إيران و الخلاقة في سورية.. وعود خامنئي في مدن الساحل السوري

منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم نظام بشار الأسد، مستخدمةً استراتيجية “الفوضى الخلاقة” لتعزيز نفوذها في المنطقة. هذه السياسة، التي تجسدت في نشر الميليشيات وتأجيج الصراعات الطائفية، وصلت إلى ذروتها مع التصعيد الأخير في الساحل السوري في مارس 2025، حيث يبدو أن طهران تحاول الوفاء بوعود مرشدها الأعلى، علي خامنئي، باستعادة النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية بعد سقوط حليفها في دمشق.

سياسة الفوضى الخلاقة

تعتمد إيران في سوريا على خلق حالة من الفوضى المنظمة لضمان استمرارية مصالحها، سواء عبر دعم النظام السابق أو من خلال إدامة التوترات بعد سقوطه. خلال سنوات الحرب، قدمت طهران دعمًا عسكريًا ولوجستيًا للأسد عبر ميليشيات مثل حزب الله اللبناني وفيلق القدس، مستفيدة من الساحل السوري كقاعدة لنقل السلاح والمقاتلين. بعد الإطاحة بالأسد، يبدو أن إيران لم تتخلَ عن طموحاتها، بل حولت دعمها إلى فلول النظام، محاولةً استغلال الفراغ الأمني لإعادة تشكيل المشهد لصالحها.

الاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري، التي شهدت هجمات منسقة ضد القوات الحكومية، تحمل بصمات هذه الاستراتيجية. تقارير متداولة تشير إلى أن هذه العمليات تم التخطيط لها خلال الأشهر الماضية، بدعم غير مباشر من ميليشيات مرتبطة بإيران، بهدف زعزعة استقرار الحكومة الجديدة وإثبات أن طهران لا تزال لاعبًا رئيسيًا في المعادلة السورية.

وعود خامنئي ومدن الساحل

في تصريحات سابقة، ألمح علي خامنئي إلى أن “الشاب السوري ليس لديه ما يخسره”، وهي إشارة إلى استعداده لاستخدام كل الوسائل للحفاظ على النفوذ الإيراني في سوريا. الساحل السوري، بمدنه مثل اللاذقية وطرطوس، يُعتبر أولوية استراتيجية لطهران، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي المطل على البحر المتوسط، بل أيضًا لأنه يمثل ممرًا حيويًا لخطوط الإمداد إلى حزب الله في لبنان. وعد خامنئي الضمني باستعادة هذا النفوذ يبدو الآن وكأنه يترجم إلى أفعال على الأرض، حيث تسعى إيران إلى دعم فلول النظام كورقة ضغط ضد الحكومة الجديدة.

لكن هذا الدعم لم يحقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن. فالمجتمع العلوي في الساحل، الذي حاولت إيران استقطابه عبر التشيع والقوة الناعمة، ظل متمسكًا بهويته المحلية، رافضًا الانصياع الكامل للسرديات الإيرانية. الحسينيات الشيعية، التي أقيمت في المنطقة، بقيت ناشزة وغير مقبولة شعبيًا، مما يعكس فشل طهران في بناء قاعدة اجتماعية صلبة.

التحديات والمستقبل

تواجه إيران عقبات كبيرة في تحقيق أهدافها. الحكومة السورية الجديدة، بدعم من قواتها العسكرية والأمنية، تبدو مصممة على سحق أي محاولات لإعادة إحياء النظام البائد أو نشر الفوضى. التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى الساحل، إلى جانب فرض حظر التجوال وعمليات التمشيط، تشير إلى أن دمشق لن تتهاون في مواجهة هذا التحدي. في الوقت نفسه، يضعف موقف إيران بسبب انشغال حلفائها، مثل حزب الله، بمواجهات مع إسرائيل، وتراجع الدعم الروسي في سوريا نتيجة الحرب في أوكرانيا.

في الختام، يبدو أن سياسة الفوضى الخلاقة التي تنتهجها إيران في سوريا، والتي تتجلى اليوم في الساحل السوري، قد تصطدم بحائط الواقع. وعود خامنئي باستعادة النفوذ قد تتحول إلى مجرد أحلام بعيدة المنال، في ظل تصميم الحكومة السورية الجديدة على فرض الاستقرار وبناء دولة موحدة بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

المركز الإعلامي للثورة الأحوازية 

٨/مارس/٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى