
أحمد فال الدين روائي وصحفي موريتاني متميز مجد ومبدع . قرأت له سابقا رواية الشيباني، وكذلك رواية الحدقي، وكتبت عنهما.
في رواية دانشمند يتابع أحمد فال الدين حياة أحد أهم العلماء المسلمين في التاريخ الاسلامي انه ابو حامد محمد الغزالي. ذلك العالم الذي وصلت سمعته وقدراته وكتاباته الإسلامية الى كل الدنيا في زمانه وإلى الآن.
نشأ الغزالي المولود في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري في بلدة طابران التابعة لطوس التابعة لنيسابور في خراسان، أيام الدولة السلجوقية. ومنذ طفولته تميز بهدوئه وتفكره في كل أمر يمر به. وأنه أظهر نبوغا في تعلمه على يد شيوخه، حيث كان الأهل يعلمون أولادهم في المساجد على يد شيوخ متفرغين لنقل علوم القرآن والحديث وبعض العلوم المعاصرة والفلسفة وعلم الكلام وغيرها.
انتقل إلى نيسابور ليصبح تلميذا على أبي المعالي الجويني العالم المشهور الذي لقب لاحقا بإمام الحرمين.
كان ينهل كل مؤلفات عصره. وله حافظة قوية وصاحب حجة. كان شافعي المذهب، أشعري ، وكان حجّة ومرجعا في موضوعات الاسلام. تبناه الوزير السلجوقي نظام الملك ورعاه بعدما تبين تفوقه على جميع العلماء المحيطين في في نيسابور. ووصل الى مرحلة جعلت المحيطين به ينادونه بلقب “دانشمند” بمعنى العالم تمييزا له. ولذلك دفعه نظام الملك للانتقال إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية للتدريس في مساجدها. رغم أنه كان في العقد الرابع من العمر. ووصل الى قمة المعارف التي نهلها وكان يجب أن يكون في عمره اكبر من ذلك بكثير. وبالفعل ذهب الى هناك وكان له وجوده وحضوره وأصبح محط أنظار العلماء وطلاب العلم. واصبح له مجلس علم يكبر مع مرور الوقت حتى أصبح من أعلام علماء بغداد.
كان لأبي حامد الغزالي رأيا حول كل امر من امور الاسلام في ذلك الوقت. فهو شافعي المذهب أشعري في علم الكلام بحيث جعل الفلسفة خادمة للإسلام كما يرى. لذلك كان له كتابات تواجه الفلسفة والفلاسفة. أهمها كتاب تهافت الفلاسفة. وكذلك كان له دور في مواجهة الفكر الباطني الإسلامي وفي زمانه كان للحشاشين الفئة الاسماعيلية حضورا قويا. يزرعون فدائيين لهم في صفوف علماء المسلمين وقادة دولهم ويقتلون المختلف معهم حسب أوامر حسن الصباح مرجعهم الروحي والفكري. وقد راقبوا الغزالي كثيرا وامروا بقتله ولكن لم يتم الامر. لقد اعتبروه عدوا يجب قتله. خاصة بعدما كتب كتابه فضائح الباطنية.
لم يترك الغزالي أمرا يهم شؤون المسلمين الا وكتب عنه وفيه.
لقد وصل الغزالي الى مرحلة اصبح المرجع الاسلامي الاكبر في زمانه. وكان أحد اهم ألقابه حجة الاسلام. الذي اقترن به في كل مراحل حياته.
وصل الغزالي الى مرحلة وجد انه اصبح عارف بكل علوم زمانه وله موقفا منها كلها وأصبح حجة الإسلام في جميع قضايا الدين الاسلامي. ومع ذلك وجد أن شيئا ما ينقصه.
لقد أدرك انه بحاجة لمزيد من اليقين وذلك لا يحصل له بالمعرفة والادراك العقلي وأنه لم يعد هناك زمن نبوة حتى يرسل الله له معجزة تجعله يتيقن ويسلم أمره لله ويتجاوز الشك الدائم الجاثم على صدره. هناك سؤال يشغل باله: لعلّ كل ما يعلمه وهم.؟!!. لذلك ومن خلال تواصله مع بعض صوفية زمانه قرر أن ينزل عن عرش الامامة الدينية وعن المال والجاه وترك زوجته وطفلتيه. وابتعد عن حكام زمانه ليبحث عن الله لعله يحصل على إشارة تريح روحه. خرج من بغداد مدّعيا ذهابه الى الحج ولكنه لم يذهب، لبس الرقاع وتزود بركوة المتصوف لأجل شرب مائه ووضوئه. وحمل خرجه على ظهره فيه بعض حاجاته وكسرات من الخبز. وبدأ تجواله متنقلا في جوامع كل من بغداد الى دمشق الى القدس واستقر في كل منها بعض الوقت . لقد أمضى على هذه الحال أكثر من عشر سنوات. وأدرك بعض الرؤى ووصل الى بعض الاشارات التي عنت له رضى من الله عنه وعليه ولم يستطع أن يستمر خافيا نفسه وسرعان ما عادت سيرته الأولى علما اسلاميا كبيرا، وعاد يقوم بالتدريس ولكن على مجموعة صغيرة من خواص تلاميذه حيث استقر في مدينته طابران.
لقد عاد من رحلة التصوف بكثير من الكتب التي دون فيها رؤاه وما توصل إليه. وكان كتاب احياء علوم الدين أهم كتاب له كتبه بعد رحلته تلك يحاول فيه أن يعيد طرح الإسلام في زمانه. بعد أن مرّ على البعثة الاسلامية خمسة قرون. هذا وقد اكتملت تجربة الغزالي الفكرية والروحية حيث دون خلاصتها في هذا الكتاب. وظهر فيه التكامل بين العقل والنفس والروح وبقية ملكات الإنسان وأن الإسلام جاء ليعطي لكل من حاجات الإنسان الفردية والاجتماعية حقها. وإن على علماء المسلمين أن يواكبوا تغيرات عصرهم ويجيبوا عن مستجداته بما يحفظ أصول الاسلام الاولى ان يحافظوا على مقاصد الشرع الاسلامي في الحفاظ على الدين والعقل والنفس والروح والعرض وحقوق الناس والحفاظ على كرامة العباد وتحقيق العدالة والإصرار على الشورى في تسيير أمور المسلمين. وأن يكون القصد اخيرا بناء الحياة الأفضل للبشر على هذه الأرض المستخلفين فيها.
كتاب دانشمند أو رواية دانشمند الموسوعية التي تزيد صفحاتها عن ستمائة صفحة. والتي تحاول أن تهدينا حياة علامة رائد هو أبي حامد الغزالي. هو رسالة لنا في هذا الزمان. أن يكون في داخل كل منا شعور الرسالة والمسؤولية وأن نقوم بدورنا في الحياة لصناعة مستقبل أفضل لكل منا فرديا ولمجتمعاتنا وبلادنا.
خاصة ونحن السوريون قد انتصرنا على النظام المجرم المستبد الذي كان حرمنا من الحرية والكرامة وازهق حياة الكثير منّا . واننا امام مسؤولية بناء حياتنا العادلة في دولة ديمقراطية ونعمل كلنا ورشة متضامنة لبناء حياتنا الافضل.
كذلك لا بد من التوضيح أن رواية دانشمند للكاتب أحمد فال الدين قد وضعت في القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية لهذا العام.وهي برأيي تستحق الفوز بالجائزة بكل جدارة.
رواية “دانشمند” للروائي والصحفي الموريتاني “أحمد فال الدين” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب ” احمد العربي” الرواية هي متابعة لحياة أحد أهم العلماء المسلمين في التاريخ الاسلامي انه “ابو حامد محمد الغزالي” من نشأته في بلدة طابران التابعة لطوس التابعة لنيسابور في خراسان، أيام الدولة السلجوقية.