التقت في الأسابيع القليلة الماضية أكثر من جهة دولية، تمتلك دورًا فاعلًا في تحديد شكل المستقبل السياسي والعسكري في سوريا، بشخصيات سورية معارضة، غير محسوبة بشكل رسمي على أحزاب أو كيانات سياسية، ليُتداول اسمها في نشرات الأخبار من جديد بعد غياب عن واجهة الأحداث منذ ثلاث سنوات.
بدأ تلك الاجتماعات نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي التقى بالرئيس الأسبق لـ”الائتلاف الوطني السوري المعارض”، أحمد معاذ الخطيب، في 26 من حزيران الماضي، خلال زيارة بوغدانوف إلى العاصمة القطرية الدوحة.
وتضمن اللقاء، بحسب بيان نشرته وزارة الخارجية الروسية، “تبادلًا مفصلًا لوجهات النظر بشأن الوضع الحالي في سوريا، مع التركيز على آفاق التسوية السياسية للأزمة في البلد، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي “2254“.
اللقاء الثاني، الأكثر تداولًا وتحليلًا، كان بين المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جويل رايبون، والمنسق السابق لـ“الهيئة العليا للمفاوضات”، رياض حجاب، في 3 من آب الحالي.
وناقش رايبون مع حجاب “أفضل السبل لتطبيق عقوبات قيصر وإنهاء معاناة الشعب السوري على يد نظام الأسد”، وفق ما قالته السفارة الأمريكية في سوريا، عبر حسابها في “تويتر“.
وبعد غياب حجاب ثلاث سنوات عن المشهد السياسي السوري، انتقد عمل مؤسسات المعارضة التي هي بحاجة إلى إعادة تشكيل وترتيب لهيكليتها من جديد، بعد تسع سنوات من بدء ثورة 2011، وذلك لتقوية تلك المؤسسات وتوسيع تمثيلها السياسي، مع المحافظة على وجودها الحالي.
كان ذلك خلال مشاركته بندوة لمعهد “السياسات الدولية” في العاصمة الأمريكية واشنطن حول “تحولات المشهد السوري وآليات التعامل معها“، في 30 من تموز الماضي.
وخلص حجاب في تلك الندوة إلى أن “معادلة أمنية وعسكرية جديدة تتشكل في سوريا، ولا بد من استيعاب ملامحها والتعامل معها”.
“بشار الأسد أصبح عبئًا على سوريا (…) بشار الأسد ليس المرحلة المقبلة”، هذا ما قاله رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق عن النظام السوري، رياض حجاب، ضمن ندوة معهد “السياسات الدولية”، معتقدًا أن الوساطة الأممية يجب أن تعود إلى تعزيز دورها المحوري، وتمكينها من تحقيق إنجازات فعلية على مستوى الإصلاح الدستوري في سوريا.
أخذت تلك التصريحات واللقاءات ارتداداتها على وسائل الإعلام عبر قراءات عدة حول دور تلك الشخصيات المعارضة، وخاصة حجاب، في مستقبل حل الملف السوري، أو في أي تغير للمعطيات السياسية في سوريا، في حين يقترب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية السورية عام 2021.
شخصيات معارضة لا تمتلك سوى “اعتبارات أخلاقية”
المحلل السياسي السوري حسن النيفي يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن الاستجابة السلبية لحل الملف السوري من قبل المجتمع الدولي طوال تسع سنوات، جعلت كثيرًا من السوريين يعتقدون أن اللقاءات الأخيرة بين الجهات الدولية الفاعلة في سوريا وشخصيات المعارضة هي علامة على مبادرة للدخول في مرحلة جديدة.
وما عزز هذا الاعتقاد، بحسب النيفي، هو دعوة حجاب إلى ضرورة إعادة هيكلة مؤسسات المعارضة السورية، وعدم تبعيتها للأجندات السياسية.
ولا يعدو هذا الأمر أكثر من عملية “جس نبض”، وفقًا لتعبير النيفي، لاختبار شعور الرأي العام السوري تجاه كل الأطراف السياسية المعارضة، وأخذ “جس النبض” هذا منحًا آخر، إذ تتنافس واشنطن وموسكو على معرفة من الشخصيات المعارضة التي تمتلك شعبية أكثر من غيرها في الشارع السوري.
وتمتلك معظم الأطراف الدولية قناعة بأن الحل السياسي في سوريا سيكون نتيجة التوافق الدولي بين الجهات النافذة في الشأن السوري على شخصية سورية تحددها المصالح المشتركة بين تلك الأطراف، انسجامًا مع رؤيتها، وفق النيفي.
ولا يعوّل النيفي على الدور الذي يمكن أن تلعبه الشخصيات التي عادت إلى المشهد من جديد من بوابتي موسكو وواشنطن، كونها “لا تنتمي إلى تيارات لها رصيد شعبي أو جماهيري على الأرض، وليست لها امتدادات قوية في الداخل السوري، ولا تملك أي شكل من أشكال النفوذ”، بحسب تعبيره.
وكل ما يمكن أن تمتلكه هذه الشخصيات السورية المعارضة، بحسب ما يعتقده النيفي، هو فقط قيمة اعتبارية أخلاقية غير معلوم مدى فاعليتها أو تأثيرها في ميزان القوى الراهن على أرض الواقع.
والسبب الذي دفع الحكومة الأمريكية في واشنطن للقائها بحجاب، من وجهة نظر النيفي، هو مجرد موقفها السلبي من “الائتلاف” الذي يؤيد عمليات عسكرية تشنها تركيا تتعارض مع رؤية السلطات الأمريكية للحل في سوريا.
وألمح المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، إلى أن ما يريده حجاب من إعادة طرح هيكلية جديدة للمعارضة لرفع مستوى العمل السياسي فيها يكاد يكون مستحيلًا في هذه الفترة التي تشهد فيها سوريا إخفاق العملية السياسية.
وشكر العريضي، في تغريدة عبر “تويتر”، حجاب بخصوص مبادرته لإعادة تفعيل المعارضة، وطرح تساؤلًا حول ما إذا كان حجاب قادرًا على استصدار قرار دولي جديد بحاجة إليه المعارضة لتفعيل دورها في سوريا “أمام منظومة احتلال إجرامية داخلية وخارجية”.
رجل دولة سابق
في ذات الوقت، اعتبر المعارض السوري صلاح قيراطة أن شخصية رياض حجاب هي “شخصية وطنية، وخروجه من سوريا لم يكن حركة انشقاق عادية، بل هي خطة متقدمة”.
وأضاف قيراطة، في منشور عبر “فيس بوك“، في 30 من حزيران الماضي، أنه “يجب الولوج في عملية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي نص صراحة على عدم وجود أي دور لبشار الأسد في أي مرحلة انتقالية”.
ويعتقد قيراطة أن دور حجاب يأتي في المرحلة الانتقالية، “ويمكن أن يقنع أغلبية السوريين، وسيثقون به للقيادة لمرحلة انتقالية تصوغ دستورًا ضمن الديار السورية، وبمهارات وخبرات وطنية دون أي إملاءات خارجية.”
هذه القراءة المؤيدة لمبادرة حجاب من قبل قيراطة، سببها أن حجاب رجل دولة سابق، ويمكن الاستفادة منه في المرحلة الانتقالية المقبلة.
حجاب في سطور
ولد رياض فريد حجاب في محافظة دير الزور عام 1966، وحصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الزراعية.
وتولى رئاسة فرع “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” في دير الزور للفترة بين عامي 1989 و1998.
وشغل كذلك منصب أمين فرع حزب “البعث العربي الاشتراكي” في دير الزور للفترة بين عامي 2004 و2008.
عمل محافظًا للقنيطرة من عام 2008 حتى شباط 2011، ثم محافظًا للاذقية إلى تاريخ تعيينه في منصب وزير الزراعة في حكومة عادل سفر، في نيسان 2011.
انشق رياض حجاب عن النظام في 6 من آب 2012، وغادر سوريا مع عائلته إلى الأردن.
أسس “التجمع الوطني الحر” الخاص بالعاملين في مؤسسات الدولة بين عامي 2012 و2015.
وانتخب رئيسًا لـ”الهيئة العليا للمفاوضات السورية” في 2015، ليستقيل منها دون تحديد الأسباب في 2017.
ولم يشغل أي مناصب بعد هذه الاستقالة.
المصدر: عنب بلدي