
لو كان الامر ممكنا من الناحية المنطقية لاتهمت وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالعمالة لروسيا , أو للنظام السوري ! ذلك أن من يتابع مواقفه السياسية من تطورات الازمة السورية لا بد أن تساوره شكوك في كونه يمثل امريكا ويدافع عن مصالحها !
التسجيل المسرب لمحادثاته مع معارضين سوريين ومطالبته لهم بالقبول ببقاء الأسد في السلطة يوحي بذلك , وهو واحد من شواهد كثيرة على أنه يخدم مصالح الطرفين الروسي والسوري , بل والايراني . قبل ذلك بشهر واحد ارسل سفيره لدى المعارضة مايكل راتني الى (الائتلاف) ليطالبه بعدم مقاطعة روسيا ومحاورة لافروف وتليين العلاقة معه ! . ولم ينس في مناسبة أخرى أن يمتدح وزير الخارجية الايراني واصفا إياه بأنه ( رجل منفتح) ويطالبنا أيضا بمحادثته سعيا لحلول سياسية للأزمة المستعصية , وهناك قائمة طويلة من هذه الشواهد التي تدل على عجزه وافلاسه وميوله للمحور الآخر , بما فيها الصداقة القوية التي ربطته بآل الاسد منذ عقدين واشادته بحافظ الاسد سابقا .
مواقف كيري وأمثاله من رجال السياسة الامريكية تعبر عن ضحالة فكرية وسياسية , وجهل بالشؤون الدولية, وافتقارهم للكفاءة والأهلية , وما ظهور ترامب ووصوله الى حلبة المنافسة على منصب الرئاسة الاولى .. إلا تعبيرعن أزمة عميقة في المجتمع الامريكي ونظاميه الحزبي والسياسي كاملا , ظهرت مقدماتها بوصول ريغن 1981 , وبوش الثاني 2001 للبيت الابيض .
وإذا كان الشيء بالشيء يذكرفهذه مناسبة لنتذكر عددا من رجال السياسة الأكفاء والشجعان الذين برزوا على صعيد الازمة السورية وناصروا الحق ودافعوا عنه في المحافل الدولية بجرأة أدبية وأصوات عالية ومواقف قوية , ثم غابوا , وبعضهم ” عوقب ” على موقفه من الثورة السورية !
وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل أولهم وأبرزهم , وقف مع ثورتنا منذ البداية حتى وفاته العام الماضي بشجاعة وكفاءة , ودافع عن حقنا في القتال ضد نظام الاسد لاسقاطه بالقوة ردا على دمويته , وطالب الامم المتحدة والدول الكبرى بتأمين الحماية لشعبنا . وتصدى لمحاولات تمييع المظلومية السورية أو اعادة الشرعية للأسد , وكانت آخر جولاته عندما تصدى في قمة شرم الشيخ العربية 2015 لمحاولة دعوة الاسد لحضورها , ثم محاولة الرئيس بوتين تقديم نفسه صديقا للعرب فأحبط المحاولتين . رحم الله امير الديبلوماسية العربية .
وزير خارجية تركيا السابق أحمد داوود أوغلو , وكان من أقوى وزراء الخارجية الذين تبنوا قضيتنا ودافعوا عنها بحرارة غير عادية , ومثل خطه السياسي عنوانا بارزا للسياسة الخارجية التركية لخمس سنوات , كما شكل خروجه من الحكومة للأسف نكسة للسياسة التركية في سورية , وترك فراغا نلمس آثاره الآن في الخط الجديد الذي بدأ يتكرس منذ تشكيل حكومة يلدريم .
وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم الذي تميز بقوة عباراته ومواقفه الصريحة في مقارعة ممثلي النظام الاسد , وهو الذي قاد معركة طرده من الجامعة العربية , وهو الذي وجه الدعوة لممثلي المعارضة لالقاء كلمة سورية في قمة الدوحة العربية عام 2013 , وهو الذي نظم عدة دورات طارئة للجمعية العامة للامم المتحدة لادانة نظام الاسد واستصدار قرارات قوية منها . ومن الملاحظ أن صوت الدوحة الديبلوماسي خفت وتراجع بعد خروج الشيخ حمد من منصبه .
نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية رغم الكثير من انتقادات السوريين له فإن ما فعله لنصرة الثورة ينبغي أن يسجل له ويذكر , ولولا موافقته ما استطعنا دخول الجامعة العربية , ولا عقدنا فيها عددا من أهم المؤتمرات , ولا أمكن طرد مندوب الاسد , ولا أمكن دعوة المعارضة السورية لتعيين مندوب دائم لها في الجامعة بدلا منه . ولمن لا يعلم فإن هذا الرجل عوقب لاحقا من الادارة المصرية (!) على مواقفه من القضية السورية بالذات وكانت من أهم اسباب اقالته !
لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا الذي كان أكثر أقرانه الاوروبيين دفاعا عن القضية السورية وتشددا في التعامل مع نظام الاسد ومطالبة بمحاسبته على جرائمه , ورفض أي تساهل في مسألة ازاحته عن السلطة . بعد خروجه من الخارجية تراجعت مواقف باريس حيال القضية السورية وتراجع اهتمامها ايضا , ولعب الارهاب الداعشي دورا في الوصول الى هذه النتيجة .
هيلاري كلينتون وزيرة خارجية امريكا في الولاية الاولى للرئيس أوباما التي كانت واضحة وقوية في تأييدها للشعب السوري ووقوفها مع محاسبة الاسد واخراجه من السلطة بالقوة , وكانت مع تسليح الثوار, واختلفت مع الرئيس على التدخل العسكري في سورية, ويذكر لها أيضا صمودها في مفاوضات جنيف1 امام عناد لافروف ودهائه ونجاحها في انتزاع توقيعه على وثيقة جنيف1 التي اقرت بشرعية الثورة السورية وحقها بالمطالبة بتغيير الاسد والنظام عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة . هذه الوثيقة التي اصبحت اساس الحل السياسي وكان لافروف يعبر عن شعوره بالندم لتوقيعها , ولكنه بفضل تواطؤ كيري استطاع مؤخرا تمزيقها ورميها في سلة المخلفات .
غياب هؤلاء الوزراء أحدث انكسارا في المواقف الدولية والعربية والاقليمية وتراجعا لصالح نظام الاسد وروسيا وايران ,وها نحن ندفع ثمن غياب المواقف الشجاعة والمنطقية في الدفاع عن حقوقنا وقضيتنا أمام محور من أحقر الساسة أمثال لافروف وظريف , أو اسخفهم وأضعفهم امثال كيري , وبان كيمون , وسامح شكري , وفرانك شتاينماير وابراهيم الجعفري .. والقائمة طويلة .
لقد أصبحنا مثل الفلسطيني الذي يحاكم في محاكم اسرائيل , ويدافع عنه محام اسرائيلي !
———————————————————————————–
هذا المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية , العدد 344 الصادر في 6 – 10 – 2016