
وليد سيف كاتب درامي وروائي فلسطيني عريق له انتاجاته الكثيرة. تمثل إضاءات مهمة سواء فيما يتعلق بالتاريخ او ما عشناه في القرن الأخير، خاصة المسلسل التلفزيوني التغريبة الفلسطينية الذي حوله وليد سيف إلى عمل روائي بجزئين.
قرأت لوليد سيف سيرته الذاتية المهمة الشاهد المشهود. وكذلك رواية النار والعنقاء في جزئيها: الرايات السود وصقر قريش. وكتبت عنهم جميعا.
الشاعر والملك الرواية التي أكتب عنها تتحدث عن شخصية متميزة في تاريخنا العربي قبل الإسلام وهو الشاعر عمرو بن العبد البكري، الذي أصبح مشهورا باسم طرفة بن العبد البكري بعد أن غيّر اسمه بإرادته الشخصية. كذلك تطل الرواية على عصر طرفة بن العبد البكري وزمانه إطلالا كاملا حيث ينتمي طرفة بن العبد الى قبيلة بكر الكبيرة الممتدة في “هجر والبحرين” وحيث كانت الجزيرة العربية مقسمة بين قبائل ممتدة فيها. تعيش أحيانا في وئام واحيانا في صراع يمتد لعقود. كما حصل في حرب البسوس التي حصلت بين قبيلة بكر وحلفائها وقبيلة وائل وحلفائها، حصلت بسبب قتل ناقة . كما كانت تعيش هذه القبائل في ظل تبعية مباشرة أو غير مباشرة للممالك المسيطرة في شمال الجزيرة العربية . حيث مملكة المناذرة في بلاد الرافدين التابعين لسيطرة الفرس. وكذلك الغساسنة في بلاد الشام التابعين أيضا لسيطرة الروم.
في ذلك الوقت كانت قبيلة بكر التي ينتمي لها طرفة بن العبد تابعة للملك عمرو بن هند ملك المناذرة وتقدم له الولاء والخراج المادي بشكل سنوي.
كما لا بد من التحدث عن التقسيم الدقيق في واقع الجزيرة العربية. فكل إنسان هناك ابن قبيلة وهي مصدر فخره واعتزازه. كذلك هناك تقسيم داخل كل قبيلة حسب انتماء افرادها للسادة الاغنياء او فقراء القبيلة. كانت ميزة الغنى تأتي من الأملاك الكبيرة والأعمال التجارية والزراعية لبعض الواحات وكذلك على كبر قطعانها من الجمال والنوق. التي كانت مع النخيل مصدر الرزق والحياة في الجزيرة العربية. ان الاحرار ابناء القبائل تشمل الرجال والنساء طبعا.
كما يتواجد العبيد والجواري وهم جزء مكمل على كل المستويات لواقع حياة أهل الجزيرة العربية وقبائلها ، حيث يتم الحصول على هؤلاء الإماء والعبيد بالبيع ونتيجة الحروب.
كانت قبيلة بكر تابعة لسيطرة ملك المناذرة عمرو بن هند في زمن طرفة بن العبد.
كان لا بد من هذا التقديم لمتابعة الرواية وحياة طرفة بن العبد البكري في زمانه ومكانه وعصره.
عمرو بن العبد البكري “طرفة”.ينتمي لأسرة من سادة قبيلة بكر حيث توفي والده وهو مازال طفلا ذي عشر سنوات. كانت علاقته بوالده متميزة وكان موت والده المفاجئ قد أثر عليه كثيرا.
وكان طرفة متميزا منذ طفولته. وكان شخصية حرة ويمتلك موهبة إلقاء الشعر الذي يمثل أهم الميزات في عصره. فربّ شاعر يوازي قوة قبيلة. حيث يستطيع الشعر أن يغير أحوال كثيرة. قد يؤدي لحرب وقد يؤدي لايقافها. وهو وسيلة ارتزاق للبعض عند السادة والحكام والأغنياء. لذلك تميز طرفة بن العبد بالقائه الشعر منذ طفولته واحرج أحد شعرائها الكبار في قبيلته.
وزاد من تميز طرفة بن العبد حيث جاء الى سادة القبيلة من يمثل الملك عمرو بن هند يدعوهم إلى مزيد من الولاء والطاعة وزيادة الضرائب المفروضة سنويا وكيف ارتبك سادة القبيلة. وكيف تدخل طرفة وطلب من سادة قبيلته أن لا يستجيبوا لمطالب والي الملك عمرو بن هند وتحالفوا مع قبائل اخرى ويقفوا في وجه الملك عمرو بن هند. لكنهم لم يستجيبوا لطلبه. لأنهم أعجز عن مواجهة الملك عمرو بن هند. ولأنهم على خلاف وصراع مع قبائل اخرى. يستفيد الملك من صراعها ليستمر بالسيطرة عليها. ويزيد استحصال الأعطيات والضرائب السنوية .
لم يستجب سادة القبيلة لمطلب طرفة بعدم تلبية طلب ممثل الملك. ولذلك بادر طرفة لقول الشعر يهاجم بها أهل قبيلته لقبولهم الذل والتنازل عن مواردهم دون حق. وهكذا خلق طرفه بينه وبين قبيلته صراعا ضمنيا. ولذلك خرج إلى قبائل أخرى يحاول استنهاضها. لكنها لم تستجب له. وبعد ذلك انتقل ليبحث عن لقمة عيشه من خلال الانتقال إلى الصعلكة. وهي أن يخرج الرجل من انتمائه الى قبيلته و يعتمد على الغزو لنفسه. كان بداية لوحده ثم مع بعض الآخرين الخارجين عن قبائلهم لأسبابهم الخاصة. فهو ترك قبيلته لرفضه خضوعها. وآخر ليؤمن مهر حبيبته وغيرهم.
لا بد ان نعلم ان طرفة ورث واخوته عن والده مالا كثيرا حاول اعمامه الاستحواذ عليها. واستطاع بشعره استرجاعها. استفاد اخوته من حصتهم ببناء حياة اقتصادية جيدة لكل منهما.
بينما اعتمد طرفة على صرف ماله على القيان والشراب والميسر. ولم يمض وقت حتى أفلس. وهذا من الأسباب التي جعلته ينتقل الى الصعلكة.
جرّب طرفة الصعلكة ولم يرتح لها. وحاول مساعدة أخ الملك عمرو بن هند لاسترداد حقوقه. لكونه ابن من أم غير عربية بعد حرمانه من حقوقه. وقُتل ذلك الأخ. وأصبح طرفة خصما للملك عمرو بن هند. ومن ثم اكتشف أن حياة الصعلكة لم تريحه. فهو يحب المال ويحب حياة السادة وحياة الدعة. وان المواقف الثائرة التي باشر حياته فيها وجدها لم تشبع روحه وعقله.
سرعان ما روضت الحياة طرفة بن العبد وعاد ليستفيد من أشعاره و يفتخر بقبيلته. ووصل ليصبح مع خاله الشاعر ليكونوا من أصحاب الملك عمرو بن هند ورفاق سهرات سكره ومجونه.
لم تستطع متغيرات الحياة أن تروض طرفة ونزعته الحرّة المتمردة. فكان له اشعار بهجاء الملك عمرو بن هند. لم ينساها له. وكان الشعر الذي قاله طرفة تغزل بأخت الملك عمرو بن هند هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأخذ الملك عمرو بن هند قرار قتل طرفة وخاله وأوكل ذلك لحاكم هجر حيث أرسلهم مع كتاب قتلهم إلى ذلك الحاكم. الخال فتح الخطاب وعرف قرار قتله وهرب. أما طرفة ومن موقف اعتداد بنفسه وانه لن يهرب من مصيره. مع احساسه ان كل محاولاته ليرضي ذاته ويشبع نزوعه الحر الثائر لم ينجح. فذهب وسلم نفسه للحاكم الذي حاول أن يدفعه للهروب. ولم يهرب . يعتقد طرفة أنه اكتفى من عمره. وجاء حاكم جديد قتله وعلقه على نخلته التي زرعها له والده في قبيلته بكر في هجر وبين أهله .
تنتهي الرواية وقد ودعنا طرفة الحر الثائر الشاعر. رجل بأمة عن عمر ستة وعشرين عاما.
لم تستطع الدنيا أن تستوعب هذا الشاعر الثائر طرفة بن العبد البكري. ولم ترضه الحياة بعيوبها ولا رضيت نفسه بما عاشه على كل المستويات فرضي أن يموت قتلا.
لقد صنع طرفة بن العبد البكري نموذجا انسانيا منذ ما قبل الرسالة الاسلامية ومستمرا للآن .
انه نموذجا لنا نحن عرب هذا العصر.
صنعنا نموذجنا بثورات الربيع العربي رافضين للظلم توّاقين للحرية.
ونجحت ثورة السوريون.
اسقطنا النظام المجرم وبدأنا بصناعة حياة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل …
رواية “الشاعر والملك” للكاتب والروائي “وليد سيف” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن شخصية متميزة في تاريخنا العربي قبل الإسلام وهو الشاعر عمرو بن العبد البكري، المشهورا باسم طرفة بن العبد البكري، متجدثاً عن طبيعة العلاقات بين القبائل .