
فادي مجرم حرب، ومسؤول مباشر عن مجزرة حي التضامن جنوبي دمشق، وعن الإشراف المباشر (بعض الوقت) على قصف مخيّم اليرموك والحجر الأسود، وتؤكد تقارير دوره في الاعتقالات التعسّفية. فادي هذا، قال عنه عضو لجنة السلم الأهلي، حسن صوفان، إن القيادة السورية أعطته الأمان، في حديث للإعلام (10/6/2025). أثارت جملته هذه رفض أغلبية السوريين، فالرجل مجرم، ومكانه السجن، والعفو عنه (وعن سواه من مجرمين) من حقّ ضحاياه أو ذويهم فقط. وقد أشار حقوقيون كثيرون إلى أن تصريحات صوفان تتجاوز أعمال لجنته، وتتطفّل على أعمال لجنة العدالة الانتقالية، التي صدر مرسوم جمهوري بها، ولكنّها لم تفعّل بعد، وهناك مطالباتٌ حقوقيةٌ بأن يشارك ذوو الضحايا، والمنظّمات المعنية، في صياغة قانونها وفي الإشراف على تطبيقها، وأن تكون مستقلة في أعمالها وتخضع لمراقبة دولية.
مطالباتٌ حقوقيةٌ بأن يشارك ذوو الضحايا، والمنظّمات المعنية، في صياغة قانون هيئة العدالة الانتقالية وفي الإشراف على تطبيقها، وأن تكون مستقلة في أعمالها وتخضع لمراقبة دولية
يؤكّد الحقوقيون أن عدم اعتقال فادي صقر بسبب الأمان الرئاسي يؤجّج العداوات بين السوريين، ويترك الباب مفتوحاً للانتقام الفردي، ويزعزع ثقة السوريين بشرعية السلطة، بينما تمرّ سورية في مرحلة انتقالية ومعقّدة للغاية، وتتطلّب عدالةً انتقاليةً للانتقال إلى السلم الأهلي (وليس العكس) وتحقيق الاستقرار، وهذا يتطلّب اعتقال كبار المجرمين من ضبّاط وشبّيحة، وفي مقدمتهم صقر، الذي كان قائداً لمليشيا الدفاع الوطني في سورية كلّها. كانت الشكوك في دورٍ ما لفادي صقر كثيرةً قبل المؤتمر الصحافي لصوفان، ولكن دوره أصبح مؤكّداً من خلال أعمال لجنة السلم الأهلي، التي شكّلها الرئيس أحمد الشرع، إضافة إلى تفاعلات لجنة التحقيق فيما جرى في الساحل في مارس/ آذار الماضي. يظهر صقر حينما يُفرَج عن ضبّاط محتجزين، ويُشاهَد في مدن الساحل، وكأنّه يمثّل السوريين العلويين، وكأنّ السلطة السورية تريد احتجازهم مؤيّدين أبديين للنظام القديم لا يغادرون موقعهم هذا، ولا تريدهم مواطنين في الدولة مثل باقي السوريين، لكن هناك رفضٌ علويٌّ، وليس سنّياً فقط، لدوره، فهو من أذرع بشّار الأسد في الفتك بالسوريين، وفي المذبحة التي حصلت بعد 2011، وقُتلت بسببها كتلة كبيرة من شباب الطائفة العلوية، بحجّة الدفاع عن بشّار الأسد.
أخطأت لجنة السلم الأهلي بإشراك فادي صقر وخالد الأحمد فيها، والأخير كان مستشاراً لدى بشّار الأسد. أي اختير رجال الأسد ليكونوا عوناً للسلطة في ضبط الساحل السوري. ربّما كان لهم دور قبل إسقاط النظام، وفي تسهيل إسقاطه، ولكنّ العلويين، ضبّاطاً وشعباً، لم يتصدّوا بعد سقوط الأسد للسلطة الجديدة، وتُستثنى من ذلك بعض الأعمال الإجرامية في مارس/ آذار الماضي ضدّ الأمن العام من بعض الفلول، انتهت بسرعة. رحّبت أغلبية العلويين بسلطة الشرع في الأيّام الأولى لهروب بشّار، ولكن تأخّر هذه السلطة في البدء بالعدالة الانتقالية دفع إلى حدوث انتهاكات واسعة (خطف وقتل وانتهاكات جسيمة)، وهناك تقارير صحافية تؤكّد مقتل 600 شابّ سوري علوي قبل انفجار أحداث الساحل في 6 مارس. يكمن خطأ السلطة في تجاهلها قيادات علوية، مثقّفين ورجال دين وسياسيين سابقين، ومتضرّرين بشدّة من حكم آل الأسد منذ 1970، كان يمكن الاعتماد عليهم. والآن وغداً، يجب أن تغيّر السلطة سياساتها في احتواء الساحل، ويقع عليها أولاً اعتماد هؤلاء في مسارَي السلم الأهلي والعدالة الانتقالية، وفي التحقيق الجاري في مجازر الساحل. وثانياً، يجب إشراك الضبّاط من غير المشتركين بالإجرام الأسدي في الجيش والأمن والشرطة، وثالثاً، يجب إبعاد الفصائل العسكرية كافّة، التي شاركت في مجازر الساحل، والأفضل تفكيكها نهائياً، نحو “العمشات” و”الحمزات” وفرقة السلطان مراد بقيادة فهيم عيسى، وهذه فُرضت عليها عقوبات من الاتحاد الأوروبي، وفرقة المجاهدين الأجانب.
تمرّ سورية في مرحلة انتقالية ومعقّدة تتطلّب عدالةً انتقاليةً للانتقال إلى السلم الأهلي، وليس العكس
اعتماد السلطة على فادي صقر وخالد الأحمد، وهما شخصان هامشيان لدى العلويين، أمر خاطئ، حتى لو كانت السلطة تريد بذلك إغلاق الباب أمام رامي مخلوف أو العميد سهيل حسن أو آخرين. هناك حالياً بدايات رفض لدورهما (صقر والأحمد) في الساحل، فهما لم يستطيعا حماية العلويين من الانتهاكات التي لم تنتهِ. وأيضاً، هما من رجال الأسد المورّطين لكثيرين من أبناء الطائفة العلوية في المقتلة. ولكن هل هناك ضغط من إحدى الدول من أجل الاعتماد على شخصين كهذين؟… ربّما، ولكن الغضب الشعبي الواسع، إثر مؤتمر حسن صوفان، والمطالبة باعتقال صقر وتطبيق العدالة الانتقالية، قد ينتقل إلى مظاهرات عارمة في حال استمرار السلطة باحتضان هذه الشخصيات، وتأخير البدء بتطبيق العدالة الانتقالية والإفراج عن ضبّاط كُثر في السجون، ومن دون محاكمات علنية، ومن دون تفسير جادّ. تبريرات حسن صوفان للإفراج عن ضبّاط من النظام السابق، أنهم لم يرتكبوا جرائم، وأن الإفراج يعزّز السلم الأهلي، لم يقنع أكثرية السوريين، لهذا يجب أن تتقدّم العدالة الانتقالية، بإعلان أسماء المجرمين، وبما يرضي الضحايا وذويهم. بعد ذلك يتحقّق السلم الأهلي، وهذا لا يُلغي أهمية وجود لجنة السلم الأهلي ودورها في تخفيف الاحتقان في الساحل. ولكن السؤال كان (وما يزال) سؤال الأكثرية، التي تضرّرت منذ 2011، عن حقوقهم قبل البدء بالاهتمام بحقوق أهل الساحل. التساؤل هذا، هو حديث واقعي للذين تضرّروا منذ 2011، وإن تجاهل السلطة له، أدّى إلى كثير من المشكلات الأمنية، وأبقى الوعي العام انتقامياً وثأرياً وطائفياً، وهذا يعني أن الوضع الأمني بأكمله قابل للانفجار.
السلطة معنية، وقد أصدرت مرسوماً للعدالة الانتقالية بالبدء بالحديث الدقيق عن كيفية تطبيقها، ومعالجة حقوق الناس وجبر الضرر، والتخلّص من عقلية احتكارها إدارة شؤون الدولة السورية، وإشراك السورين فيها. إن الرفض الأولي الراهن لتبريرات السلطة تدوير شخصيات مثل فادي صقر، يقابله بدايةً رفضٌ من الطائفة العلوية كذلك. وبالتالي، هناك ضرورة لتنفتح السلطة تجاه الشعب وتثق به، وتفصل بين السلطات، وأن تتيح المجال لأهالي المدن، وفي سورية كلّها، للمشاركة في مؤسّسات الدولة: الجيش والأمن العام، وفي مختلف المناصب، وسيكون أمراً عظيماً إن أتاح الرئيس أحمد الشرع انتخاب مجلس الشعب لا أن يُعيّنه وتعيّنه اللجان التي سيشكلها الشرع، سيّما أن هناك تقارير صحافية بدأت الكلام عن تشكيل هذا المجلس قريباً.
المصدر: العربي الجديد