في تكريم أصدقاء الثورة السورية

سلام الكواكبي

عرف السوريون، منذ بدأت ثورتهم سنة 2011، انعقاد عدّة مؤتمرات تحت عنوان “أصدقاء الشعب السوري” بمشاركة دولية واسعة، بهدف دعم المعارضة السورية والبحث عن حلول سياسية تفضي إلى تخلّي نظام القمع والاستبداد عن الحكم. وبدأت هذه الاجتماعات في عام 2012، واستمرّت خلال السنوات التالية، مع تراجعٍ في وتيرتها بعد عام 2016 إثر التدخل الروسي وسقوط مدينة حلب في قبضة السلطة، وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبدء تخلّي الغرب عن مواقفه في المشهد السوري، بحجّة تصاعد وتيرة التطرّف الديني، فقد عقد المؤتمر الأوّل في تونس في فبراير/ شباط 2012، وتبنّى الدعوة إلى وقف دوّامة العنف والاعتراف بالمجلس الوطني ممثّلاً شرعياً للشعب السوري. واستضافت إسطنبول المؤتمر الثاني في إبريل/ نيسان 2012 لتأكيد دعم خطّة مبعوث أمين عام الأمم المتحدة حينذاك كوفي عنان، وتجديد الاعتراف بالمجلس الوطني. وفي يوليو/ تموز 2012، التقى “أصدقاء” الشعب السوري في باريس داعين إلى رحيل نظام الأسد وتشديد العقوبات عليه. وعقد المؤتمر الرابع تحت هذه التسمية في مراكش في ديسمبر/ كانون الأول 2012، حيث شهد اعترافاً دولياً واسعاً بالائتلاف الوطني السوري ممثّلاً شرعياً للشعب السوري. وبعده انحصرت اللقاءات ببعض الدول لبحث بعض النقاط المحدّدة، منها تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري أو العسكرية للمعارضة. فكانت هناك لقاءات في عمّان وإسطنبول والدوحة وباريس. وفي هذا الإطار، عُقدت اجتماعات عمل أخرى في واشنطن ولاهاي وطوكيو وغيرها، تناولت عدّة قضايا، منها العقوبات والدعم الإنساني. مع مرور الوقت، تراجعت وتيرة هذه الاجتماعات، خاصة بعد 2016، مع تغيّر أولويات الدول المشاركة وتطوّرات الوضع الميداني في سورية.

ولقد غلبت على مواضيع هذه المؤتمرات الخطابات المؤثّرة والمواقف المعلنة وأخرى غير المعلنة. كما سمحت بعقد لقاءات جانبية على درجة أكبر من أهمية ما تشهده القاعات الرئيسية. إن كان بين ممثلي الدول التي كانت معنيةً بالحريق وبالمقتلة في سورية، أو بين شخصيات سياسية تمثّل مجموعات محدّدة ورهانات متعدّدة. لم يستفد السوريون كثيراً وعملياً من هذه اللقاءات سوى تكرار تأكيد ضرورة الانتقال السلمي والتدريجي للسلطة السورية نحو نظام تعدّدي وأوسع ممثّلاً لمختلف شرائح الشعب السوري. ونتيجة لعطبٍ بنيويٍّ وتاريخيٍّ في أجسام المعارضة السياسية السورية، لم تؤدّ هذه اللقاءات من جهة الجسم السياسي للمعارضة إلا إلى تشبيك العلاقات وتبادل البطاقات من دون إنتاج خطاب سياسي واضح وحازم يدفع إلى استنتاج إمكانية وجود إرادة دولية منسجمة لتقديم دعم حقيقي للثورة السورية.

العدالة ليست فقط محاكمة القتلة، بل أيضاً تكريم من حافظوا على إنسانيتهم في زمن الوحشية

لم يكن أصدقاء الشعب السوري الحقيقيون دولاً ولا منظمّات دولية، بل منظمّات غير حكومية سورية ودولية، كما الأشخاص من كلّ عرق ودين وجنس. قامت المنظمات بعملها الإنساني والحقوقي والتوعوي بقدر ما أتيح لها ذلك مادياً وعملياً نتيجة التزامها بمبادئ ومواثيق ظنّ الناس يوماً، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أنها ستكون المقياس لتطوّر المجتمعات البشرية سلمياً. منها، على سبيل المثال، أطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان والخوذ البيضاء، التي تحوّلت من جهاز طوارئ إلى رمز دولي للكرامة. وبشأن الأشخاص، وعلى رغم الصورة البشعة والمشوّهة التي أرادت القوى المتحالفة عقائدياً أو مصلحياً مع النظام السوري أن تروّجها، تضامنت عدّة شخصيات دولية تنشط في مجالات مختلفة، كالفن والفكر والصحافة. وبرز هذا الأمر خصوصاً في السنوات الأولى، حيث لم يكن العنف قد فرض كلمته. ومع مرور الوقت، وتأجّج المواجهات العسكرية، تراجع بعضٌ منهم نتيجة قناعات متجذّرة بالنضال اللاعنفي. كذلك، وخصوصاً في بعض الدول العربية، سادت الخشية من التصنيفات الجاهزة لدى المجموعات التخوينية البافلوفية، ما دعا بعضهم إلى الاعتكاف.

واليوم، وبعد مرور أشهر على “انتصار” الثورة مبدئياً وخروج المستبدّ من قصره المحتل، هل سيلتفت السوريون، منظمّات مدنية أو حكومة، إلى تكريم بعض الرموز التي تضامنت معهم خلال سنوات محنتهم الدامية؟ مؤكّد أنّ هذا الأمر يبقى رمزياً، فلا أحد من المتضامنين ينتظره وليس لمن خاض غمار الموقف الإنساني والمبدئي، والذي خاطر دعماً للحقّ، بمنتظرٍ لمقابل. بل في التكريم بعضٌ من عرفان الجميل، وللتكريم دورٌ فعال في بسط السردية الوطنية على مسار الماضي وتحضير مسار المستقبل.

وعموماً، كلما كانت الثورة ذات بُعد تحرّري إنساني، ازداد احتمال تكريم داعميها الخارجيين، أما الثورات ذات الطابع القومي أو العقائدي المغلق، فغالباً ما تقلّل من شأن الدعم الخارجي أو تتجاهله. وفي النهاية، غالباً ما يعيد النظام الجديد كتابة تاريخ الأحداث، بحيث يقصي الداعم الذي لا يخدم سرديّته. ويغيب عن كثيرين أن العدالة ليست فقط محاكمة القتلة، بل أيضاً تكريم من حافظوا على إنسانيتهم في زمن الوحشية.

هل ستتم تسمية شارع رئيسي في دمشق باسم الجراح الفرنسي رافاييل بيتيي الذي أجرى مئات العمليات الجراحية تحت القصف، ومن ثم درّب عشرات من الجرّاحين السوريين؟ مثلاً…

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى