رسائل سياسية وآمال اقتصادية.. ماذا تحمل مشاركة سورية في اجتماعات واشنطن؟

محمود الفتيح

تشارك سوريا هذا العام، وللمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، في “اجتماعات الربيع” لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لعام 2025 المنعقدة في واشنطن، والتي تجمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء، إلى جانب شخصيات بارزة من القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وتكتسب هذه المشاركة أهمية استثنائية، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضاً باعتبارها أول زيارة رسمية لمسؤولي الإدارة السورية الجديدة إلى الولايات المتحدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

بعد حالة من الغموض بشأن الموقف الأميركي وتداول أنباء عن رفض منح تأشيرات للوفد السوري بسبب مشاركة وزير الخارجية أسعد الشيباني، حصل كل من وزير المالية محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحُصرية، وأيضاً الوزير الشيباني على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، حيث يشارك الأخير في اجتماعات مجلس الأمن ويلتقي عدداً من المسؤولين الدوليين. ومن المقرر أن يلتحق بهم وزير الاقتصاد نضال الشعار للمساهمة في تشكيل “هيئة رجال الأعمال السوريين الأميركيين”.

ومع التغطية الإعلامية المكثفة التي رافقت هذا الحدث البارز، يعلّق السوريون، الذين يعيش أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، آمالاً كبيرة على هذه الاجتماعات، مترقبين أن تسفر عن خطوات عملية وقرارات فعالة تُحدث أثراً مباشراً وسريعاً في حياتهم اليومية، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى واقعية تحقيق هذه التطلعات.

بداية.. ما هي اجتماعات الربيع ومن يشارك فيها؟

تُعد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي من أبرز الفعاليات الاقتصادية العالمية، وتنعقد هذا العام بين 21 و26 نيسان في واشنطن، بمشاركة أكثر من 10 آلاف شخصية من وزراء ومحافظي بنوك مركزية وخبراء اقتصاديين، إضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية ومؤسسات مالية وإعلاميين.

وتتناول أجندة اجتماعات هذا العام قضايا الاستقرار المالي، وآفاق النمو العالمي، وجهود الحد من الفقر.

سوريا تعود بعد قطيعة مالية طويلة

لم تسجّل سوريا أي معاملات مالية مع صندوق النقد الدولي منذ أكثر من أربعة عقود، وفقاً لبيانات الصندوق التي تؤكد غياب أي تعاملات بين الجانبين منذ الأول من كانون الثاني 1984 وحتى 31 آذار 2025، ما يعني أنها لم تحصل على قروض، ولم تسدد مدفوعات، ولم تنخرط في أي برامج تمويلية أو ترتيبات مالية طيلة هذه المدة.

وبعد هذا الجمود المالي الطويل، كشفت وكالة “رويترز”، منتصف الشهر الجاري، أن السعودية تخطط لتسديد المتأخرات المستحقة على سوريا لدى البنك الدولي، والبالغة نحو 15 مليون دولار، في خطوة يُتوقع أن تفتح الباب أمام منح تمويلات بملايين الدولارات لدعم إعادة الإعمار والقطاع العام المتعثر.

وتُعد هذه الخطوة أول دعم مالي سعودي معلن لسوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، وقد تمهّد لمساهمة خليجية أوسع، بعد تعثر مبادرات سابقة، من بينها مقترح قطري لتمويل رواتب موظفي الدولة.

الملف السوري في أجندة اجتماعات الربيع

من المتوقع أن تشهد أروقة الاجتماعات زخماً في النقاشات المتعلقة بالوضع السوري، وسط تحركات دبلوماسية خليجية متسارعة تهدف إلى دفع مسار التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار ودمج سوريا في النظام المالي العالمي.

إذ تعتزم قطر طرح عدد من الملفات الاقتصادية المتعلقة بسوريا خلال زيارة مرتقبة إلى واشنطن، تشمل العقوبات الأميركية، وتمويل الغاز، وزيادة رواتب موظفي القطاع العام، حيث أكد وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، أن هذه القضايا ستكون محور النقاش مع الجانب الأميركي، بالتزامن مع زيارة الوفد السوري.

بينما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر أن السعودية والبنك الدولي سيعقدان اجتماعاً مخصصاً لسوريا على هامش اجتماعات الربيع في واشنطن.

وفي السياق ذاته، أوضح وزير المالية السوري أن الوفد السوري يشارك في هذه الفعاليات الدولية ضمن برنامج مكثف من اللقاءات الثنائية، معرباً عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في تعزيز حضور سوريا على الساحة الدولية، ودعم عودتها إلى النظام المالي العالمي.

وبحسب جدول الاجتماعات، تُعقد اليوم الثلاثاء جلسة نقاش مغلقة رفيعة المستوى، تركز على سبل التعافي الاقتصادي في سوريا بعد الحرب. وفي 25 من نيسان الجاري، ينظّم “منتدى سياسات المجتمع المدني” جلسة مفتوحة بعنوان: “إعادة البناء بشكل أفضل: الطريق نحو إعادة الإعمار الشامل والمستدام والتحويلي في لبنان وسوريا”.

أبرز أهداف المشاركة السورية

تعد هذه المشاركة في اجتماعات الربيع خطوة استراتيجية نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، وإظهار استعداد الحكومة السورية لإقامة علاقات اقتصادية طبيعية مع المؤسسات الدولية، في خطوة تُعد مؤشراً أولياً على انفتاح محتمل تجاه دمشق.

وعلى الصعيد العملي، تسعى الحكومة السورية إلى تأمين دعم مباشر لإعادة الإعمار، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة، إضافة إلى جذب الاستثمارات وفتح مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي والتنموي.

كما تضع الإدارة السورية على طاولة النقاش ملف العقوبات، حيث يسعى وزير الخارجية الشيباني إلى الدفع نحو تخفيفها، ويتزامن ذلك مع تسليم دمشق ردها الرسمي إلى واشنطن بشأن قائمة الشروط التي تطالب بها. ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، تتضمن أبرز هذه الشروط السماح للقوات الأميركية بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، إضافة إلى إصدار قرار بحظر الفصائل الفلسطينية وترحيل أعضائها.

مساعدات دولية مرتقبة بقيمة 1.3 مليار دولار

وفي خطوة داعمة قبيل أيام من الاجتماعات، أعلن عبد الله الدردري، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ونائب مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن البرنامج يعتزم تخصيص 1.3 مليار دولار كمساعدات لسوريا خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتهدف هذه المساعدات إلى دعم قطاعات حيوية، من بينها إعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز الشركات الرقمية الناشئة.

وأوضح، في تصريحات لوكالة “رويترز” خلال زيارة إلى دمشق، أن هذه الخطة تُعد استراتيجية شاملة تتضمن أيضاً إدخال الذكاء الاصطناعي وبرامج للحماية الاجتماعية، مشدداً على ضرورة حشد التمويل من مصادر متعددة، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جانب دول إقليمية مثل السعودية وتركيا.

وبينما تمتلك سوريا حقوق سحب خاصة لدى صندوق النقد الدولي بقيمة 563 مليون دولار، فإن استخدام هذه الأموال يبقى مرهوناً بموافقة أعضاء يملكون 85 في المئة من إجمالي الأصوات، وهو ما يمنح الولايات المتحدة، صاحبة 16.5 في المئة من الأصوات، حق النقض الفعلي.

هل تثمر الاجتماعات نتائج سريعة؟

قد لا تثمر مشاركة سوريا في اجتماعات الربيع فوراً عن تمويلات كبيرة أو إعفاءات شاملة، لكنها تُعد بوابة سياسية واقتصادية نحو استعادة الثقة الدولية وفتح قنوات التعاون مع المؤسسات المالية.

ويظل تحقيق نتائج ملموسة مرهوناً بقدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات حقيقية، وتوفير بيئة شفافة وآمنة للعمل مع الجهات المانحة، في ظل توازنات جيوسياسية دقيقة مع الدول الإقليمية والغربية، بانتظار تخفيف العقوبات الأميركية كشرط أساسي لتدفق المنح والمشاريع الدولية، والانطلاق الفعلي في عملية إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى