
في العام 2021، صرح عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني حينها، أن الهند بقيادة مودي تستلهم السياسات الإسرائيلية من خلال السماح للمستوطنين الهندوس بالاستيلاء على الأراضي في منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة. في تلك التصريحات، أشار خان إلى أن الهند حولت إقليم كشمير المتنازع عليه إلى “سجن مفتوح”، وهو التعبير ذاته الذي ذاع استخدامه لوصف غزة تحت سنين الحصار الإسرائيلي الطويل.
ثمة علاقة تاريخية وثيقة بين الصهيونية والهندوتفا، بداية من فيناياك دامودار سافاركا، الذي صك مفهوم القومية الهندوسية، فكتب في عشرينيات القرن الماضي: “إذا تحققت أحلام الصهيونية -إذا أصبحت فلسطين دولة يهودية- فسيسعدنا ذلك بقدر ما سيسعد أصدقائنا اليهود”. كان الإلهام متبادلاً. فمع إعلان استقلال الهند وباكستان في العام 1947، راقب بن غوريون ورفاقه باهتمام المذابح وعمليات التطهير الإثني والتهجير القسري على جانبي خط التقسيم، ولن يمر العام قبل أن تقوم القوات الصهيونية بارتكاب مذابح مماثلة وللأغراض نفسها. النقاء العرقي/الديني، والحق الإلهي في الأرض، وثنائية الظلم التاريخي المقترنة باستخدام قوة مفرطة ضد الأغيار في الحاضر، من أبرز العناصر الأيديولوجية المشتركة بين كلا الصهيونية والهندوتفا. علاوة على ذلك، هناك تفاصيل وممارسات دقيقة تنقل من سياق إلى آخر عبر آلية القص واللصق. مثالاً، انتهجت الهند في الآونة الأخيرة سياسات هدم منازل عائلات المتهمين بالإرهاب في إقليم كشمير.
والحال، أن الحرب الهندية الباكستانية الأخيرة ترتبط بصورة مباشرة بإسرائيل وبحربها على غزة. فالهجوم الإرهابي الذي وقع في “باهالجام” في كشمير الهندية ووقع ضحيته 28 سائحاً معظمهم من الهندوس، يمكن مقارنته بهجوم السابع من أكتوبر، حيث استخدمته الهند لتبرير هجومها على باكستان. وفي ذلك السياق، وظفت لغة مقتبسه من القاموس الإسرائيلي تستدعي “حق الدفاع عن النفس”. حتي وقت قريب تعاملت الهند مع الهجمات المماثلة بوصفها عمليات إرهابية محلية، وتركت عملية التحقيق في شأنها والتعامل مع تبعاتها لأجهزة الأمن الداخلية، وفي بعض الأحيان صحب ذلك حرب كلامية مع الجار الباكستاني، وأحياناً أقل وقع تبادل لنيران المدفعية عبر الحدود بلا أهداف سوى تنفيس الغضب الشعبي.
في مقال في مجلة “إينديا توداي” الهندية واسعة الانتشار، يشير الصحافي الهندي سنديبان شارما إلى أن قرار نيودلهي المتعلق بشن هجوم جوي واسع بالطائرات والصواريخ والمسيرات على باكستان بذريعة الرد على عملية “باهالجام” يعد تحولاً جذرياً في السياسة الهندية، ويصفه بوضوح تحول “على مثال إسرائيل”. قدرة تل أبيب شبه المطلقة على قصف جيرانها بشكل متواصل وارتكاب جرائم الحرب على الهواء مباشرة والإفلات من المحاسبة، يغوي حكومة مودي على اتباع سياسات مماثلة. كانت الحرب متعددة الجبهات الدائرة في الشرق، وبالأخص على الجبهة اليمنية، قد شجعت نيودلهي على لعب أدوار عسكرية أوسع على الساحة الدولية. ففي العامين الماضيين، شرعت قوات البحرية الهندية بالقيام بدوريات منفردة أو مشتركة وراء البحار، متجاوزة حدود مياها الإقليمية، وذلك لتأمين خطوط الملاحة المهددة من الهجمات الحوثية، والتدخل بعمليات إنقاذ لبعض السفن التجارية التي تعرضت لهجمات.
بصورة أكثر وضوحاً، يشير الكاتب وعضو البرلمان الهندي السابق، سوابان داسغوبتا، في مقال له في جريدة “جورزاليم بوست” الإسرائيلية، إلى أن “الرد العسكري الهندي على باكستان هو صدى لتكتيكات إسرائيل في مرحلة ما بعد حرب حماس”. ولا يقتصر الأمر على التكتيكات وحدها، فالهند استخدمت في هجومها عشرات من المسيرات الإسرائيلية، وقد أعلنت إسلام آباد عن إسقاط 25 مسيرة إسرائيلية من نوع هاروب، كانت تستهدف عدداً من المدن الباكستانية، من بينها لاهور وكراتشي.
بالطبع، ليس هذا أول تبادل للنيران على الحدود الهندية الباكستانية، إلا أن التحولات الأخيرة في التكتيكات والطموحات الهندية، تبدو وكأن ما يغذيها هو افتتان بالمذبحة الدائرة في غزة والمناعة المطلقة لمرتكبيها.
المصدر: المدن