المرأة ويومها العالمي

د. عبد الناصر سكرية

ثمة طقوس إحتفالية نكررها كل عام في يوم المرأة العالمي..نحن مع حق المرأة في العلم والعمل والمشاركة الإجتماعية والعامة إلى جانب الرجل وعلى قدم المساواة .مع مشاركتها بفعالية في كل شؤون ومجالات الحياة..لا أدنى شك في هذا كله..ويبقى السؤال مطروحًا للتحاور وتحديد الإجابة النافعة المفيدة : كيف ومتى وعلى أي أساس ؟؟

في الإجابة على هذا السؤال تتعدد المشارب وتتنوع الخلفيات فتختلف النتائج..

هناك من يطالب بحرية المرأة دون تحديد أي مضمون موضوعي لهذا المطلب..حريتها من مَن وعن مَن وفي مواجهة مَن ؟؟

وآخر يطالب بحرية المرأة على أساس من المشاركة الإيجابية الفاعلة الى جانب الرجل للنهوض بالمجتمع ..

وآخر لا يرى في واقعنا العربي ما يستدعي المطالبة بحرية المرأة فيما المجتمع كله مقيد ومحاصر ومستهدف..الرجل والمرأة يستويان في هذا فيصبح المطلب الموضوعي حرية الإنسان رجلا كان أم إمرأة..

لعله من الضروري الأشارة إلى أن مطلب تحرير المرأة قد نشأ في الغرب الأوروبي حينما كانت المرأة مقيدة فعليا بقيود كثيرة بينها عدم الإعتراف بأهليتها للتصويت في أية إنتخابات..على سبيل المثال..في سويسرا ؛ أكثر بلاد أوروبا تقدما ومدنية ، سمح للمرأة بحق التصويت سنة 1954..وهكذا..

وكما يقول بعض علماء الإجتماع الغربيين ، فإن مطلب تحرير المرأة كان لدواع إقتصادية وتجارية..

ومن المهم ملاحظة أن حركة تحرير المرأة في الغرب ؛ وضعتها في طريق يقوم على ركيزتين :

الأولى : الإنعتاق من شراكة الرجل فصار مطلب تحريرها موضوعا في مجابهة الرجل ..وليس في التكامل معه ومشاركته..الأمر الذي أدى إلى تفكيك الأسرة ومن ثم إنتهاء مؤسسة الزواج الأسري وما يعنيه من تكافل وتضامن ومشاركة..حتى وصلت الأمور إلى الأبتعاد شبه التام عن فكرة الزواج من أساسه بإعتباره يشكل تقييدا لحرية المرأة..

الثانية : تتفرع عن الأولى وتتمثل في ضرورة الإستقلال المادي حتى تتمكن من ممارسة حريتها دون تقييد من رجل كان مسؤولا عن إعانة الإسرة وإعالتها..مما جعل المرأة مسؤولة عن تمويل ذاتها بذاتها ..وهذا ما عزز حريتها العملية دون تقييد كما عزز من إنفصالها عن مؤسسة الأسرة وبالتالي عن الرجل..

وبالنظر إلى نتائج هذا المسار التاريخي الطويل ، وصلت الأمور إلى ما تشهده مجتمعات الغرب من شذود وإنحرافات سلوكية وإجتماعية تحرف مسيرة الإنسان الطبيعية عن فطرتها السليمة..

لقد حررت تلك الدعوات المرأة وأعطتها صلاحيات التصرف والسلوك دون أية قيود أو ضوابط..لكنها حرمتها من متعة ممارسة الحرية في نطاق ألإلتزام بالوضع الإنساني – الإجتماعي الطبيعي أي الزواج والأسرة والمشاركة الى جانب الرجل..

حررتها ولم تعطها حق إختيار المضمون الموضوعي الإيجابي للحرية فأوقعتها في براثن المؤسسة الرأسمالية فإستخدمتها كأداة أو سلعة لزيادة أرباح منتجاتها والتسويق لها..وليس أكثر إهانة للمرأة وإسفافا بحقها في الحرية والحياة مما نشهده في عالم الإعلام والدعاية التجارية والتسويق ؛ من إستخدام جسد المرأة للإغراء والترغيب والتحريض على الشراء والإستهلاك حتى ولو لم المنتج المستهدف ذا صلة بحياة المرأة..

لقد تركت تلك الدعوة الى تحرير المرأة بصماتها السلبية العميقة على كيان المرأة وشخصيتها الأنثوية وأحالتها في كثير من المواضع إلى مادة للإغراء والإغواء وحتى للإبتزاز من قبل أجهزة وأمن وأدوات سياسية ؛ للإيقاع ومن ثم التهويل والتوظيف الأمني أو السياسي..

وفي بلادنا يتم التركيز الشديد على تحرير المرأة مما يسمى قيود الأعراف والتقاليد بما يعني ضمنا التحلل من ضوابط السلوك الأخلاقية والإجتماعية والتي تشكل أحد أعمدة البنيان الإجتماعي المتماسك..وهو ما بات واضحا في مسارات الكثير من الدعوات النسوية حيث وضعت المرأة في سياق تحدي الرجل ومجابهته وليس في سياق التكامل معه والمشاركة الإيجابية للنهوض والتحرر ..

تسقط كثير من تلك الدعوات النسوية واقع الحال الإجتماعي حيث يخضع الجميع لقمع السلاطين والأجهزة وقهر الظروف الحياتية والمعيشية وأخطار استبداد متنوع الأنماط والمنابع..يجري تركيز أحادي الجانب على منظومة القيم والضوابط الاجتماعية..دون وضوح في المواقف من مستقبل تلك الدعوات ومآلاتها وفي أي سياق يراد لها أن تكون..

فيما ينبغي التمييز بين التحرر الإيجابي وبين التحلل السلبي..

كل دعوة نسوية للإنفصال عن الرجل ومجابهته إنما تقود إلى تفكك الأسرة وتفشي الخلافات وعدم المقدرة على التفاهم مما يرفع نسب الطلاق عاليا جدا بل وصل الأمر حد الإحجام عن الزواج أصلا ..

أليس ملفتا ألا نسمع من معظم تلك الدعوات كلاما رافضا لإستخدام المرأة أداة للتسويق التجاري والإعلانات الربحية ؟؟

أليس ملفتا صمت أغلبها عما تمارسه قوى الشر والعدوان بحق نسائنا ؟ في فلسطين على سبيل المثال ؟؟

أليس ملفتا ألا نسمع منها كلاما إيجابيا عن الأسرة وأهمية حمايتها ورعايتها صونا للإستقرار في الأبناء وفي المجتمع ؟؟

لا يفهمن أحد أننا بهذا الحديث نقف عكس حق المرأة في الحياة الحرة الكريمة ..لكننا نخشى على المرأة في بلادنا من مستقبل مظلم يضعها في مهب تقلبات المصالح والمتاجرات والإبتذال والتسليع ..المرأة عندنا أسمى وأرفع من كل هذا الذي وضعتها فيه عقلية الرأسمالية التي لا تفكر إلا بتوظيف كل شيء من اجل زيادة الإستهلاك فزيادة الربح ..

إن تحرير الإنسان من أوهام العولمة الرأسمالية المادية هو المقدمة لتحرير المرأة من أية قيود محلية إجتماعية أو ثقافية أو تقليدية تمنعها من إثبات شخصيتها وممارسة حقوقها وإنتزاع حريتها والإحتفاظ بأنوثتها والإلتزام بقيمنا الأخلاقية الإنسانية السامية التي تحفظ للمرأة مكانتها الرفيعة شريكة للرجل في تحرير الإنسان والأرض والمجتمع..

ومن المهم الإشارة إلى منطلقات فكرية في الراسمالية الغربية تعزز التفكك والتحلل تحتاج تفصيلا آخر..فالليبرالية لا ترى وجودا لمجتمع إلا على أنه جماعة من الأفراد المنفصلين والمستقلين عن بعض..مما عزز التفكك الإجتماعي وإنهيار الأسرة..وهو ما لا يقبله حر شريف نظيف الغايات والأهداف..الحرية لا تجتزأ..ولا حرية لفرد في مجتمع مقهور..

كل عام ونساؤنا بخير أو هكذا ينبغي أن يكون..فلنعمل معًا على تحرير المرأة لتساهم في تحرير أرضنا وإنساننا وبلادنا وقيمنا الأخلاقية والإنسانية النبيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى