
تعلمنا من التاريخ، ومن القمم العربية تحديداً، أن الدولة المضيفة تبذلُ كل الجهود لضمان أعلى مستوى تمثيل عربي، حتى ممن بينهما خلاف أو قطيعة، وتجسد في سبيل هذه الغاية كل جهد ممكن، وتستذكر لأجل ذلك قوله تعالى: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم}..
ففي الخرطوم 1967، جمعت القمة بجهود السودان، الملك فيصل وعبد الناصر بعد نكسة حزيران، وتبنت القمة اللاءات الثلاث،
وفي الرباط 1974، وحّد الحسن الثاني الصوت العربي خلف منظمة التحرير رغم خلافها مع الأردن،
وفي فاس 1982، تنازلت كل الأطراف عن تحفظاتها لإنجاح مبادرة السلام،
وفي بيروت 2002، ورغم التوتر الحاد آنذاك بين السعودية وسوريا، لبّت الرياض الدعوة وحضر ولي العهد الأمير عبد الله، وقدّم بنفسه “مبادرة السلام العربية”، التي تحوّلت لاحقاً إلى مرجعية معترف بها دولياً وبوصلة للرؤية العربية في حل القضية الفلسطينية!
وفي الجزائر 2022، اجتهدت الجزائر لجمع كلمة العرب رغم التوترات الحادة.
كانت القاعدة دائماً: إنجاح القمة واجب شرف، وحكمة سياسية!
إلا في بغداد 2025!
بدلاً من الحكمة، رأينا العاطفة المتشنجة؛ وبدلاً من احتواء الخلاف، رأينا التحريض، والزبد، والتهديد، من برلمانيين وسياسيين وإعلاميين بارزين، لكن الأخطر من ذلك، أن كل هذا التحريض لم يكن نابِعاً من وجدان عراقي، بل من عمائم إيرانية تهيمن على القرار، وتحرّك الشارع وتحرّضه وتزرع الانقسام، رافضة حضور الرئيس السوري أحمد الشرع، لأنه يمثل دولة عربية عادت من قلب المعركة ضدّ الاستبداد والقهر، لا من عتبة ولاية فقيه!
غدت بغداد، التي كانت “دار السلام”، موضع توتر وقلق! على الأقل هكذا تم تصويرها! وبالتالي سيضطر زعماء آخرون للاعتذار! واليوم، نحن أمام قمة عربية قد تُسجَّل كـ”أضعف قمة تمثيلياً في تاريخ الجامعة العربية”، لا لأن العرب لا يحبّون العراق، بل لأن العراق رَهَن نفسه لعمائم لا ترى في العرب إلا أعداء!
فهل هذا يخدم العراق؟
أم يكرّس صورته كحديقة خلفية لمشروع فارسي لا يرى في العرب إلا خصوماً؟!
غريب أمركم يا أهلنا في العراق… غريب جداً.
المصدر: صفحة مهند الكاطع