بعدما كانت دمشق أعلنت أنه «سيتم التعامل مع أي طيران يخترق مجالنا الجوي على أنه طيران معاد يجب إسقاطه ومنعه من تحقيق أهدافه العدوانية». لكن هذه اللهجة لم تقتصر على الوضع الميداني، بل انعكست في تعاطي الأوساط المقربة من الكرملين مع زيارة إردوغان، الخميس، إذ حملت تعليقات الصحف الروسية الحكومية إشارات إلى درجة الاستياء الروسي بسبب التطورات الأخيرة، وما وصف بأنه «التصعيد التركي المتواصل».
هذا وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر روسي، أن ظريف سيزور موسكو الأربعاء لإجراء محادثات مع لافروف. غير أن مراقبين إيرانيين يرون في الزيارة استباقا لزيارة إردوغان ومحاولة لإرجاع مسار آستانة في الملف السوري.
ونقلت وسائل إعلام عن شخصيات مقربة من الكرملين، أن موسكو منحت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فرصة لتنفيذ اتفاقات سوتشي بشأن سوريا، قبل لقائه الرئيس فلاديمير بوتين: «لكنه لا يحاول خلق جو مناسب لذلك». وقال أحد الخبراء إن الرئيس التركي تجاهل الدعوات الروسية و«انطلق في مغامرة محفوفة بالمخاطر تدفعه إليها بكل سرور الولايات المتحدة من أجل الانتقام من موسكو». مشيرا إلى أن إردوغان «يرتكب خطأ تلو الآخر» في علاقته مع روسيا، مذكرا بأن الرئيس التركي كان اضطر لتقديم اعتذار بسبب إسقاط الطائرة الروسية «سوخوي – 24» في عام 2015.
ووفقا للخبير فإن «روسيا لا تزال تتصرف بسياسة ضبط النفس، تاركة فرصة لإردوغان، لكن من الواضح أن للكرملين حدودا من الصبر».
المصدر: الشرق الاوسط