إدارة أزمة أم هندسة مستقبل.. ما الدور الإقليمي في ملف السويداء؟

طرحت الدلالات السياسية لاتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل تساؤلات عميقة حول مدى التحوّل الذي تشهده خريطة التفاهمات في الجنوب السوري، وسط مشاركة فاعلة لأطراف إقليمية ودولية، في اتفاق غير مسبوق من حيث الأطراف والملفات التي تضمنها.

الاتفاق الذي أُعلن عنه بوساطة أميركية وبدعم أردني، خرج عن الإطار التقليدي لمجرد تهدئة ميدانية، ليمنح تل أبيب دوراً غير مباشر على طاولة تبحث في ملف سوري داخلي بامتياز، ما أثار انتقادات واسعة بشأن مدى المساس بالسيادة الوطنية السورية، والتداخل بين المسارات العسكرية والسياسية.

المباحثات الثلاثية التي جمعت وزيري خارجية سوريا والأردن بالمبعوث الأميركي الخاص لسوريا يوم أمس، ركزت على خطوات تنفيذية عاجلة، من بينها نشر قوات الأمن السورية في السويداء، والإفراج عن المحتجزين، وتقديم مساعدات إنسانية، في موازاة دعم المصالحة المجتمعية، ما يعكس سعياً لإنهاء التوتر الأمني المتصاعد في المحافظة.

بدوره، حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطاب متلفز من محاولة بعض الشخصيات المحلية استغلال الوضع للدفع باتجاه أجندات انفصالية، مدفوعة بدعم خارجي، مؤكداً أن بعض المجموعات المسلحة تسعى لإعادة إشعال الصراع، رغم التزام الدولة بتقديم الخدمات والدعم لمحافظة السويداء منذ تحرير البلاد.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، برز الدور الأردني كلاعب محوري يسعى لتطويق الأزمة، خاصة أن السويداء تُعد امتداداً حدودياً مباشراً للمملكة، وبينما يرى مراقبون أن الاتفاق قد يشكّل مدخلاً لتحولات في قواعد الاشتباك، فإن السؤال الأبرز يبقى: من يرسم حدود المرحلة المقبلة، في ظل تداخل الملف الأمني بالسياسي، والإقليمي بالمحلي؟

سوريا تمر بمرحلة حساسة” 

قال وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، إن بلاده تدرك تماماً حجم الأزمة في سوريا، مشيراً إلى أن سوريا دولة تمر بمرحلة حساسة، وتحاول أن تستعيد استقرارها، وتبحث عن تنمية اقتصادية حقيقية بعد رفع العقوبات، وتسعى إلى حلول للمشكلات الداخلية التي تواجهها.

وأوضح المعايطة في لقاء مع تلفزيون سوريا، أن الأردن حرص منذ البداية على أن يبقى ما يجري في السويداء شأناً سورياً داخلياً، وأن يتم التوصل إلى توافق سوري – سوري، إلا أن تطورات الأحداث واتجاهات معروفة دفعت بالقضية نحو مسار آخر، ما أتاح للطرف الإسرائيلي الدخول على خط المعادلة، رغم أن الأصل أن تبقى داخلية سورية بحتة.

وأضاف أن إسرائيل لديها مشروع في المنطقة، وتسعى إلى تقسيم سوريا عبر استغلال نقاط الضعف الأمنية، وتطرح اتفاقات وفق شروطها الخاصة، مبيناً أن الأردن كان واعياً لهذا التوجه، وسعى مبكراً إلى تطويقه، بما يضمن عدالة الحل ويحافظ على مرجعية الدولة السورية، انسجاماً مع الموقف العربي الذي أكد مؤخراً على دعم سوريا كوطن لكل السوريين.

وأكد أن تفاصيل ما جرى في السويداء ذات طابع داخلي، لكن الأردن عمل مع الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا، للمساهمة في إنجاح الاتفاق الذي تم التوصل إليه، آملاً أن يتحول هذا الاتفاق إلى واقع ملموس ومستدام على الأرض.

وشدد المعايطة على أن الأزمة في السويداء تؤثر بشكل مباشر على الأردن، نظراً لكونها محافظة حدودية، موضحاً أن أي انفلات أمني أو تدفق للمسلحين قد ينعكس على الأمن الأردني، ولذلك، فإن السعي الأردني يستند إلى هدفين أساسيين: دعم الدولة السورية واستقرارها من جهة، وحماية الأمن الأردني من جهة أخرى.

ولفت أن بلاده ستظل داعمة لأي حل يضمن تنفيذ الاتفاق، والعمل مع الأطراف الضامنة لضمان صموده واستمراره، ومنع العودة إلى حالة الاقتتال والفوضى والخطف التي كانت سائدة، داعياً إلى تعامل إيجابي وجاد من جميع الجهات المعنية لتفادي الانهيار مجدداً.

الدور الأميركي في الاتفاق 

قال حازم الغبرا، المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة تتابع عن كثب تطورات الوضع في سوريا، مؤكداً أن واشنطن معنية بنجاح التجربة السورية الجديدة، وبتفادي أي اضطرابات داخلية أو توتر مع دول الجوار، لا سيما في ظل التصعيد الأخير الذي باغت الجميع في جنوبي البلاد.

وأضاف الغبرا أن سرعة التصعيد الميداني، وما رافقه من تدخل إسرائيلي مباشر، استدعى العودة العاجلة إلى طاولة الحوار والدبلوماسية، مشيداً بالدور التركي والأردني في تهدئة الموقف ونزع فتيل الأزمة، لكنه لفت إلى أن هذه الجهود لا تعني نهاية المشكلة، بل تشير إلى بداية مرحلة جديدة تتطلب عملاً أكثر عمقاً.

وأشار إلى أن واشنطن بدأت بالفعل نقاشات داخلية حول مستقبل العلاقة مع سوريا، من بينها سرعة رفع العقوبات، لكنه اعتبر أن التحرر من نظام الأسد لا يكفي، إذ تبقى المعركة الأهم هي تحرير “العقل السوري” من تركة نظام الأسد، في إشارة إلى التحريض على العنف الذي ما زال منتشراً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما حدث مؤخراً في حي الصالحية من قمع للمعتصمين السلميين.

وانتقد الغبرا ما وصفه بالتسرع في بعض خطوات الحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في آذار الماضي لم يكن كافياً للخروج من ظلام العهد السابق، داعياً إلى تخطيط جاد لإعادة بناء العلاقة بين السوريين، بعيداً عن أدوات الماضي، مؤكداً أن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة، لكن الدور الأساسي يجب أن يبقى سورياً خالصاً، وبقيادة الدولة الجديدة.

كما شدد على ضرورة التعامل الجاد مع ملف الأقليات، معتبراً أنها تحتاج إلى ضمانات إضافية وطمأنة واضحة، خاصة في ظل الخطابات التحريضية التي تستهدفهم من قبل بعض المواطنين على وسائل التواصل، قائلاً إن استقرار سوريا يتطلب معادلة اجتماعية جديدة، تبدأ من دمشق، محذراً من أن الفشل في تحقيق ذلك سيؤدي إلى تكرار الأزمات بشكل أكثر خطورة.

انزلاق خطير” 

قال الباحث والمحلل السياسي الدكتور محمود حمزة إن ما جرى في السويداء يكشف عن انزلاق خطير في المشهد السوري، بعد دعوات علنية لتدخل إسرائيلي مباشر، مشيراً إلى أن قصف العاصمة دمشق مؤخراً من قبل إسرائيل جاء – حسب رأيه – لإرضاء حكمت الهجري، الذي وصفه بأنه “ينادي بأفكار غير معقولة وغير واقعية”.

ورأى حمزة أن الهجري بات يتصرف بما لا يترك مجالاً للشك بأنه مرتهن لقوى خارجية، وأنه ارتكب خيانة عظمى بحق الشعب السوري عبر دفع السويداء إلى مواجهات دموية، بمساندة مجموعات من المسلحين المرتبطين ببقايا الأمن العسكري وفلول النظام وتجار المخدرات، وفق تعبيره.

واعتبر أن الجرائم المرتكبة ضد العشائر والبدو، من قتل للنساء والأطفال، لا يمكن أن تصدر عن أبناء السويداء، إلا إذا كان منفذوها واقعين تحت تأثير المخدرات أو بدوافع متطرفة، مشدداً على ضرورة التمييز بين “سلوك الميليشيات الإجرامية” وبين الأهالي في جبل العرب، تماماً كما يجب التفريق بين ممارسات فلول النظام في الساحل وبين أهل المنطقة من الطائفة العلوية.

وأشار إلى أن دعوات الهجري لتدخل إسرائيل لا تندرج في إطار دعم إنساني أو تنموي يمكن تفهمه، بل في سياق الحماية والتدخل العسكري، وهو ما يشكل – بحسب وصفه – موقفاً خيانياً صريحاً، خاصة عندما يكون الطلب موجهاً إلى حكومة نتنياهو المتورطة في قتل الفلسطينيين والعرب بشكل يومي.

وأكد أن للرئيس السوري أحمد الشرع، أو أي مسؤول حكومي، الحق في التفاوض باعتباره يمثل الدولة ومصلحة الشعب، في حين أن شخصيات محلية مثل الهجري لا تملك هذا التفويض، ولا يحق لها تقديم تنازلات أو فتح قنوات مع أطراف خارجية.

ما مدى ارتباط الاتفاق بالإقليم؟ 

قال وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، إن ما يجري في الجنوب السوري لم يعد شأناً محلياً أو صراعاً داخلياً فحسب، بل تحوّل إلى ملف إقليمي بامتياز، لا سيما بعد الانخراط المباشر لإسرائيل، التي لم تكتفِ بالضربات العسكرية، بل باتت تطرح مشاريع استراتيجية تتعلق بالمنطقة، مثل إقامة مناطق منزوعة السلاح في جنوبي سوريا.

وأشار المعايطة إلى أن إسرائيل أصبحت شريكاً فعلياً في المعادلة الجارية حالياً، وأنها تمارس دوراً مباشراً، ليس فقط من خلال الضربات الجوية على مواقع سورية، بل أيضاً كطرف ضاغط في أي اتفاق يتعلق بالسويداء، موضحاً أن إسرائيل، في حال لم تكن جزءاً من التفاهمات، ستواصل قصفها للأراضي السورية بحجة الرد على تحركات الحكومة السورية في المنطقة.

ورأى أن الاتفاق الذي تم مؤخراً برعاية دولية – بمشاركة تركيا والولايات المتحدة والأردن – يهدف بالأساس إلى تهدئة ميدانية تشمل سحب القوات وتبادل المحتجزين ووقف القتال، لكنه وصفه بـ”الاتفاق الإجرائي”، الذي لا يمكن أن يكون نهاية المسار، بل مقدمة لاتفاق أشمل يتعلق بالجنوب السوري ككل.

وأكد أن دور إسرائيل تعزز بشكل واضح، إذ لم تعد مجرد طرف خارجي يراقب، بل أصبحت تجلس “على الطاولة”، وتمارس ضغطاً مباشراً، بما في ذلك عبر دعم بعض القوى المحلية في السويداء، والضرب دفاعاً عنها. لذلك، اعتبر أن الدولة السورية أصبحت مضطرة للدخول في تفاهم سياسي أو أمني معها، ولو بحده الأدنى.

كما أشار المعايطة إلى أن العرب وبعض الدول، وخصوصاً الأردن وتركيا، يقفون إلى جانب الدولة السورية في هذه المرحلة، ويؤيدون استقرارها ودعم مؤسساتها، لكنه لفت إلى أن القرار النهائي بشأن الجنوب السوري لن يكون سورياً خالصاً، بل سيكون بحاجة إلى توافق إقليمي، وربما إلى اتفاق سياسي واضح مع إسرائيل، لا سيما أن تل أبيب دخلت جغرافياً إلى الملف ولم تعد محصورة بملف الجولان فقط.

وختم المعايطة بالقول إن نجاح الاتفاق الحالي يعتمد على حسن تنفيذه في الأيام المقبلة، وفي حال تحقق ذلك، فستكون هناك ضرورة حتمية لترسيخ حالة استقرار دائم في الجنوب من خلال تفاهمات مباشرة بين سوريا وإسرائيل، مضيفاً أن إسرائيل اليوم باتت لاعباً داخلياً في الملف السوري، وليست مجرد جهة خارجية على أطراف المشهد.

من سيلعب دور الضامن؟

أشار حازم الغبرا إلى أن إسرائيل تعتبر المنطقة الحدودية ومسألة العتاد الثقيل جزءاً من أمنها القومي، ولذلك تعتقد أنها تملك الحق في التدخل إذا شعرت بتهديد مباشر، سواء من تحرك عسكري كبير أو احتمالات لوقوع مجازر جماعية، وفي هذه الحالة، فإن قدرة الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل تكون محدودة.

وأكد أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانخراط المباشر في كل أزمة داخل الشرق الأوسط، ولهذا تحاول الدفع نحو حلول دبلوماسية أو عبر شركاء إقليميين، مضيفاً أن واشنطن بدأت فعلياً بالتساؤل عن أدوار السعودية وتركيا، بوصفهما أطرافاً ضامنة يفترض أن يكون لها حضور أكبر في التهدئة، خاصة بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترمب.

واعتبر الغبرا أن الوقت حان لتفعيل دور الأطراف الإقليمية في دعم الاستقرار، بدلاً من الاتكال على تدخلات أميركية متكررة، وانتقد من وصفهم بـ”الذين يكتفون بإلقاء اللوم” دون تقديم حلول عملية، مشيراً إلى أن الطريق الأفضل يتمثل في فتح قنوات حوار مع المجموعات المحلية، وتقديم حوافز اقتصادية واجتماعية حقيقية، تكون أقل كلفة من الحلول الأمنية والعسكرية.

وختم حديثه بالتأكيد على أن نجاح الرئيس الشرع لا يُقاس بفرض السلاح أو القمع، بل بقدرته على دفع تلك المجموعات إلى التخلي عن السلاح طواعية، داعياً إلى تبني فكر جديد يليق بـ”سوريا الجديدة”.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى