الموجة الثانية لثورة الكرامة

ثامر الجهماني 

أيام قليلة مضت ردّت السويداء الثائرة، في قلب السوريين الروح. أعادت لضمائرنا وهج الثورة، وألق الصرخة الأولى.  كانت هتافات أهلنا في جبل حوران الأشم، جبل النشامى تغازل حوران وادلب والسلمية والجولان المحتل …. تعيد للثورة سيرتها الأولى …تدب فيها الروح، كمارد من نار هبّ بعد خفوت…. كعنقاء ولدت من لهب.

تلقف السوريون على اختلاف انتمائهم  -عقائديا ، واثنيا، وقوميا ، وطائفيا- تلك المظاهرات بالفرح والزغاريد والتهليل …لم تصدق عيونهم وآذانهم أن يجرؤ الشعب السوري – بعد كل سنوات الثورة ومرارة وقوفها بوجه آلة التدمير الممنهجة، بحصيلة ملايين مهجرة، ومئات آلاف  الشهداء ومئات الآلاف من المعتقلين – على الخروج من جديد ليقول: للطاغية  لا  ….ليقول  لا وألف لا …(سوريا لينا وماهي لبيت الأسد.)…وبصوت يعلو ولا يعلى عليه ( واحد واحد واحد الشعب السوري واحد)…( ارحل يا قاتل ارحل ) ، وغيرها من الشعارات التي صدحت بها حناجرنا في آذار ٢٠١١.

بالمقابل كان نظام جمهورية الموز، نظام العسكرتاريا يتلوى خوفا” وغيضا”. لا يعرف ماذا يفعل أمام تعاظم التظاهرات وازدياد ألقها ومؤيديها في السويداء وباقي مدن سوريا العظيمة.

راح يحرّض مؤيديه، ويدفع بمواليه، لتهديد الناس بالويل والثبور …للخروج بمسيرات مؤيدة …وكلنا سمع التسجيلات الصوتية التي تتوعد الناس.

أمام كل ذلك تألق وهج الأحرار في سويداء القلب، وانضم لهم اليوم من كنا نعتقد خطأ” انهم غائبون عن ضمير اهلهم بسبب الاحتلال الصهيوني …. أهلنا في الجولان المحتل …. من (مجدل شمس) خرج الأحرار ليعلنوها صريحة كضوء الشمس …. برّاقة كوجه اللجين.

مثبطات الثورة كثيرة أهمها:

– عشر سنوات ما استطاعت زيح الناس عن مطالبها …. لكنها كسرت فيهم قوتهم مرات.

– مليون شهيد أو أكثر ، أنهك قلوب الامهات. واعتصر دمع العيون.

– ملايين المشردين في كل بقاع الأرض توزعوا وتشتت جهود الجماعة.

– البعض طال اليأس من قلوبهم.

– هزائم بالجملة للمعارضة المسلحة أوهنت عزيمة البعض.

– مؤامرات بالجملة ليس اولها سوتشي وأستانا…وليس آخرها حصار الغوطة وتسليم حوران للروسي والايراني بفعل خونة كانوا بين صفوف الثورة خدعنا بهم.

لماذا حراك السويداء والجولان الآن لهما كل هذا الألق.؟

ليس تقليلا من شأن من سبق من مدن سوريا وثوارها ممن قال لا للظلم والدكتاتورية …. وفي مقدمتهم درعا وثوارها الأبطال.

وليس تقليلا من قداسة الشهداء الذين روت دمائهم تراب الوطن عبر سنوات الثورة العشر.

وليس اعلاء شأن السويداء فوق رقاب من سبق بل على العكس كنا نطالب الصامتين عبر شعاراتنا وتظاهراتنا …. ألم نكن نهتف لحلب التي تأخرت عن ركب ثورتنا …. (من درعا طلع لهب …وينك وينك يا حلب) …. وفرحنا لها حين خرجت.

ألم تتأخر دمشق العاصمة وكثيرا ما حاول ثوار الريف اقتحام حصنها المنيع …لإدراك الجميع ان دمشق هي بيضة القبان.

عشرات الفيديوهات عن تظاهرات للسويداء مطلع الثورة لم تفلح وقتها بكسر القيود العديدة التي كانت تكبّلها …. اضافة لسيطرة الامن على مفاصلها بالتعاون مع رجال الدين فيها …. الذين تتجاوز سطوتهم ارادة الناس.

كان انتماء اهالي المحافظة لأقلية دينية ميزة تبز غيرها فيها. وكانت سكين مسلط على رقاب البسطاء. خصوصا مع ارتفاع شعارات دينية سوّق لها النظام تبعد الاقليات عن الجماهير ….

كان للسويداء فضل واضح لا ينكره الا جاحد …. اذ امتنع أكثر من ٣٠٠٠٠ شاب من الالتحاق بعسكر السلطة… ورفض أن يكون أداة قتل لباقي مكونات الشعب يستخدمها النظام متى شاء. بينما بعض (اشدد على كلمة البعض)، أبناء المكونات الاخرى لم يرفض اما خوفا” او تأييدا”.

السويداء ماذا تضيف للحراك:

١- تنزع من يد الجلاد أنه حامي الاقليات. (فالدروز)، أقلية دينية، تقول للدكتاتور ارحل.

٢- لا يستطيع النظام المستبد اتهام هذا الحراك بأنه متطيف دينيا”، أو متشدد تكفيري …أو داعشي ارهابي.

٣- خصوصية اهالي السويداء وبعدهم الاجتماعي في جنوب سوريا وامتداد جذوره وفروعه …. قد يتسبب بحراك قريب لدمشق.. مثال (جرمانا، وصحنايا).

٤- لا يوجد مساجد تخرج منها التظاهرات …مما نزع من يد النظام المستبد ورقة مهمة لعب عليها على مدى سنوات.

٥- كل الشعارات التي رفعت في شوارع السويداء …هي ذاتها هتافات الثورة السورية. ثورة الحرية والكرامة. بذلك هي امتداد لما بدأه ثوار ٢٠١١.. وليس بديلا عنهم.

٦ – لم ترفع شعارات مطلبية او اقتصادية بل كرامة وعزة وحقوق.

٧- التحاق الجولان اليوم أظهر للعالم كذب النظام المستبد بانه يريد تحرير الجولان …. وأن الجولان مؤيد له ولسياساته…. فضاع منه محور عاطفي كبير.

٨ – الرهان هو استمرار التظاهر السلمي …. وتحرك الاقليات الاخرى …وانتشار رقعة التظاهر السلمي لكل سوريا.

٩ – بذلك نكون قد استطعنا تحويل نصر النظام المستبد عسكريا الى هزيمة، ان استطعنا نشر التظاهر السلمي في كامل تراب الوطن.

 نقطة مهمة:

أ – نزع الفتيل من يد بعض المجموعات التي لعبت ولا تزال على مشاعر الناس بتطييف الثورة وجعلها سنية شيعية، أو سنية علوية …. واعادتها ثورة للشعب السوري السلمي ضد السلطة المستبدة.  من أجل بناء دولة المدنية، دولة القانون.

ب – هذه النقطة هي توضيح ورجاء …. بعض الاصوات التي أظهرت خوفها من هذا الحراك، مردّه الى حرصها على مكانة الشهداء وتضحيات ثوار ٢٠١١ …. وان هذا الحراك قد يسرق الاضواء من شرارة الثورة ومهدها حوران …. أو من حمص عاصمة الثورة، أو من ادلب شعلة الثورة …

نؤكد هنا أن مكانة الشهداء الاحياء عند ربهم عظيمة وفي قلوبنا عصية على النسيان …وان لا شهيد جديد (مع تمنياتنا بالسلامة للجميع)، أن لا شهيد سيزاحم الساروت البطل مكانته، ولن ينسينا حمزة الخطيب ومعن العودات ومشعل تمو والأب باولو ومحمد فليطاني …فلكل مكانته.

والسويداء تعترف بهم وهتفت لهم اليوم وأمس، وتعرف مكانة درعا بأنها منطلق الثورة لذلك كانت هتافات اليوم الاول…..(( يا درعا حنا معاك للموت )).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى