تسير التطورات في سياق الاحتجاجات داخل مناطق سيطرة النظام السوري بشكل دراماتيكي لا سيما في محافظة السويداء جنوبي سورية، وتتزايد رقعة التظاهرات مع ارتفاع سقف المطالب المنددة بالوضع العام ورفع شعارات إسقاط رأس النظام السوري بشار الأسد وخروج إيران من البلاد، علاوة على تمزيق وإحراق صور الأسد في الساحات العامة.
ولاقى حراك السويداء مباركة من مشيخة العقل في سورية، علماً أن المحافظة بغالبيتها يقطنها أبناء الطائفة الدرزية مما يعطي بعداً جديداً للحراك.
أما في الساحل السوري والمناطق التي تشكل ما يعرف بحاضنة شعبية للنظام، فقد تصاعد الاحتقان بين أبنائها، ومنهم من رفع سقف الانتقاد بوجه النظام حتى وصل لشتم الأسد ذاته مع زوجته على العلن، في فيديوهات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي تظهر سخطاً كبيراً يصل إلى حد التهديد بالانفجار.
وأمام كل ذلك، لا يجد نشطاء المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال الغربي من سورية أن الحراك الذي تشهده مناطق سيطرة النظام مختلف عن مبادئ حراكهم الذي انطلق منذ العام 2011 ضد النظام، وعلى ذلك دعا ناشطون في شمال سورية لخروج تظاهرات في كل المحافظات السورية يوم غد الجمعة، بما فيها حلب وحمص والسويداء واللاذقية وطرطوس وغيرها تحت شعار “محاسبة الأسد”.
وفي حين تشير المعطيات إلى أن السويداء ستتجاوب مع هذه الدعوة نظراً لاستمرارها من الأساس بالإضراب والتظاهرات منذ عدة أيام، فيما لا تزال الشكوك حول خروج المناطق الساحلية بتظاهرات أو احتجاجات جماعية لعدة اعتبارات أهمها القبضة الأمنية والخوف من التبعات لاحقاً.
ويبدو أن النظام بات يتخوف من خروج الساحل من يده وقام بتعيين محافظ جديد لطرطوس الساحلية، فراس أحمد الحامد، وهو ضابط سابق متقاعد منذ فترة قصيرة وكان يشغل منصباً أمنياً في محافظة اللاذقية، ويرى مراقبون أنها رسالة لإظهار القبضة الأمنية للنظام بوجه أبناء الساحل.
ويظهر تخوف النظام الجدي من خروج احتجاجات يوم الغد عبر تأجيل انطلاق الدوري السوري لكرة القدم، كان من المفترض أن يكون ذلك يوم الجمعة، حتى ما بعد منتصف سبتمبر/أيلول القادم بحسب موقع “أثر برس”، وذلك بذريعة عدم جهوزية الأندية للانطلاقة في الدوري.
وهذه الخطوة تشير إلى محاولة النظام عدم المغامرة بأن تكون هناك أي مظاهر للتجمع، خوفاً من انفلات الوضع في أي مكان.
“الشارع محتقن”
وحول أفق الحراك في السويداء، يشير عدد ممن تحدث إليهم “العربي الجديد” في المحافظة، إلى أنه “لأول مرة تتصدر الجماهير المشهد في السويداء دون تنسيق ودون قيادة فاعلة أو محركة على الأرض، وهو الحراك الأول الذي تأخذ جميع فئات المجتمع في السويداء دورها في المشاركة والتعبير تلقائياً في التظاهر والاضراب عن العمل، وظهر هذا واضحاً في الشعارات المطروحة والتي طاولت رأس النظام وذكرت ببدايات الثورة عام 2011”.
ويقول هاني عزام، وهو ناشط من السويداء، لـ”العربي الجديد” إن “غياب قيادة موحدة للحراك الشعبي، حيث مازالت المعارضة تحاول اللحاق بركب الشارع وعاجزة حتى اللحظة عن إصدار بيان جامع يتبنى الحراك ويصل إلى المستوى المطلوب والموازي لحركة الشارع، تبقي احتمالات التهدئة أو التصعيد قائمة ومرهونة بردود أفعال السلطة، والتي بدورها مازالت عاجزة حتى الآن عن قمع أو تهدئة الحراك، خاصة بعد الزخم الذي استقاه الشارع من مواقف السلطة الروحية والفصائل، وكذلك إمكانية المتظاهرين على الاستمرار والصبر في الوقت الذي توقفت فيه أعمالهم وقوت يومهم بالرغم من الحاجة اليومية لدى غالبيتهم للحد الأدنى من العمل والمردود اليومي”.
ويضيف: “يأمل المتظاهرون في السويداء أن تندلع تظاهرات في جميع أنحاء سورية، وهذا ظهر واضحاً في مناداتهم لأحرار سورية في كل مكان وفي هتافاتهم وكتاباتهم إلى كافة المناطق والمحافظات السورية، وأجزم أن أي حراك سوري سيؤجج انتفاضة السويداء ويُصعد من الحراك والنتائج”.
ويشير الناشط، علي جريرة، بحديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “الحراك مستمر وكل يوم نشاهد زيادة في أعداد المشاركين وتصعيدا في لهجة المتظاهرين وخطابهم. لقد كُسر حاجز الخوف وبتنا نرى كافة فئات المجتمع ونشهد دوراً فاعلاً للنساء أيضاً، وأعتقد أننا في الأيام القادمة سنشهد مشاركة أكبر وتصعيدا، وما أخشاه أن يأخذ التظاهر منحى آخر باتجاه مهاجمة المراكز الأمنية أو المؤسسات وبالتالي تفريق المتظاهرين”.
ويضيف جريرة: “بالرغم من وجود أصوات تطالب بما يسمى بإدارة محلية وحكم ذاتي وتحاول الصعود على أكتاف الحراك عبر بعض وسائل الإعلام، إلا أن غالبية المتظاهرين، ومعظم الأهالي من خلفهم، ينادون بوحدة الشعب والأرض السورية وشاهدنا الهتافات التي تطالب بخروج كل القوات المحتلة لسورية”.
أما في الساحل واحتمالية الخروج بتظاهرات يوم الجمعة أو غيره، يعبر حيدر العلي، اسم مستعار لصحافي من مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، لـ”العربي الجديد” عن اعتقاده بأن “الأصوات التي ترتفع بالساحل سيكون لها أثر في وقت قصير جداً، والملاحقات الأمنية التي تطاول هؤلاء الناشطين بشكل يومي ستكون الدافع الأقوى والمسرع لأي حراك في ظل تعنت السلطة ورأسها في تلبية مطالب الشعب”.
فيما يرى حسن ديوب، ناشط مدني من محافظة طرطوس، في حديث لـ”العربي الجديد” أن “هذا النظام يستعصي عليه الفهم أن الشعب لا يريده، وإن كان يفهم ذلك ولا يرحل فالمصيبة أعظم” بحسب تعبيره، ويرى أنه “لا جدوى من أي تصريحات ليس لها اي مفعول على الأرض، ويؤكد أن الانفجار الشعبي في الساحل بات قاب قوسين أو أدنى”.
ويشير ديوب إلى أن “الشارع محتقن، ولذلك عليه أن يلبي نداء باقي المحافظات والنزول للشارع، فالكلام الذي لا يقارن بفعل لا أثر له”، مشيراً إلى أن “تنسيقيات بدأت تظهر بشكل خفي في الساحل ضمت أبناء قرى وبلدات ومدن من محافظات الساحل، وهذا يدل على تحركات قريبة ولكن بخطوات حذرة منعاً لأي ضغوط من قبل المليشيات المسلحة التابعة لآل الأسد وأقربائهم”.
المصدر: العربي الجديد