عن خطورة التمدد الإسرائيلي في الجولان

أحمد مظهر سعدو

لم يترك العدو الإسرائيلي أي وقت لدى السوريين ليهنؤوا به، بعد زوال نظام بشار الأسد، إذ سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعملياته العسكرية وتحرك نحو الأراضي السورية، متمدداً داخل الأرض والجغرافيا السورية في محافظة القنيطرة، ومن ثم السيطرة على كثير من المساحات الجغرافية، في ما يسمى المنطقة العازلة، التي كان قد نص عليها اتفاق “فض الاشتباك” الموقع بين حافظ الأسد، والكيان الصهيوني، عام 1974 إبان حرب تشرين الأول وما تمخض بعدها من تفاهمات واتفاقات.

ولعل هذا التمدد والاحتلال الإسرائيلي قد بات حقيقة من أشد الأخطار المحدقة بسوريا، والتي تعتبر صعبة الحل، حيث تحاول إسرائيل عبرها أو من خلالها،  تهديد وجود الإدارة الجديدة في دمشق، واقتناص الفرصة واستغلالها، في لحظة زمنية ما، تدرك فيها إسرائيل عدم قدرة حكومة ما بعد انتصار الثورة، على التصدي لأية عملية احتلال، ومن ثم تمكن إسرائيل من احتلال المزيد من الأراضي السورية، في ظل وضع عربي رسمي متهالك، وغير قادر على لجم هذا التمدد، ومع وجود إدارة أميركية برئاسة دونالد ترمب المغرقة في انسجامها مع تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكل ما يقوم به أو يفعله، سواء في قطاع غزة التي يريد ترمب تهجير أهلها، أو في جنوبي لبنان، أو أيضاً  في الجولان السوري.

لا بد من العمل وبشكل حثيث، وعبر تمتين العلاقة مع الأوروبيين، وكذلك مع الأميركيين، عبر تحريك المصالح المشتركة بين سوريا وكل منهما، ومن ثم ممارسة الضغط الأوروبي والأميركي، إن أمكن ذلك كي ينسحب جيش الاحتلال الاسرائيلي من الأراضي التي أقدم على احتلالها في المنطقة العازلة بين سوريا والكيان الصهيوني.

حيث يدرك نتنياهو أن حالة الظفر والعنجهية التي وصل إليها كيانه الصهيوني أضحت فائض القوة  بحيث لن يستطيع أحد الآن على الأقل أن يعوقها، بل لعله يستطيع استغلال الوقت الأكثر خصوبة وتهيئة له على القيام بعمليات قضم الأراضي في الجولان السوري، أو جنوبي لبنان، والحقيقة تقول: إن من أهم الحالات الصعبة التي تعيق النهوض الحداثي والديمقراطي في سوريا ما بعد الأسد هي هذا الفائض من القوة، الذي بات يمتلكه نتنياهو وبالتالي ممارسته  للسياسة والعسكرتاريا، وفق هذه الفوائض من القوة والتقنيات العسكرية الحديثة، وهو ما يجعل حكومة دمشق عاجزة بكل أسف على فعل أي شيء، لكن الصمت عن ذلك، وعن كل ما تقوم به إسرائيل من احتلالات وعنجهية بربرية، يفقد حكومة دمشق  كثيراً من شعبيتها السورية التي اكتسبتها بعد التحرير، لأن الشعب السوري ما يزال يعتقد أنه لا بد من إعادة كامل الجولان السوري إلى أهله السوريين، وعدم السكوت على تحركات وتمددات إسرائيل مهما كان الأمر صعباً الآن .

لكن وكي نكون أكثر وعياً وعقلانية نقول كيف لحكومة الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة أن تتعاطى مع المشكلة التي أصبحت بكل هذا الحجم من الخطر، وهذه المساحة من الحركة المعوقة لأي حل داخلي، والمهددة للوجود السوري بحد ذاته.

إنه الواقع الأكثر صعوبة، والذي يحتاج إلى كثير من الجهود الدبلوماسية، من قبل حكومة دمشق، لعل أولها ما فعلته دمشق عبر التواصل مؤخراً مع هيئة الأمم المتحدة ودعوة عناصرها وقواتها الموجودة في الجولان السوري، وفق الاتفاقات الأممية المشار إليها سابقاً، إلى دفعها لأخذ دورها، والتعهد من قبل حكومة ورئاسة السيد أحمد الشرع للالتزام باتفاق فض الاشتباك الآنف الذكر والموقع عام 1974.

لكن ذلك كله لم يعد يكفي لوحده، إذ لا بد من العمل وبشكل حثيث، وعبر تمتين العلاقة مع الأوروبيين، وكذلك مع الأميركيين، عبر تحريك المصالح المشتركة بين سوريا وكل منهما، ومن ثم ممارسة الضغط الأوروبي والأميركي، إن أمكن ذلك كي ينسحب جيش الاحتلال الاسرائيلي من الأراضي التي أقدم على احتلالها في المنطقة العازلة بين سوريا والكيان الصهيوني. ويمكن أن يكون ذلك عبر المزيد من تمتين العلاقات الدولية بين الدولة السورية الجديدة، وتلك الدول الفاعلة والمؤثرة، وكذلك لا بد إثارة الموضوع بشكل أكثر جدية وفاعلية، ونحن قادمون على مشاركة سورية فاعلة في مؤتمرات القمة العربية الطارئة في القاهرة،  والعادية في بغداد ومع كل هيئات ومنظمات جامعة الدول العربية، أو مع بعض الدول العربية الفاعلة والمؤثرة مثل المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وكذلك جمهورية مصر العربية، وهم قادرون على ذلك، فيما لو كانت هناك مباحثات وحوارات وعلاقات جدية مصلحية بين هذه البلدان وسورية الجديدة.

ولعل تفعيل ذلك أيضاً عبر تقديم الشكاوى تلو الشكاوى إلى مجلس الأمن الدولي بات ضرورياً ومهماً، وهو ما يخفف نسبياً من غلواء الألم على صدر السوريين، الذين يعتقدون أن إسرائيل سوف تستمر في صلفها هذا إن لم يتم توقيفها عند حدها دبلوماسياً وسياسياً أو عبر أساليب أخرى ممكنة وعديدة.

ولا يجب إغفال الدور التركي الأكثر أهمية، وهي الدولة الإسلامية الصديقة للشعب السوري والقادرة على فعل الكثير تأميناً عسكرياً وتدريباً وعملاً دبلوماسياً من خلال وجودها المهم في حلف “الناتو” وأيضاً عبر العلاقات الشخصية القوية المتوفرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي ترمب.

وتجدر الإشارة إلى أن أوضاع الجولان السوري المحتل، تعتبر من المسائل الأكثر صعوبة

كملفات سياسية وأمنية كبرى تمسك بها الإدارة الجديدة في سوريا، وهي ما تزال تعتبر المحك الأساسي الذي ستبنى عليه ومن خلاله مواقف الدولة السورية الصاعدة، والمختلفة كلياً وتماماً عن السياسات البائسة السابقة التي عملت عليها السياسة السورية أيام حافظ الأسد أو ابنه بشار الأسد. لذلك كان لا بد من الاهتمام بها، ومعالجتها والتعاطي معها بدقة وروية، اتكاءً على بناءات للوطن السوري الحر القوي المتماسك والناهض نحو دولة المواطنة السورية الديمقراطية التي تقيم الدولة الوطنية، والتي تعلي من أهمية سيادة القانون، وكذلك سيادة الوطن كل الوطن على كل جغرافيته السورية الوطنية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى