
يبرر الرافضون لضم المقاتلين الأجانب كفرقة مستقلة بذاتها ضمن الجيش السوري- المزمع تكوينه حديثاُ- بأن ذلك قد يفتح الباب لمطالبات مماثلة على أسس طائفية أو قومية. بمعنى آخر، قد يبرر ذلك مطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو مطالب بعض الدروز بزعامة شيخ العقل حكمت الهجري، وربما لاحقاً العلويين، بانضمامهم ككتل متماسكة تابعة للجيش اسمياً، وهو ما ترفضه القيادة السورية، لأن من شأنه تشتيت أهداف الجيش الموحد تحت قيادة مركزية سيادية، ما يجعله نواة التقسيم لسوريا، بديلاً عن حمايتها.
في المقابل، يشير بعض السوريين أن فردانية وجود قوة أجنبية من الأيغور تابعة مباشرة لرئيس الدولة، يعيد إلى الأذهان تجربة الحرس الجمهوري الذي تأسس عام 1976، وكانت له صلاحية الدخول إلى العاصمة السورية، دمشق، والتمركز حول مداخلها الأربعة لحماية السلطة المركزية، وقد ارتبط اسمه بانتهاكات جسيمة بحق السوريين، دفاعاً عن نظام الأسد الأب، خلال مواجهاته مع الاخوان المسلمين في الثمانينات، والأسد الابن خلال سنوات الثورة السورية ضده. أي أنها مخاوف من أنها قد تكون مقدمة لإنتاج أدوات سلطوية (غير وطنية) يمكن توظيفها في مواجهات مستقبلية “متخيلة”.
بعبارة أخرى، تتركز المخاوف المحلية في معظمها على احتمال استخدام فرقة الأيغور ضد المدنيين، إلا أن هذه المخاوف المتعلقة بجنسية المقاتلين وحدها، في ضوء التجربة السورية، لا يمكن الركون لها. فالحرس الجمهوري، ومعه الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وكامل وحدات الجيش السوري، في عهد الأسدين كانت تتكون من سوريين، ورغم ذلك انخرطوا في أعمال قمع وقتال ضد المدنيين السوريين، وضد الشعب اللبناني وجنسيات أخرى. فالجنسية السورية لم تكن ضمانة لعدم ارتكاب القوات المسلحة جرائم ضد الداخل السوري أو ضد جواره العربي. فالعقيدة التي يبنى عليها الجيش هي ما توجه عملياته ونشاطاته، وتبعية الجيش للنظام القمعي السابق هي ما جعلته أداة لتدمير سوريا، ووضعته في مواجهة السوريين حتى لحظة استسلامه في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.
قد لا أكون من المؤيدين لوجود مقاتلين أجانب في الجيش السوري، خصوصاً أن الحديث هو عن 3500 مقاتل من الأيغور. لكن ذلك لا يعني أن المخاوف من وجودهم تتعلق بجنسياتهم، فحيث العمل المسؤول والمنظم وطريقة قيادته وتوجيهه هي ما يفترض أن تقيّمه، وحياة التشرد والهجرة والجنسيات الجديدة التي حصل عليها السوريون، ومن بينهم أولادي على سبيل المثال، لا تقلل من انتماءاتهم إلى مجتمعات أوطانهم الجديدة، أو تحد من تقديمهم واجب الدفاع عنها. وهو بالطبع ينطبق على القادمين إلى سوريا من الأجانب. ولكن ما يخشى منه السوريون هو تعثر اندماجهم في مجتمعنا، وصعوبة إحلال عقل النظام المؤسساتي مكان عقلية الجهاد العابر للدولة الوطنية، التي ناضل هؤلاء تحت ظلها خلال الأعوام السابقة في حربهم ضد الأسد، وبعض الفصائل السورية المحسوبة على الثورة المنتصرة ذاتها.
وكما دفعت الأسباب الأمنية الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة النظر في مطالب إبعاد المقاتلين الأجانب، والقبول بتجنيدهم ضمن الجيش السوري (المتاخم لحليفتها إسرائيل) من خلال رؤية أمنية متكاملة، تحافظ من خلالها على مسافة أمان تمكنها من رقابتهم وتنظيمهم، وحمايتهم من استغلال الجماعات الإرهابية، التي تراهن على قدرتها في تجنيدهم من منطلق الجهاد الإسلامي، الذي يؤمنون بالسعي من أجله في كل اتجاه.. فإن هذه المخاوف هي ذاتها، التي تحّمل وزارة الدفاع والرئاسة السورية مسؤولية الاستثمار في قدراتهم وخبراتهم القتالية وفق عقيدة وطنية، وبضوابط قانونية، تعلي من شأن انتمائهم إلى وطنهم الجديد سوريا.
ولكن تبقى الأسئلة عالقة: هل يتحول نجاح السلطة في إقناع الغرب بأهمية الحفاظ على المقاتلين الأجانب ضمن وحدة قتالية داخل الجيش السوري، إلى ذريعة لتمسك جهات طائفية وقومية بمطالبها للانضمام إلى الجيش ككتل صلبة؟ وما هو شكل هذا الجيش وهو كتل أجنبية وطائفية وقومية؟ وكيف تتجاوز وزارة الدفاع كل ما سبق لتحقيق رؤيتها في تأسيس جيشها الموحد، والعابر لكل الانقسامات الداخلية الراهنة، التي لا تزال تهدد وحدة سوريا شعباً وجغرافيا؟
المصدر: المدن