رجلُ دين في لجان مقابلة المناصب والإدارات السورية!

أحمد جاسم الحسين

حضرتْ مظاهر التدين في الفضاء العام السوري بكثافة في الشهور السابقة، يمكنك أن تلحظ ذلك بسهولة أينما تحركت في سوريا: في اللحى، وفي الشعارات الدينية، وفي اللباس، في اللغة والخطاب ومرجعياتهما كذلك.

ولا تزال الظاهرة موضع أخذ ورد وستبقى، بين من يعد ذلك أمراً طبيعياً كون السُنة في سوريا يشكلون ثلاثة أرباع المجتمع ومن يرى أن المجتمع السوري مجتمع محافظ تقليدياً (لا أعرف من أين شكلوا هذه القناعة)، ومن يعده حالة طارئة تشجعها السلطة الحالية، ومن يرى أن تلك ردة فعل على حرمان غير معلن من حرية الإشهار عن نفسك وخصوصيتك، وناقمٍ أننا لم نثر من أجل ذلك، ومرحب بالظاهرة لأنه استعاد حقه!

قد تكون كل تلك الاحتمالات والتفسيرات صحيحة، سوريا اليوم تعيش حراكاً كبيراً وتغييرات هوياتية جذرية ربما لم تمر بها من قبل عبر تاريخها القصير والمرتبك.

ليس خافياً على أحد الهوية الدينية للحكم ومرجعياته وتاريخه، ذلك منشور عبر الفضاء العام وموثق وغير منكر، بيد أن الإشكاليات تأتي غالباً من جهتين: هل يمكن المحافظة على تلك الخلفية بكامل زخمها حين الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية بناء الدولة؟ وكذلك هل يقبل المجتمع ذلك؟

في أية ظاهرة سورية اليوم تحضر المقارنة بين النظام السابق، كأنه قدر السوريين المقارنة بين أسوأ نظام توغلي توحشي، وبين أحد مخرجات ثورة السوريين، وهي مقارنة مجحفة وغير أخلاقية، لأنه لا يمكن لأي ثورة مهما كانت المؤثرات فيها أن تقبل بتلك المقارنة، إضافة إلى أن أي مقارنة في هذا السياق ستعني أنها الفائزة لأن ذلك النظام التوغلي التوحشي الاستبدادي يضرب به المثل في السوء والخراب، وبالتالي سنكتفي بأي منجز تقوم به السلطة الحالية ولن ننقدها أو نصحح مسارها بحجة أنها خلصتنا من أسوأ نظام استبدادي. وهذا غير مفيد لسوريا بل قد يوقعنا بالمراوحة في المكان وهو ما لا يريده أي محب لبلده!

حين رأى السوريون أو قرؤوا قبل أيام أن مستشار الرئيس للشؤون الدينية حاضر في مقابلات الراغبين بالحصول على موقع إداري، بخاصة في مقابلة رؤساء الجامعات، قوبل ذك بردتَي فعل رئيسيتين:

  • فريق رأى أن حضوره ضامن أخلاقي أنه لن يأتي شخص ذو جذور فاسدة إلى موقع إداري، وأن التدين أحد عوامل الاختيار أي ضامن أخلاقي بمرجعية دينية، وأصحاب وجهة النظر هذه معظمهم متدينون أو مرحبون بالتفسير الديني للظواهر، أو لديهم ردات فعل عكسية نتيجة لتهميش العامل الديني من قبل، أو اعتقادهم أن حل كل شيء في مجتمعنا ديني.
  • فريق سأل: ما علاقة مستشار الرئيس للشؤون الدينية بالمواقع وهل يفهم دهاليز رئاسة جامعة دمشق والتعليم العالي حتى يحضر؟ وبم يختلف حضوره عن حضور مندوب حزب البعث من قبل؟ وكيف يكون السوري مطمئناً على مستقبل بلده ورجال الدين جزء من القرار فيه؟ ألا يكفي سوريا ما فيها؟ وهؤلاء معظمهم من المعارضين أو الداعين لدولة مدنية أو ممن يحرصون على المحافظة على مسافة بين جهاز الدولة الإداري والقناعات الإيمانية لكل شخص…

اللجنة التي تم تكليفها لجنة غير مألوفة في سوريا، وكان شغل المناصب يقرر في سوريا عبر نصف قرن وأكثر نتيجة لخلطة غريبة عجيبة تتمثل في: صلة القرابة، والمصالح الشخصية والرشاوى والرضا المخابراتي والحزبي والمنظماتي والأيديولوجي، وقد يشفع للمرشح بهدف ترجيح كفته إن كانت الأسهم السابقة متقاربة سيرة ذاتية لها علاقة بالكفاءة! بالتأكيد لم تكن تلك المعايير ثابتة خلال النصف قرن الماضي، بل ترتفع وتنخفض أسهم كل منه تبعاً للظروف والمرحلة والشخص المرشح ذاته!

إدارياً يحق لرئيس الجمهورية أو للوزير أو سواه أن يكلف أحد مستشاريه بعضوية أية لجنة من اللجان التي يتم تشكيلها، أو يحق لرئيس اللجنة الاستعانة بأية خبرة يراها مناسبة، وهذا عرف إداري ليس في سوريا فحسب بل في كل دول العالم، وعادة ما يتضمن القرار فقرات تحدد المهمة والمكافأة والزمان والمكان.

مربط القول في الموضوع الأسئلة التالية:

  • ما حدود التدخل الديني في مفاصل الدولة؟
  • ما حدود دور المستشار الديني في اللجنة؟
  • هل يملك مستشار الرئيس الخبرة في الشؤون الجامعية؟

إدارياً، تشكيل لجنة اختيار مناصب؛ يعرض كل راغب بشغل منصب رؤيته واستراتيجيته أمامها لاختيار الأكفأ تقليد إداري مهم، يرافقه سؤال آخر: كيف تم ترشيح هؤلاء الثلاثة لرئاسة الجامعة مثلاً؟

ألم يكن من الأجدر بالسلطة الجديدة أن تستحدث منصة تضع فيها شروطاً تراها تنسجم مع القوانين النافذة، يتقدم الراغبون مع رؤيتهم ثم تختار اللجنة مرشحين منهم لمقابلة أولى وثانية؟

سنجد إجابات: هذا ترف إداري ليس الوقت وقته! أو ربما هذه درجة عالية ليس لدينا وقت لها، أو ضرورة الانسجام الإداري بين المرشحين والرئيس والمرؤوس!

وفي الإجابة، على الإجابة يمكن القول: ليس الموضوع موضوع مصاهرة وزواج وخطبة، الموضوع موضوع بلد، والبلد تحكمه القوانين التي يجب أن ينصاع لها الجميع ممن لديهم المهارات والخبرات الخاصة بشغل موقع إداري!

واقع شغل المهام الإدارية في الجامعات السورية اليوم يقول: تم اختراق القوانين الإدارية مرات عدة (هناك من استعمل مصطلح انتهاكات إدارية) عبر المظاهر التالية: تعيين أساتذة من خارج الجامعات بعيداً عن القانون الأساسي للعاملين في الدولة أو قانون تنظيم الجامعات، وكذلك تعيين أساتذة جامعة بمواقع إدارية خارج القانون الناظم، وإعادة أساتذة جامعة مفصولين بشكل استثنائي وعدم إعادة أساتذة آخرين حتى الآن، إضافة إلى حالة ضياع كبيرة في القانون الجامعي المرجعي حالياً هل هو القانون الإداري السوري أم الذي كانت  أصدرته جامعة إدلب؟ وهل جامعة إدلب ذاتها معترف بها أم أنها جزء من الشرعية الثورية؟

كل تلك الأسئلة (رغم جوانب بعضها التشكيكية) بحاجة إلى شفافية في الإجابة، وتكشف أن هناك تركة إدارية كبيرة أمام الحكومة الحالية تحتاج إلى حلول ومستشارين وخبراء لتوحيد المرجعيات والقوانين الناظمة للجامعات في سوريا!

أمام كل تلك الأسئلة المتعددة والمركبة والموجعة إدارياً وخدمياً وأمنياً يغدو تعيين رجل دين في لجنة شغل المناصب (الجامعية وغير الجامعية) تفصيلاً صغيراً في مشهد إداري سوري مرتبك أمامه كثير من الاستحقاقات وهو يعيد فكرة ضرورة أن تبقى السلطة الحالية متمسكة بفكرة انتقالية إلى مرحلة أكثر استقراراً، لكن الانتقالي إن لم يكن لديه نواظم فإن الإرباك والتخريب سيكون أكبر وأكثر! فإن حسبناها بعين إدارية طبيعية سيصيبنا كثير من الشعور بالخيبة وهو شعور غير مفيد عامة، خاصة في مراحل إعادة الإعمار وما بعد انتهاء النزاع!

في الأحوال كلها، هناك جانب آخر مهم لا يمكن أن نغفل عنه وهو مفهوم رئيس الجامعة ودوره، ومن يحدد الأكفأ؟ ومن يحق له ذلك أو لا يحق؟ لعلل الأهم عالمياً سيرة أكاديمية نظيفة، وأبحاث علمية دولية ورؤية مستقبلية للجامعة، خاصة أن شغل المواقع الإدارية الأكاديمية له دوره في تقييم الجامعات عالمياً!

لعل أفضل ما يتم الاتكاء عليه للتخلص من كثير من الجدل هو توضيح “الشرعية الثورية” وحدودها، وإلا فإن كثيراً من وجع الرأس سيملأ حياتنا، إنْ أعملنا آليات التفكير المنطقي في الوضع السوري اليوم، لكنها مراحل الإعمار صعبة ومؤلمة غير أن خلفها باب أمل حياتي وإداري كبير مفتوح!

حال كثير من السوريين اليوم: (أمشي وأقول وصلت والكنطرة بعيدة)، والوصول اليوم ممكن، والأبواب مفتوحة، تحتاج الإرادة والمتابعة والنقد والمثابرة، وهي صفات تتربع في داخلها الشخصية السورية الفذة التي تقف عند كل تفصيل حتى لو كان التفصيل يخص المستشار الديني للرئيس ومدى قدرته أو علاقته بالتقييم الإداري للمرشحين بشغل مواقع إدارية كبيرة من مثل رئيس جامعة.

وموقع رئيس الجامعة لديه صلاحيات تعادل صلاحيات الوزير، والمنصب يؤثر على سمعة البلد لأن التعليم العالي والجامعات من المؤشرات الإدارية والرئيسية التي تشير إلى المركب الذي يمشي به البلد وما مدى احتماليات الغرق، أو حدوث حوادث مفاجئة تؤدي إلى خروج بوالين الأمان من مكانها واصطدامها بالركاب.

والسوريون رفاق سفر وركاب ومالكون ومؤثرون ومحبون وفاعلون في السيارة السورية المنهكة والجميلة والدافئة، وهي تبحث عن بوصلة وتختار طريقاً آمناً وقصيراً وفاعلاً ومشجّراً!

أخيراً؛ لا بد من تأكيد فكرة أن من عمل مع الرئيس الشرع في مراحل عدة من تاريخه ممن يمكن أن ندعوهم بـ (الكتلة الصلبة) الذين هم موضع ثقته ورفاق دربه والمؤمنون بحلمه، بل شركاء الحلم، يتجاوز دورهم وأثرهم المهمة الإدارية التي يكلفون بها.

والسؤال المهم: كيف نوائم بين رأس مالهم عند السيد الرئيس ودورهم التاريخي وقدراتهم ورمزيتهم من جهة، وقوانين الدولة السورية وأطرها الإدارية؛ بحيث لا يفيض رأس المال الرمزي للأشخاص عن قدرة القوانين ومرونتها حتى لا نضيع منظومة الدولة رغم كل ما فيها من  أمراض ومشكلات، ولعل تفعيل القانون الحالي أو المطور الذي يمر بالمراحل الطبيعية لإقرار القوانين أحد أهم عوامل الحفاظ على سوريا، سوريا الحالية أو التي نطمح إليها!

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. إن تفعيل القانون “الحالي أو المطور” أحد أهم عوامل الحفاظ على سورية، سورية الحالية أو التي نطمح إليها، لذلك يجب ان يكون دور الأشخاص في منظومة الدولة وفق الأطر الإدارية للدولة وقدرة القوانين ومرونتها، بحيث لا نضيع البوصلة مع أمراضنا والمشكلات التي نعانيها، رجال دين مكانهم محدد وكذلك المهنيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى