
الجولة الثالثة من المفاوضات الأميركية الإيرانية التي جرت في عُمان السبت المنصرم، نقلت المفاوضات إلى مستوى الخبراء. واستبق الجولة بين وفدي الطرفين لقاء على مستوى الخبراء لوضع إطار لاتفاقية الصفقة النووية المحتملة. وأرسلت طهران إلى هذا اللقاء مجموعة كبيرة من الخبراء في حقل العقوبات الغربية المفروضة على إيران (صحيفة الكرملين VZ). وإضافة للتهديد الأميركي بالعمل العسكري، تشير تركيبة الوفد الإيراني إلى العامل الرئيسي الآخر الذي يدفع إيران إلى التفاوض: الوضع الاقتصادي المتدهور بفعل العقوبات الغربية بشكل رئيسي. وترى الخدمة الروسية في إحدى الصحف التركية أن إيران تعاني في الفترة الأخيرة، ليس من تدهور الاقتصاد فحسب، بل ومما تسميه “الوهن الاستراتيجي”.
على الرغم من التعابير الدبلوماسية في وصف نتائج الجولة الثالثة “البناءة” من المفاوضات خلال شهر واحد، وتحديد موعد الجولة الرابعة في 5 الشهر المقبل (حسب وكالة تاس)، بدأت المفاوضات تتطرق إلى القضايا “الصعبة” التي تعتبرها إيران خطوطاً حمراء: وقف عمليات تخصيب اليورانيوم في إيران، وشمول اتفاقية الصفقة النووية المحتملة على برنامج الصواريخ الإيراني. ووصف أحد المسؤولين الإيرانيين المفاوضات لوكالة رويترز بأنها كانت “صعبة، معقدة وجدية”، حسب موقع الخدمة الروسية في BBC في 26 الجاري.
ونقل الموقع عن ترامب في مقابلة مع مجلة التايم يوم الجمعة، عشية المفاوضات، بأنه كرر تهديداته لإيران. لكنه أضاف قائلاً إنه يعتقد “بأننا سنعقد الصفقة مع إيران، وكنت لأفضل الصفقة، وليس القصف”.
ويشير الموقع إلى أن واشنطن كانت قد استبقت الجولة الثالثة بأيام، وفرضت عقوبات جديدة على قطاع النفط الإيراني. وطهران التي وصفت الخطوة الأميركية بأنها “عدوانية”، كانت تعقد الآمال على تخفيض العقوبات. واعتبرت العقوبات الجديدة جزءاً من حملة “الضغط الأقصى” التي عاد إليها ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض.
ونقل الموقع عن الناطاق باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل باكاي قوله في مقابلة مع وكالة تسنيم الإيرانية، إن المفاوضات جرت “في جو جدي”، ولم تتطرق إلى قدرات إيران في حقل الصواريخ.
وأشار الموقع إلى أن باكاي سبق أن عبّر خلال أسبوع الجولة الثالثة عن “تفاؤل حذر”. وقال إنه إذا كان المطلب الوحيد للولايات المتحدة، هو تخلي إيران عن حيازة السلاح النووي، “فإن المطلب هذا قد تم تحقيقه. لكن إذا كانت واشنطن ستطرح مطالب غير واقعية أو منطقية، فسنصطدم بمشاكل”.
موقع وكالة الأنباء الروسية المحلية vestikavkaz نقل في 28 الجاري عن ترامب تصريحه للصحافيين، تعليقاً على الجولة الثالثة للمفاوضات، إنه “متأكد تقريباً” من إمكانية عقد صفقة أميركية إيرانية، “… وسيكون لدينا شيء ما، ولن يتعين علينا أن نبدأ بقصف كل ما حولنا”.
نقل الموقع عن الباحثة في مركز دراسة بلدان الشرق الأوسط في معهد الاستشراق الروسي Irina Fedorova رأيها بأن المهم هو أن المفاوضات تجري بصورة ثابتة. ورأت أن عقد 3 جولات مفاوضات غير مباشرة في شهر واحد، هو دليل على أن الفريقين معنيان في التوصل إلى اتفاقية. وتشيد بتقييم الطرفين الإيجابي للمفاوضات. لكنها تقول إنه ما من نتائج ملموسة تشير إلى أن الطرفين سيتمكنان قريباً من التوصل إلى حلول وسط بشأن البرنامج النووي الإيراني، وبشأن رفع العقوبات المضادة لإيران.
تناقش المستشرقة أسباب رغبة إيران في عقد صفقة مع الولايات المتحدة. وترى أنه ببساطة ليس لدى إيران خيارات أخرى سوى المفاوضات البناءة مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد. وسبق أن أكد ترامب بأن البديل عن محادثات السلام بالنسبة لإيران هو انطلاق العمل العسكري الذي قد يكون واسعاً للغاية. غير أن إيران ليست مهيأة لمواجهة عسكرية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، أو حتى لصدام محدود.
تشير المستشرقة إلى الوضع الاقتصادي الصعب في إيران، وتقول إن ما من توافق بين جميع شرائح المجتمع بشأن المجابهة المسلحة مع الولايات المتحدة. بل على العكس، كثيرون من الإيرانيين يريدون المباشرة بعملية تسوية لإلغاء العقوبات المفروضة على إيران.
وتقول المستشرقة إن الكثير من مطالب الولايات المتحدة تعتبرها إيران “خطوطاً حمراء”. لكن لو أخذنا بالاعتبار التصريحات عن ممثلي وزارة الخارجية أو المرشد الأعلى، فإن إيران ترفض بالمطلق التخلي برنامجها النووي السلمي. وهي تعتقد أن إيران لن تتخلى أيضاً عن برنامجها الصاروخي، لكنها مستعدة كلياً لتقديم تنازلات في هذا المضمار.
بعد أن اقترحت الولايات المتحدة في الجولة الأولى النموذج الليبي في التخلي كلياً عن البرنامج النووي، طرحت في الجولة الثالثة على إيران النموذج الإماراتي في استيراد الوقود النووي للأغراض السلمية. وقد نشرت صحيفة الأعمال الروسية الكبرى vedomosti عشية انطلاق الجولة الثالثة نصاً في هذا السياق.
نقلت الصحيفة الروسية في 25 الجاري عن الباحث في معهد الإستشراق الروسي Vladimir Sazhin قوله إن استيراد الوقود لا يناسب إيران، لأن البلاد أنشأت منذ فترة طويلة دورة نووية كاملة ضرورية لإنتاج المواد اللازمة. وتستخدم إيران منذ مدة طويلة الوقود النووي الروسي من أجل محطة بوشهر النووية لتوليد الطاقة الكهربائية. ولهذا تصر الولايات المتحدة على تخلي إيران عن دورتها النووية الكاملة، طالما أن لديها المصادر التي تلبي حاجاتها لإنتاج الطاقة.
ويرى الباحث أن إيران مستعدة لتقديم تنازلات في برنامجها النووي. أولاً، لأنها معنية بتخفيض ضغط العقوبات على اقتصادها. ثانياً، لأنها تخشى التصعيد في المنطقة والضربات المحتملة على أهدافها النووية، سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل.
صحيفة الإزفستيا السوفياتية الروسية المخضرمة نشرت في 27 الجاري نصاً بحثت فيه عما يميز الجولة الثالثة عن الجولتين السابقتين من المفاوضات الأميركية الإيرانية. ورأت الصحيفة أن الطرفين التزما في هذه الجولة بتكتيك “أنصاف الخطوات”، لكنهما بقيا على موقفهما. والملفت أن الفريقين المفاوضين ضما هذه المرة خبراء في حقل الاقتصاد: الوفد الإيراني ضم خبراء في العقوبات، والوفد الأميركي ضم اختصاصياً معروفاً في مجال التخطيط الاقتصادي والاستثمارات.
وأشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات كادت أن تمدد ليومين، حين أثار الفنيون عدداً واسعاً من القضايا. لكن في اللحظة الأخيرة تقرر وقف المفاوضات لإجراء مشاورات إضافية.
وتقول الصحيفة إنه، حتى قبل بدء المفاوضات في مسقط، أصبح من الواضح أن الإيرانيين والأميركيين على حد سواء كانوا ملتزمين بتكتيك “أنصاف الخطوات”، تقديم خيارات غير شاملة، ولكنها مقبولة على الأرجح بالنسبة لهم. فوزير الخارجية الإيراني اقترح على نظرائه الأميركيين التوصل إلى صيغة مؤقتة من الاتفاق النووي. وقد فسر هذا الاقتراح، من بين أمور أخرى، بالرغبة في دعم خطط ترامب للتوصل إلى حل للتوترات حول البرنامج النووي الإيراني، إما في أول 100 يوم من رئاسته أو في موعد لا يتجاوز 60 يوماً على بدء المفاوضات الإيرانية الأميركية الأولى. وإضافة إلى ذلك، كان الاتفاق المؤقت يهدف إلى إظهار الرغبة الحقيقية لدى الطرفين في التوصل إلى حل وسط وتعزيز نتائج الجولتين السابقتين من المفاوضات. لكن الوفد الأميركي تلقى الاقتراح الإيراني ببرود، ووعد بالعودة إلى بحثه في حال تلقى من الأعلى موافقة على ذلك.
وبدلاً من ذلك، قدمت الولايات المتحدة مقترحاتها الخاصة لإيران، بما في ذلك الاستعداد لمنح طهران الحق في برنامج نووي مدني كجزء من اتفاق محتمل، ولكن بشرط أن يعتمد هذا البرنامج حصرياً على الوقود النووي المستورد.
المصدر: المدن