أحداث مناطق الساحل السوري وتضخيمها من قبل أذناب إيران ومليشياتها الإرهابية ونسيانهم لجرائم الأسد ومليشياته

تشهد مناطق الساحل السوري، وبالأخص محافظتي اللاذقية وطرطوس، منذ بداية مارس 2025، تصعيدًا عسكريًا وأمنيًا كبيرًا، يعد الأبرز منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. هذه الأحداث، التي بدأت بهجمات مسلحة نفذتها فلول النظام السابق ضد القوات الحكومية الجديدة، أثارت جدلاً واسعًا حول الدوافع الحقيقية وراءها ومدى تورط إيران وميليشياتها في تأجيج الوضع. في الوقت نفسه، يرى كثيرون أن هناك محاولات متعمدة من أذناب إيران لتضخيم هذه الأحداث، بهدف صرف الأنظار عن الجرائم التي ارتكبها النظام السابق وحلفاؤه على مدى عقود، بما في ذلك مقتل ملايين المدنيين، ومآسي سجون مثل صيدنايا، ومصير عشرات الآلاف من المفقودين.

أحداث الساحل السوري: جذور الصراع الحالي

بدأت الأزمة الأخيرة في الساحل السوري عندما نفذت مجموعات مسلحة، يُعتقد أنها تابعة لفلول نظام الأسد، سلسلة هجمات استهدفت نقاطًا أمنية وعسكرية تابعة للحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع. هذه الهجمات، التي شملت كمائن في محيط جبلة والقرداحة، أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر الأمن العام، مما دفع الحكومة إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة لاحتواء الوضع. ووفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغت حصيلة الضحايا منذ بدء الاشتباكات أكثر من 524 شخصًا، بينهم 311 مدنيًا، إلى جانب 213 من العسكريين والمسلحين.

القوات الحكومية تمكنت من تطويق المناطق التي تحصن فيها المسلحون، وأعلنت عن تنفيذ عمليات “دقيقة” لاستعادة السيطرة. لكن الاشتباكات لم تقتصر على المواجهات العسكرية، بل رافقتها تقارير عن إعدامات ميدانية وانتهاكات بحق المدنيين، ما أثار مخاوف من تصاعد العنف الطائفي في المنطقة التي تُعتبر تاريخيًا معقلًا للنظام البائد.

تضخيم الأحداث من قبل أذناب إيران وميليشياتها

تشير العديد من المصادر إلى أن إيران، عبر ميليشياتها مثل حزب الله وفيلق القدس، تلعب دورًا رئيسيًا في تأجيج الوضع بالساحل السوري. الهدف الظاهر هو خلق حالة من الفوضى تُعيق جهود الحكومة الجديدة لتوحيد البلاد وفرض سلطة القانون. تقارير ميدانية وتحليلات متداولة على منصات مثل X تشير إلى أن هذه الهجمات كانت مخططة مسبقًا خلال الأشهر الأخيرة، بدعم لوجستي واستخباراتي من طهران، بهدف زرع الفتنة بين الطوائف وإضعاف الدولة الناشئة.

ما يثير الانتباه هو الحملة الإعلامية المكثفة التي رافقت هذه الأحداث، حيث حاولت وسائل إعلام موالية لإيران تصوير الاشتباكات على أنها “انتفاضة شعبية” ضد الحكومة الجديدة، أو رد فعل “طبيعي” من الطائفة العلوية التي شعرت بـ”التهميش”. هذا التضخيم، الذي يتجاهل السياق الأوسع للأزمة، يبدو محاولة لتبرير استمرار التدخل الإيراني في سوريا، وإعادة إحياء نفوذ طهران الذي تضرر بشدة بعد سقوط الأسد.

في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن هذه الحملة تهدف إلى استدراج تعاطف دولي أو محلي مع فلول النظام، عبر التركيز على الضحايا المدنيين في الساحل، مع تجاهل متعمد للمسؤولية التاريخية لإيران وميليشياتها في دعم نظام الأسد طوال عقود. هذا التكتيك يعكس استراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي اعتمدتها طهران منذ بداية الثورة السورية، حيث تستخدم الصراعات الداخلية كأداة لتعزيز مصالحها الجيوسياسية.

نسيان جرائم الأسد وميليشياته: ملايين الضحايا وسجون الرعب

بينما يركز أذناب إيران على أحداث الساحل الحالية عبر كل وسائلهم الإعلامية و جيشهم الإلكتروني و تزوير الحقايق ، يتم تهميش الجرائم المروعة التي ارتكبها نظام الأسد و إيران و وحلفاؤهم من المليشيات الإرهابية  على مدى أكثر من نصف قرن، وبالأخص خلال الحرب الأهلية التي بدأت في 2011. تقديرات الأمم المتحدة والمرصد السوري تشير إلى أن الحرب خلّفت ما يقارب مليوني شهيد من المدنيين، إلى جانب ملايين الجرحى والنازحين. هذه الأرقام لا تشمل عشرات الآلاف من المفقودين، الذين يُعتقد أن معظمهم قُتلوا تحت التعذيب في سجون النظام، أبرزها سجن صيدنايا، الذي وُصف بـ”مسلخ البشر”.

سجن صيدنايا، الواقع شمال دمشق، كان رمزًا للقمع الوحشي الذي مارسه النظام ضد معارضيه. تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل عفو الدولية، وثقت حالات إعدام جماعي وتعذيب منهجي، حيث كان السجناء يُقتلون بالآلاف دون محاكمات. الشهادات الناجية تتحدث عن ظروف مروعة، شملت الجوع، الضرب، والاغتصاب، إلى جانب عمليات إعدام سرية كانت تُنفذ بشكل أسبوعي. هذه الجرائم لم تقتصر على النظام وحده، بل شاركت فيها ميليشيات إيرانية، مثل حزب الله، التي لعبت دورًا في قمع المدنيين وإدارة نقاط التفتيش التي شهدت عمليات اختطاف وقتل.

إضافة إلى ذلك، شهدت سوريا مجازر مروعة، مثل مجزرة الحولة، داريا، الغوطة، واستخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون، التي أودت بحياة الآلاف، بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من إيران وروسيا. هذه الجرائم، التي وثقتها منظمات دولية ونشطاء محليون، تُظهر حجم الكارثة الإنسانية التي عاشتها سوريا، والتي يحاول أنصار النظام السابق وحلفاؤهم الآن طمسها عبر التركيز على أحداث الساحل.

الازدواجية والنفاق: بين الساحل وصيدنايا

ما يثير الاستغراب هو الازدواجية في موقف أذناب إيران وميليشياتها. فبينما ينددون بالانتهاكات التي حدثت في الساحل، ويحاولون تصويرها كـ”مظلمة” بحق المدنيين، يتجاهلون دورهم التاريخي في دعم نظام مسؤول عن ملايين الضحايا. هذا النفاق يظهر بوضوح في محاولتهم استغلال الطائفة العلوية كورقة سياسية، بينما كانوا أداة في يد الأسد لقمع كل السوريين، بما فيهم العلويون الذين عارضوا النظام.

على سبيل المثال، عندما تتحدث تقارير عن مقتل مدنيين في الساحل و اقلبها تقارير تكتبها او تنتجها دوائر الاستخبارات الاجنبية لخلق رائ عام دولى و إظهار عنف السلطات الجديدة ، تُسارع هذه الأطراف إلى إدانة الحكومة الجديدة وبث هذه التقارير بشكل واسع جدا ، لكنها لا تذكر كيف ساهمت سياسات إيران في تحويل الساحل إلى قاعدة عسكرية، مما جعله هدفًا للصراعات. كما أنها تتجاهل مصير المفقودين، الذين يُقدر عددهم بأكثر من 200 ألف شخص، معظمهم من ضحايا النظام وحلفائه، والذين لا يزال ذووهم يبحثون عن أي أثر لهم دون جدوى.

محاولة لإعادة كتابة التاريخ

أحداث الساحل السوري الحالية، رغم خطورتها، تُستخدم كأداة من قبل إيران وميليشياتها لتضخيم الصراع وصرف الأنظار عن إرث النظام البائد ودور طهران في دعمه. هذا التضخيم لا يهدف فقط إلى زعزعة استقرار الحكومة الجديدة، بل أيضًا إلى تبييض صفحة النظام السابق وحلفائه، متجاهلين ملايين الشهداء، ومآسي سجن صيدنايا، ومصير المفقودين.

في المقابل، تبدو الحكومة السورية الجديدة مصممة على مواجهة هذه التحديات، عبر فرض الأمن ومحاسبة المتورطين، لكن الطريق لا يزال طويلاً أمامها لاستعادة الاستقرار وبناء دولة عادلة تُحاسب الجميع على جرائمهم، سواء كانوا من فلول الأسد أو من أذناب إيران. أما الشعب السوري، فلا يزال يطالب بكشف الحقيقة كاملة، واستعادة كرامة ضحاياه، بعيدًا عن ألاعيب السياسة والتضليل.

مركز الأحواز و الخليج العربى للدراسات و الابحاث الاستراتيجية 

٨٣٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى