في مناسبة يوم المرأة العالمي نسأل ونتساءل عن واقع المرأة العربيّة اليوم في ظلّ التغيّرات العالميّة، ونعيد تقييم مسيرتها النهضويّة، هل تمكّنت من كسر كلّ القيود الفكريّة في سبيل إحداث تغييرات في المفاهيم ببعدها الثقافي والاجتماعي؟ ما هي تحدّيات الخطاب النسوي العربي اليوم؟ وما هي إستراتيجيّة التغيير للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة؟
في تحديد المشروع المتكامل لتحقيق النهضة النسويّة نضع إطاراً فكرياً ننطلق منه لنستشف مشروعاً متكاملاً لتطوير الخطاب النسوي العربي لينسجم مع تحوّلات ومستجدّات الحداثة وذلك بالإنطلاق من الواقع لتغييره، تغيير دور المرأة من أجل تمكينها، والتأسيس لثقافة ذهنيّة جديدة. فنطرح رؤية استراتيجيّة للتغيير تقوم على:
العمل لتوفير بيئة عادلة ينطلق منها الفكر النسوي لبناء شراكة إيجابية في مراكز صنع القرار وفق معايير علميّة مبنية على الكفاءة على مختلف الصعد، وذلك لتمكين المرأة ودفع عجلة تقدّمها… كل ذلك ضمن منظومة متكاملة تدعم تنفيذ كل تلك الاتفاقات التي وُضعت للنهوض بأوضاع المرأة وتأمين حقوقها المواطنيّة على كل المستويات، فيكون الخطاب النسوي العربي موجّه ضمن برنامج عمل يرنو إلى التنفيذ والانتقال من المطالبة إلى الممارسة، وذلك من خلال وعي المرأة لواقعها وثغراته والعمل على إزالة الموروث المعوّق لتقدّمها من عقل المرأة أولاً وذلك لإنتاج واقع جديد وتوظيفه في الخطاب النسوي الحديث.
تفعيل دور المرأة من أجل تمكينها اقتصادياً من خلال العمل على إنتاج رموز ثقافيّة تساهم في طرح رؤية حديثة لقضايا محوريّة عانت منها المرأة في مسيرتها النضاليّة، تستلزم معالجتها بتقنيات عصرية مركّزة، قوامها فكر حرّ متمسّك بأنوثته ومنتفض على كل رواسب القيود الثقافيّة والاجتماعيّة التي حدّدت دور المرأة خدمة لقيم موروثة.
التأسيس لثقافة ذهنية جديدة تنطلق من الواقع لتستشف منه مقوّمات التغيير وأبعاده المعرفيّة بهدف التأسيس لثقافة ذهنيّة جديدة مرتبطة بمنظومة القيم الإنسانيّة الأصيلة، تفتح آفاق التفكير والممارسة بشكل إيجابي وديموقراطي وذلك بالخروج عن الصورة الذهنيّة النمطيّة التي اعتادت عليها المرأة العربيّة لإيجاد أفق علمي جديد يتناسب مع هويتها وخصوصيّتها وينسجم مع متطلّبات العصر انطلاقاً من الوضعية الفكريّة المنطقية الملائمة لذلك.
أمام تحدّيات العولمة وما رافقها من تغيير نمطي في السلوك الإنساني الاجتماعي تظهر الحاجة إلى إنتاج خطاب نسوي عربي متجدّد حداثي يقوم على أسس فلسفية بأبعاد ثقافيّة منبعثة من تراثنا وتاريخنا، يحترم خصوصيّة مجتمعاتنا وحاجتها إلى التغيير الإيجابي ضمن منظومة قيم فكريّة يمكن أن تؤسس لصورة نمطيّة جديدة لإمرأة عصريّة متجدّدة ترفض كل أشكال التمييز ضدها حيث الكفاءة هي المعيار.
ممّا لا شكّ فيه انّ ثمّة علاقة جدليّة ترتبط بين المرأة العربيّة ومجتمعها، تأثّراً وتأثيراً، لذلك لا يمكن معالجة قضايا المرأة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل. من هنا تظهر أهميّة طرح رؤية مجتمعيّة مستقبليّة للخطاب النسوي العربي إنطلاقاً من روح عصريّة ذات قدرات إبداعيّة ترتكز على أسس فكريّة عمليّة هدفها تطوّر المجتمعات، وذلك بأن تتحدّى المرأة في خطابها كل المعتقدات الثقافيّة والحضاريّة التي كبّلت تطوّرها في السابق لترسم مسيرة فكريّة نهضويّة تنطلق برؤية تنمويّة من خلال تمكين المرأة العربيّة اقتصاديّاً وثقافيّاً لترتقي بمستوى الخطاب للوصول إلى مراكز القرار…
في رؤية مستقبلية إلى الخطاب النسوي العربي لا بدّ من إنتاج روح عصرية ذات قدرات إبداعيّة قوامها العلم والثقافة والمعرفة، تكسر المحرّمات التي وضعت إطاراً اجتماعياً حدّد الأدوار وأعطى أفضليّة للسيطرة الذكوريّة تاريخيّاً…
رؤية متجدّدة تحترم عقل المرأة وحقوقها الإنسانية وطاقاتِها الإبداعيّة وتحرّرها من موروثاتها التي حدّدت أدوارها وأجحفت في حقّها بالوصول إلى مراكز القرار السياسيّ والاقتصادي والقضائي والتربوي… وإن كانت الأوضاع النسائيّة في العالم العربي تكتسب ملامح عامّة إلاّ أنّ ذلك لا يلغي الاختلاف بحكم خصوصيّة كل بلد عربي، لكن ثمّة قواسم مشتركة فكريّة وثقافيّة تحدّد الإطار العام لاستراتيجيّة التغيير وتنطلق منها في سبيل تحقيق المطالب النسائية العربيّة المحقّة لنهضة المجتمعات ورقيّها.
المصدر: النهار العربي