العقبة الإسرائيلية أمام الحوار التركي الأميركي في سوريا

سمير صالحة

لن تتردد أنقرة في منح تل أبيب ما تريده لناحية الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة إذا ما تمسّك بنيامين نتنياهو بتحريك سيناريو من هذا النوع، وهو الذي يأمر مقاتلاته بمواصلة اعتداءاتها اليومية على سوريا وشعبها، متجاهلًا الرسائل المعتدلة التي وجهها وزير الخارجية السوري باتجاه تل أبيب حول أننا لن نشكّل أي تهديد لأي دولة، بما فيها إسرائيل، وأنّ الممارسات الإسرائيلية تمسّ الأمن القومي التركي والعلاقات التي بدأت تأخذ بُعدًا استراتيجيًّا بين أنقرة ودمشق.

من سيقف بجانب نتنياهو مهم، ومن سيقاتل إلى جانب أنقرة مهم أيضًا. تحييد إيران وحزب الله في لبنان وسوريا لا يعني أي شيء بالنسبة لتركيا، وهي أساسًا لا تبحث عن دعم من هذا النوع بعدما توترت العلاقات التركية الإيرانية في سوريا. لكن المؤشرات كلها تذهب باتجاه صعوبة مهمة العواصم الغربية في الدخول على خط التهدئة بين حليفيهما عند اشتعال الجبهات.

كان أردوغان يتحدث قبل أسابيع عن اللوبيات التي تسمم العلاقات التركية الأميركية، وكان ماركو روبيو يقول: “إن أردوغان عائق أمام تحسن الأوضاع في سوريا. إدارة ترمب ستتواصل فورًا معه لثنيه عن اتخاذ أي خطوة ضد الأكراد في سوريا. لأنه على واشنطن أن تستمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية”. لكن المتغيرات والمتطلبات الإقليمية في المنطقة، خصوصًا على جبهتي لبنان وسوريا، شكّلت حافزًا باتجاه انفراجة واسعة في العلاقات بين البلدين. زيارة فيدان لواشنطن والاتصال الهاتفي بين أردوغان وترمب بشقه السوري من الطبيعي أن يُغضبا البعض في إسرائيل، وأن تشعر تل أبيب أنها ستكون بين المتضررين من التقارب التركي الأميركي في سوريا، خصوصًا وهي تتابع ما يقوله الوزير روبيو الذي بدّل رأيه اليوم وهو يتحدث عن “التعاون مع تركيا في مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في سوريا”.

المهم الآن هو تسريع عملية تفعيل هذا التعاون الاستراتيجي بين أنقرة ودمشق لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.

نتائج محادثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين بشقها السوري مهمة. الأولوية في ملفات النقاش كانت لتمسّك تركيا بقطع الطريق على المشروع الإسرائيلي الجديد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذي يقوم على وجود دولة سورية ضعيفة على حدودها، لا تطالب باسترداد أراضيها المحتلة، وتتجاهل الغارات والخروقات الإسرائيلية شبه اليومية في العمق السوري، بانتظار توقيع اتفاقية سلام بالمعايير التي تريدها تل أبيب.

لذلك، فالحديث عن تفاهمات بين دول الجوار السوري في اجتماع الأردن الأخير، باتجاه إنشاء مركز إقليمي لمحاربة الإرهاب تدعمه العواصم العربية والغربية، لا يمكن فصله استراتيجيًّا عن التنسيق العسكري والأمني بين أنقرة ودمشق، والحديث عن قواعد تدريب عسكري تركي في العمق السوري تسهم في إعادة بناء وتجهيز القوات السورية المسلحة. هذا ما لا يعجب إسرائيل وإيران في المنطقة، وهذا ما قد يقرّب الرؤى بينهما في سوريا ولبنان إذا ما افترضنا أن بعض العواصم العربية تبحث عن تحرك مشابه في لبنان.

المهم الآن هو تسريع عملية تفعيل هذا التعاون الاستراتيجي بين أنقرة ودمشق لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، والتي ترى فيها تركيا رسائل تهديد مباشر لأمنها القومي، بعد تراجع مشروع تل أبيب في لعب ورقة الأقليات في سوريا وفشلها في تجيير الانحسار الإيراني في الإقليم لصالحها، ومحاولة إقناع واشنطن بتجاهل الوجود العسكري الروسي في سوريا الذي تعتبره إسرائيل فرصة لموازنة النفوذ التركي.

ركّزت محادثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره الأميركي ماركو روبيو خلال اجتماعهما في واشنطن على الملف السوري بكل تفاصيله. سياسة إسرائيل السورية كان لها حصتها الكبيرة، وهو ما لم يعجب الإعلام الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن الحديث حول الأهداف العسكرية التركية في سوريا، متجاهلًا الاعتداءات اليومية التي تنفذها المقاتلات الإسرائيلية في العمق السوري.

مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا ووقف دعم “وحدات حماية الشعب الكردية”، في إطار الحرب على “داعش”، قابله الطرح التركي الداعم لإشراف السلطة الجديدة في سوريا على سجون هذه المجموعات.

تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، حول أن روبيو أعرب عن تقديره لدور تركيا القيادي في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، وضرورة التعاون الوثيق لدعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية، والتي أعقبها حديث الوزير روبيو عن ضرورة “التعاون الوثيق” مع تركيا “لدعم الاستقرار والوحدة والسلام في سوريا، حتى لا تعمل كقاعدة للإرهاب الدولي ولا كمسار للأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار”، هي رسالة لتل أبيب بقدر ما هي رسالة لطهران أيضًا.

مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا ووقف دعم “وحدات حماية الشعب الكردية”، في إطار الحرب على “داعش”، قابله الطرح التركي الداعم لإشراف السلطة الجديدة في سوريا على سجون هذه المجموعات، مع استعداد أنقرة لدعم هذه العملية، خصوصًا بعد الاتفاقية الأخيرة بين دمشق و”قسد” بشأن انخراط الأخيرة في العملية السياسية السورية.

ما نوقش في واشنطن بين فيدان وروبيو قد يكون سيناريو دعم تنسيق سياسي وأمني سوري سوري يترجم في تشكيلة الحكومة الجديدة ويفتح الطريق أكثر فأكثر أمام الدولة المركزية، وهو ما لن يعجب إسرائيل التي خذلتها المواقف الصادرة عن القيادات الدرزية والعلوية والكردية.

يرى ستيفن ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط أن إمكانية تطبيع العلاقة بين لبنان وإسرائيل من خلال إبرام معاهدة سلام بين البلدين ممكن حقًّا. وينطبق الأمر نفسه على سوريا في إطار عملية إقليمية واسعة النطاق لإحلال السلام في المنطقة. هذا ما رددناه في مطلع كانون الثاني المنصرم أكثر من مرة حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل من خلال التصعيد العسكري في سوريا.

هناك وضع سياسي جديد في سوريا ولبنان. هناك محاولة إصلاح جذرية في البنى التحتية للدولة اللبنانية وخطط لإعادة بناء الدولة السورية مجددًا بالتعاون مع العديد من العواصم العربية وتركيا. العقبة لم تعد إيرانية اليوم بل إسرائيلية.

المشكلة ليست في رفض بنيامين نتنياهو لعرض ويتكوف، بل في إصراره على الفصل بين الملفات الإقليمية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ومحاولة فرض سلام عبر اللاعب الأميركي بالمقاييس التي تريدها إسرائيل. هل ستقول العواصم العربية وتركيا نعم لحراك ثنائي أميركي إسرائيلي من هذا النوع؟

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. نعم الدولة الوظيفية “إSرائيل” هي العقبة الرئيسية بالحوار الأمريكي – التركي، لأن أعمالها الإرهابية والأجندة التي تعمل عليها تؤذي جميع الأنظمة بالمنطقة، لأنها تفرض نفسها كقوة مسيطرة وصاحبة القرار بالمنطقةنتيجة فائض القوة التي منحتها لها أنظمة غربية والإدارة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى