
فتح إطلاق سراح السجناء في يوم التحرير بسوريا، 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، آمالاً لمئات من السجناء السوريين في لبنان، خاصة الذين اعتقلوا لأسباب تتعلق بمشاركتهم بالثورة السورية.
محمد شهاب، أحد هؤلاء السوريين الذين تم توقيفهم ومحاكمتهم لأسبابٍ سياسية تتعلق بمشاركتهم بالثورة السورية، لايزال إلى اليوم نزيلاً في سجن رومية اللبناني رغم تغير الحال وزوال نظام الأسد.
الشاب محمد، كان مراهقاً لم يكمل عامه الثامن عشر عندما تم اعتقاله في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2014، على حاجز “ضهر البيدر” الشهير خلال حملة الاعتقالات العشوائية التي طالت مئات اللاجئين السوريين في لبنان، بعد أحداث عرسال الأمنية التي وقعت في 2 آب/أغسطس من العام ذاته.
الثورة والتهجير
كان الفتى المراهق يتيم الأب، ويعيش مع والدته في ضاحية جرمانا قرب دمشق بعد نزوحهم من بلدتهم القصير بريف حمص الغربي، إثر اندلاع المعارك فيها بداية الثورة، وخشيةً عليه من التجنيد أرسلته والدته إلى لبنان عام 2012 ليعمل مع خاله في ورشة للسيراميك في مدينة جبيل الساحلية، ومع اشتداد الأحداث نزحت هي كذلك إلى بلدة “عرسال” في البقاع الغربي.
ذهب محمد لزيارته أمه في عرسال بعد فترة قصيرة، ثم ودعها والتحق بأخيه الأكبر رياض في يبرود متطوعاً ضمن فصيلٍ للمعارضة يدعى “لواء الحق”.
وبعد استعادة يبرود من قبل نظام الأسد في السنوات الأولى للثورة، عاد محمد إلى خيمة والدته في مخيمات عرسال، حاله كحال كثير من السوريين الذين ضاقت بهم بلادهم، وفروا من آلة بطش نظام الأسد إلى الجوار اللبناني القريب.
ورغم هروبه من جحيم المواجهات في سوريا، عايش محمد شهاب من خيمته جحيم القصف والمعارك، ويوم وقعت “معركة عرسال” الشهيرة التي راح ضحيتها عدد كبير من اللاجئين السوريين بين قتيل وجريح ومعتقل ممن كانوا يلتزمون خيامهم ليسلموا على أنفسهم، فلحقت بهم نيران القصف أولاً، ثم شردتهم الحملات الأمنية العشوائية المستمرة.
الاعتقال
حزم محمد حقيبته متجهاً إلى جبيل من جديد باحثاً عن لقمة العيش، لكن رحلته لم تكتمل، عَبَر عدداً من حواجز الجيش اللبناني من دون مشكلات، وعند حاجز ضهر البيدر تم توقيفه بداية لحيازته أدوية نفسية كانت موصوفة لعلاجه، ثم نقل بعد حفلة من الشتائم والضرب إلى مركز “الأمن العام” اللبناني ومنه بعد أيامٍ إلى “وزارة الدفاع”، لينتهي به المطاف موقوفاً في “سجن رومية” مع مئات المعتقلين بتهم سياسية “قتال الجيش اللبناني والانتماء إلى جماعة إرهابية”.
لم تعرف والدته مكانه إلا عبر اتصالٍ وردها من الصليب الأحمر، الذي كان فريق منه يزور “سجن رومية” حينها ليرفع تقريراً عن الأوضاع الإنسانية الصعبة للمعتقلين، وبعد الانتظار الطويل حكم عليه العميد “ح.ع” قاضي المحكمة العسكرية في بيروت بالسجن مدى الحياة، متجاهلاً حتى أن المعتقل كان قاصراً عند وقوع المعركة التي عاشها محمد من خيمته.
تم رفض طلب “التمييز” الذي تقدمت به محاميته فاديا جديد، وقتها، وأغلق القضاء الذي يسيطر عليه “حزب الله” باب الخلاص في وجه السجين الشاب ووالدته التي عاشت القهر مضاعفاً وهي تشاهد ابنها يكبر بعيداً عن عينها ظلماً خلف أسوار السجن العالية.
محاولة انتحار
لم تنفع محاولات محمد شهاب تقديم طعنٍ على الحكم من خلال محامين آخرين، وبلغ به اليأس قبل سقوط النظام أن حاول الانتحار باحثاً عن الخلاص من جحيم الظلم في أحد أسوأ السجون العربية لكن رفاقه أدركوه، ولم تزل تخنقه حالة اليأس حتى صار لا يستطيع النوم إلا بعد جرعة من العقاقير النفسية وأدوية الأعصاب، التي تشتريها أمه على نفقتها نتيجة لانقطاعها من السجن، بسبب تدهور ظروف الرعاية الصحية هناك.
بعد سقوط النظام شعر الشاب محمد أن الحرية ربما تبتسم له مجدداً، وأصبح كغيره من المعتقلين السياسيين يترقبون بلهفة شديدة خبراً ساراً قد يأتي من دمشق حاملاً معه أمل الخلاص، بعد سنوات طويلة من اليأس والحرمان، فهل يعود “شهاب” إلى حضن أمه التي تنتظره لتعود به إلى حضن الوطن؟
المصدر: تلفزيون سوريا