لعلها نقطة الضوء في آخر النفق. بل الأمل الذي لا بد منه لأي حي أو بشر. كي يعيش بين ظهراني حيوات مفعمة بالأسى.. وبين ملاذات الآن المجتمعي.. إنها نقطة الضوء
البعيدة.. وآخر المشوار. وآخر العلاج.. الذي لا ضير منه، ولا مناص إلا فيه، ففي الحياة الإنسانية تكمن مآلات، ومآلات. وتتموضع منعرجات، وتتحدد مسارات، وترنو النفوس فيها، وعبرها، إلى انفلاتات، تكمن فيها، وعلى الدوام، آمال وأحلام.
في حالات التدهور والانتكاس، تتطلع العيون إلى ما وراء الأفق، وتتحوقل الألسن، بكلمات هي بالضرورة تلمسًا موضوعيًا، لطريق موصل في نهاية المطاف إلى آخر النفق.
في حياة الشعوب محطات ومواقف، وبعض بقعٍ من الضوء المنبعثة منها، رائحة المستقبل، ووقائع الحاضر، عبر تاريخانية فكرية، منجَدِلة مع الآن، والماضي، فيوم قدر الله وخلق البشرية والانسان، وصور الواقع، وفق منظور إلهي لاهوتي مستقبلي. دعا الانسان ليكون خليفته على الأرض، وحمله الأمانة، وحملها الانسان. رغم كل غوايتها ورشدها، ويوم قرر الإنسان في نسقه المجتمعي أن يفلسف الحضارة، ويبني له بها مساره الآيل نحو السقوط، في ملاذات لا بد منها.. انبرى هذا الأنسي، ليكون صاحب الحلم، وصاحب الضوء البعيد المدى، فكان ما كان من هنات هنا، وأنَّات هناك، وآمال في الجهة الأخرى. إلا أنه وعلى الدوام كان ينهل من معين سراج حضاري لا تطفأ ناره، يحمله بين أنامله الملطخة بالدماء، ليثبت أنه موجود. ومادام يفكر فهو موجود، حسب ديكارت، ولأنه بالتضاد أحياناً، وبالتماهي أحياناً أخرى مع سقراط بقوله: “كل واقف فإلى نقصان أقرب ” ومن يريد أن يبني المستقبل، فإن أمامه مقولة شاخصة، لا ضير من استيعابها، تقول: ” ان الخطر في المراهقة الفكرية … إنما يخلق نوعاً من الارهاب المعنوي، يعرقل التجربة والخطأ “. ومع ذلك فما زال الضوء في آخر النفق، تعبث فيه العيون، وتمتصه القلوب، بأمل بسمة الديمومة الباقية، وهي حالة ما برح السوري يعيشها، وعيونه شاخصة إلى آخر النفق حيث بصيص الأمل ونقطة الضوء، وهو مازال ينتظر النهايات، بأمل فاعل ملموسي على الأرض، يراه قريبًا، حتى لو رآه الآخر بعيدًا.