
يبدو أن شرفة جديدة بدأت تفتح ليطل منها الشعب السوري على محيطه العربي والاقليمي، ونتمنى أن تكون ممر لفتح بوابة كبيرة نخرج منها نحو العالم من جديد..
فالعقوبات التي فرضت على النظام المجرم الهارب، كانت أداة ضغط سياسية، لكنها أثقلت كاهل السوريين من وجهها الثاني حيث دفعوا الثمن اجتماعياً واقتصادياً.
اليوم كسوريين ننظر إلى قرار رفع العقوبات بعين المتبصر الذي يأمل كل الخير لبلده وأهله، وننتظر مصادقة “الكونغرس” على قرار الرئيس الأمريكي ودخوله حيذ التنفيذ، وما سيعكسه هذا القرار من دعم عملية النهوض الاقتصادي، وتحسن الوضع المعيشي للمواطن، وبدء مرحلة إعادة الإعمار.
في هذا السياق، تبرز اتفاقيات ابراهام (Abraham Accords) كسلسلة من الاتفاقيات التطبيعية التي وقعت في عام 2020 بين إسرائيل من جهة والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة أخرى، برعاية الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً (دونالد ترامب) وتبعها لاحقاً انضمام السودان والمغرب بشكل متفاوت من حيث مستوى التطبيع.
أما الاسم فهو مستوحى من النبي (إبراهيم)، باعتباره شخصية محورية في الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) بهدف إعطاء الاتفاق طابعاً رمزياً يوحي بـ “السلام بين أبناء إبراهيم” بينما الواقع هو الوصول للعمق العربي وتحقيق مصالح دولة إسرائيل، دون تقديم أي خطة أو حل بشأن الوضع الفلسطيني.
النقطة التي أريد لفت النظر إليها هي الحالة السودانية، والتي كانت مدرجة على القائمة الأميركية للدول (الداعمة للإرهاب) منذ العام 1993، حيث دفع ترامب في عام 2020 بخطته كصفقة للحكومة السودانية المؤقتة، والتي تنص على دفع تعويضات لضحايا تفجيرات سفارتي تنزانيا وكينيا، والتطبيع مع دولة (الكيان الصهيوني) تحت مظلة “اتفاقية أبراهام” مقابل شطب السودان من قائمة الإرهاب، وتم القبول والتوقيع على هذه الصفقة التي أنجزها ترامب ولكن لم يشهد عليها بسبب انتهاء ولايته.
صحيح أن التوقيع تم، لكن الرفض الشعبي كان واسعاً والعديد من القوى السياسية اليسارية والإسلامية والقومية، كان لها موقف مختلف، حيث اعتبرت هذا الاتفاق غير ملزم كون الحكومة المعينة مؤقتة ولا تملك التفويض الشعبي الذي يقر أو يرفض هكذا معاهدات. وهذا ما حصل فعلياً حيث توقف الاتفاق جزئياً ثم تحول إلى توقف كلي بعد انقلاب تشرين1/أكتوبر 2021، وصولاً لاندلاع الحرب المؤسفة عام 2023.
هنا نحاول لفت نظر الحكومة السورية اليوم، استناداً إلى التجربة السودانية للتعامل مع هذه الخطوات بحذر كبير وذكاء، ودون تسرع في اتخاذ خطوات تجاه المطالب الموضوعة على مائدة رفع العقوبات، وبالتحديد ما يخص (اتفاقية أبراهام) حتى لا ننغمس في مستنقع السودان ذاته.. خاصة وأن الشعب السوري بأغلبيته ينظر إلى دولة الكيان باعتبارها محتل مباشر وعدو من الدرجة الأولى، والقضية الفلسطينية جزء من تركيبته الثقافية ووعيه السياسي والقومي.
وإن أي اتفاقات دولية من هذا النوع عندما تدار بالإرادة الشعبية يكون لها مشروعيتها الحقيقية، وبالتالي تضاف للحكومة كنقاط قوة في إدارة هذه الملفات دولياً.
وهذا يتطلب من الحكومة فتح وتنظيم الحياة السياسية في البلد، وتأمين مشاركة حرة وواسعة لشرائح المجتمع للعب دورها السياسي الحقيقي والحر، كما يتطلب من الناس المبادرة والعودة لممارسة هذا الدور والتدرب عليه، بعد فترة التصحر السياسي التي ضربت لعقود مجتمعنا السوري.
ومن الواضح أيضا أن “ترامب” يريد بدء حقبته الثانية برؤية جديدة للمنطقة، وهذه الرؤية لا يمكن لها أن تخرج عن حسابات الوضع الجيوسياسي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وبالتالي لا بد له من محاولة خلق حلقات ربط مع المحيط العربي، وسيكون العقد السياسي (السوري – الأميركي) واضح بالنسبة لنا من ناحية ما ستقدمه أميركا وضبابياً من جانبنا، بمعنى المقابل الذي ستقدمه سوريا سيبقى في خانة “التكهنات” ما لم يتم الإفصاح عنه بشكل علني ويتم تنفيذ بنوده فوق الطاولة.
ومن زاوية أخرى، نجد المحور الجديد يبدأ من تركيا شمالاً مروراً بسوريا عبوراً إلى المملكة العربية السعودية وقطر، وإدارة أمريكية. فيه مستقبل اقتصادي مميز، ومنفتح على التطور في مجالات الإتصالات والذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة، والتطوير العقاري. ومن المؤكد أن هذا سيساهم في دفع شراع الاقتصاد بتيارات قوية، كما يضمن بقاء إيران خارج منظومة المنطقة.
ويفترض أيضاً أن يبقى الاندماج في هذا المحور أو غيره، مشروطاً، بحماية القرار السيادي السوري ومصلحة الشعب أولاً.
ورغم كل المعطيات والتطورات، يجب أن نبقي صوت الحذر حاضراً، لا صوت الخوف. فرحتنا برفع العقوبات كبيرة ومفهومة ومشروعة، والتعامل مع الواقع السياسي العالمي يتطلب الكثير من العقلانية والواقعية. أما أمانينا، فستبقى في خانة الأحلام إلى أن تتحقق فعلياً.
المصدر: سيريا برس