
في نهاية ولايته الأولى، غادر ترامب البيت الأبيض وهو يهجس بجائزة نوبل للسلام، ولماذا مُنحت لسلفه باراك أوباما وحظرت عليه، هو الذي “أنهى الصراع العربي الإسرائيلي” باتفاقيات إبراهيم. وعاد إلى البيت البيض، وما زال يهجس بالجائزة، بل يكرس كل خطواته ووعوده بإنهاء الحروب المشتعلة لهذا الهدف. لم تنجح كل جهود الديموقراطيين لحؤول دون عودته الثانية إلى البيت الأبيض، بل رفعت طاووسيته إلى أقصاها، وأفرط في توزيع الوعود بإنهاء أكثر الحروب إستعصاءً بساعات أو أسابيع.
نتنياهو الذي لا يقل طاووسية عن ترامب، استغل هوس نظيره بنوبل للسلام، وباستعراضية ممجوجة، قدم لترامب ترشيحه للجائزة، وبجانبه زوجته وإبنه، وأغدق في الكلام عن الجهود التي يبذلها المرشح لوقف الحروب في العالم. وبالطبع لم يلتفت الإثنان معاً إلى اتهام الجنائية الدولية لنتنياهو بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وهما اللذين شنا حرباً شعواء على المحكمة الدولية، وفرض ترامب عقوباته على قضاتها.
ترامب لا يهدي بل يُهدى، ووقوفه إلى جانب نتنياهو بوجه المحكمة الدولية ليس هدية مجانية، بل هو بحاجة شديدة إليه الآن “لإنهاء” حرب غزة وحرب إيران، كخطوة جدية ومهمة في الطريق إلى نوبل للسلام. ولهذا لم يجد غضاضة في طلب وقف محاكمة نتنياهو في إسرائيل ووصفه بـ”المحارب والبطل العظيم” الذي تنتظره انتصارات عظيمة وتوسيع دائرة السلام. وترامب يعرف أن علاقة نتنياهو بالعدالة الإسرائيلية ومحكمتها العليا، قضية تسببت بانقسام المجتمع الإسرائيلي عامودياً، وهددت بنشوب حرب أهلية في الدولة العبرية. “لكن ترامب لا يهتم بالتفاصيل”، حسب معلق صحيفة هآرتس منذ أسبوع.
الإعلام في العالم، ومنذ سنوات، لا يكتب عن محاولات ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، بل يكتب عن هوس ترامب بالجائزة.
نهاية الشهر المنصرم نشر موقع mail.ru الروسي نصاً، نقل فيه عن مواقع إعلامية تتحدث عن هوس ترامب بنوبل للسلام. استهل الموقع نصه بالنقل عن الأسبوعية الأندونيسية Tempo قولها إن لدى ترامب هاجس واحد يسعى جاهدًا لتحقيقه: الفوز بجائزة نوبل للسلام. وليس من المستغرب أنه حاول مرارًا أن يكون صانع سلام بين الأطراف المتنازعة، ولكنه فشل في معظمها.
أشارت الأسبوعية إلى عضو الكونغرس الجمهوري بادي كارتر الذي رشح ترامب لنيل نوبل للسلام، وعلل الترشيح بـ”الدور الاستثنائي والتاريخي” الذي لعبه ترامب في وضع “نهاية سريعة” للصراع الإيراني الإسرائيلي، الذي كان يهدد باندلاع حرب إقليمية شاملة. لكن يبدو أن البرلماني الأميركي قد سها عن هشاشة الوضع القائم الآن وانعدام الثقة التام بين الطرفين، والذي يهدد بتجدد الحرب، حسب الأسبوعية.
يشير الموقع الروسي إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها ترشيح ترامب لنيل الجائزة، ويذكّر بالنائب الأوكراني ألكسندر ميريجكو الذي رشّح ترامب أيضاّ في تشرين الثاني/نوفومبر 2024 لنيل الجائزة. لكن البرلماني الأوكراني عاد وسحب ترشيحه هذا في أواخر حزيران/يونيو المنصرم، بعد أن فشل ترامب في تنفيذ وعده بإنهاء الصراع الأوكراني الروسي، وفرض العقوبات التي هدد بفرضها على روسيا إثر القصف الكثيف لمدينة كييف وبقية المدن الأوكرانية، وامتنع عن شجب هذا القصف.
يذكّر الموقع الروسي بتأييد باكستان لترشيح ترامب لللجائزة إثر تدخله لوقف التصعيد مع الهند، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذا التأييد بعد القصف الأميركي لإيران. كما ذكًر أيضاً بترشيح سياسيين نرويجيين وسويديين لترامب، إثر نجاحه في عقد “اتفاقيات إبراهيم”. لكن كل الترشيحات هذه لم تنجح حتى الآن بنيل ترامب لجائزة نوبل للسلام.
يعلق الموقع على ترشيحات ترامب للجائزة، ويقول بأن جهود ترامب لحل النزاعات وإحلال السلام، هي جهود سطحية وغير كافية، وجائزة نوبل لا تمنح لمجرد عقد اجتماعات أو مفاوضات من دون تحقيق إنجازات كبيرة ودائمة في مجال السلام.
أثناء حملته الانتخابية تحدث ترامب في مهرجان انتخابي في مدينة لاس فيغاس عن استحقاقه نوبل للسلام أكثر من باراك أوباما. وعنونت الخدمة الروسية في الموقع الإلكتروني الأميركي Reddit النص الذي نشرته بالمناسبة في 26 تشرين الأول/ أوكتوبر بالقول: “في كلمة ألقاها في تجمع انتخابي، اتخذ منعطفاً غريباً هوس ترامب الغريب بجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها أوباما”.
لم ينشر الموقع -المؤيد بوضوح للمرشحة كمالا هاريس- النص، واكتفى بنشر تعليقات القراء. قال أحدهم، إن ترامب “لا يستحق حتى جائزة وجبة الأطفال “هابي ميل” من ماكدونالد. ولن يرى جائزة نوبل أبدًا”.
وقال آخر “إذا فاز في نوفمبر/تشرين الثاني وسحب المساعدات من أوكرانيا، وإذا سقطت أوكرانيا بعد ذلك في يد روسيا، فكن على يقين من أنه سوف يدعي أنه أنهى الحرب ويستحق الجائزة”.
الموقع الإلكتروني الأوكراني ukr.net، وإثر الاشتباك الكلامي الشهير في المكتب البيضاوي بين ترامب وزيلينسكي، نشر نصاً بعنوان “ترامب مهووس بالفوز بجائزة نوبل للسلام”.
استهل الموقع نصه بالنقل عن Axios. قوله إن ترامب كان دائماً مهووسًا بالسلطة والانتقام من أعدائه والفوز بجائزة نوبل. ولذلك، يسعى جاهدًا لوقف القتال بالضغط على أوكرانيا. ويضيف الموقع الأميركي بالقول إن معلوماته تشير إلى أن إدارة ترامب تمارس الضغوط عليه الآن لنيل جائزة نوبل للسلام. وهذه هي بالذات خلفية الاشتباك الكلامي بين ترامب وزيلينسكي. وعلى نحو متزايد أصبح الحديث عن الجائزة يحدد الكيفية التي يركز بها مسؤولو الإدارة على جهود ترامب لإنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة. ويستشهد بتصريح لوزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، رأى فيه أن ترامب يستحق جائزة نوبل للسلام، حيث أن عمله يهدف لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. ويشكك الوزير الأميركي بجائزة نوبل، حين قال إنه لو كانت الجائزة تُمنح بشكل عادل، لكانت مُنحت لترامب في العام 2016.
رأى الموقع الأميركي أن الإشكال مع زيلينسكي في المكتب البيضاوي ورد فعل الدول الأوروبية المستنكرة لسلوك ترامب، تركت أثراً سلبياً على حظوظ ترامب بالفوز بالجائزة. وقال إن ترامب الذي يطمح للحصول على نوبل للسلام، يشك في أن لجنة الجائزة التي يعينها البرلمان النرويجي ستمنحه الجائزة يوماً ما.
الصحيفة الروسية Gazeta قالت في مانشيت عددها في 8 الجاري، إن أعضاء البرلمان (الدوما) الروسي سخروا من ترشيح ترامب لجائزة السلام. ونقلت عن عضو لجنة الدفاع في البرلمان أندريه كاليسنيك قوله، إن ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام من قبل نتنياهو، تبدو محاولة للأخير للتقرب من الراعي الأميركي. ورأى أن الترشيح لجائزة نوبل، هو في الحقيقة، مسألة فائقة الأهمية، لكن نتنياهو يستخدمها كمحاولة لكسب ود ترامب. وتبدو في الحالة الراهنة سخيفة للغاية، كما لو أنهم يرشحون امبراطور المخدرات الكولومبي لجائزة مكافحة المخدرات.
ورأى كاليسنيك أن اقتراح نتنياهو ينافي المنطق، لأن الولايات المتحدة غالباً ما تكون المبادرة لإشعال الصراعات في أنحاء العالم. ويبدو أن المنطق في الغرب ليس مطلوباً اليوم.
موقع Lenta الروسي نقل في 8 الجاري عن البوليتولغ الروسي المتخصص بالشؤون الأميركية مالك دوداكوف قوله، إن الجائزة ترتبط بنجاح سياسة ترامب في المسألة الأوكرانية وفي الشرق الأوسط. ورأى أن من المهم بالنسبة لترامب الحصول على الجائزة، في إطار المنافسة مع باراك أوباما المستمرة منذ العشرية الأولى من القرن الحالي، لكن حظوظه بالفوز بها ليست كبيرة.
المصدر: المدن