بدا أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله دفاعياً عصر الجمعة السابع من أغسطس (آب)، في أول تعليق له على الكارثة الزلزالية التي أصابت بيروت ولبنان، وعلى تفاعلاتها السياسية، والشعبية، والإعلامية التي أخذت منحى تشكيكياً في التحقيقات التي تجريها أجهزة الدولة اللبنانية الأمنية والقضائية، وسط الغضب الشعبي العارم الذي عم البلد ضد السلطة القائمة.
فانفجار ما قالت المعلومات الأمنية إنه مخزون 2755 طناً من مادة “نيترات الأمونيوم” في العنبر 12 في مرفأ بيروت، حوّل العاصمة تحت وطأة ما يشبه انفجاراً نووياً محدوداً، إلى مدينة منكوبة في معظم أحيائها، وأدى إلى سقوط ما يفوق 160 ضحية وأكثر من 80 مفقوداً، وأكثر من أربعة آلاف جريح، وفجر غضباً شعبياً على الطبقة السياسية برمتها شملت “حزب الله”، من باب اتهامه في وسائل الإعلام، بأن المواد المتفجرة يحتمل أن تكون له.
إلى ماذا استندت فرضيات اتهام الحزب؟
استندت الاتهامات للحزب إلى أن اللبنانيين يسمعون منذ سنوات أنه “يسيطر” على المرفأ، ويستخدمه من أجل استيراد بضائع من مختلف الأنواع، بما فيها بضائع تجارية لمؤسسات تابعة له يستفيد منها من أجل تمويل أجهزته. ويلغط بعض الأوساط بروايات عن نفوذ الحزب في قلب المرفأ، يستخدمه من أجل تمرير بضائع يستوردها تجار محسوبون عليه برسوم جمركية رمزية، ليستفيد هو من فارق بيعها في الأسواق من أجل ماليته الحزبية. كما ارتكز بعض التكهنات إلى أن للحزب علاقة بهذا التفجير الكارثي، على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سبق أن اتهم “حزب الله” بتخزين أسلحة، وصواريخ في أماكن مدنية من بينها المرفأ قبل سنة، نفاها الحزب أكثر من مرة.
وأخرجت المأساة التي ألمت بلبنان غضب الناس في الشارع، ضد الطبقة السياسية برمتها، على شاشات التلفزة، على وقع الحادث المحزن الذي شرد عائلات تهدمت بيوتها في المناطق القريبة من المرفأ، إذ قيل إن زهاء 300 ألف شقة سكنية تحتاج إلى ترميم في العاصمة، على وقع تشييع الضحايا الذي سقطوا في مناطق مختلفة في لبنان. ولم يوفر المواطنون المحزونون من سخطهم أياً من الزعامات السياسية، بمن فيهم المعارضون، وصبوا هذا الغضب على رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفه مع “حزب الله”.
ومن أسباب تناول الحزب فور حصول الكارثة، أن بعض الإعلام المقرب من الحزب سارع إلى الحديث عن انفجار مفرقعات نارية مخزنة في العنبر رقم 12، ما أثار ردود فعل مستهزئة نظراً إلى “لا معقولية هكذا فرضية”، إذ يستحيل أن تسبب مواد كهذه عصف الانفجار الهائل الذي ضرب المدينة، وأخرج مرفأ بيروت من الخدمة لسنوات. وزادت الريبة لعدم تصديق هكذا روايات، بأن ثمة شيئاً آخر مخبأ في هذا العنبر. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ضجت بصور وفيديوهات تظهر جسماً ما طائراً في الأجواء، قبل أن يرتطم بالأرض، قبيل الانفجار الضخم الثاني. وقال من تولوا توزيعها إنه صاروخ إسرائيلي استهدف العنبر لتفجير إما مادة الأمونيوم المخزنة، أو أسلحة للحزب في المرفأ.
المعلقون وتواجد الحزب في المرفأ ونفي نصر الله
عامل آخر أطلق العنان للتكهنات التي توجه الأنظار إلى الحزب أيضاً، أن تلفزيون “المنار” التابع له، كان من أوائل المحطات التي استطاع طاقمها الدخول إلى حرم المرفأ لتصوير الحريق الضخم الذي شب في المرفأ مساء الرابع من أغسطس، فيما نقلت محطات تلفزة أخرى صوراً لسيارات إسعاف “الهيئة الصحية الإسلامية” التابعة للحزب تدخل إلى المنطقة التي حظرت الأجهزة الأمنية دخولها في اليوم التالي، ما سبب أخذاً ورداً بين مراسلي تلك المحطات الذين سألوا مسؤولين في الحزب عما إذا كان يخزن شيئاً في العنبر رقم 12.
وفضلاً عن أن معلّقين على الشاشات من خصوم الحزب تناولوا فرضية علاقته بالتفجير الذي حصل، فإن أكثر من سياسي من الخصوم أيضاً لم يستبعد تلك الفرضية. وهذا ما دفع نصرالله إلى القول في كلمته عصر الجمعة، “أؤكد نفياً قاطعاً مطلقاً حاسماً جازماً، أن لا شيء لنا في المرفأ. لا مخزن سلاح، ولا صواريخ، ولا بندقية، ولا قنبلة ولا رصاصة، ولا نيترات الأمونيوم”… وأعتبر أن “هناك استغلالاً سياسياً للحادثة ونحن مصرون على أن اللحظة الحالية ليست لحظة محاسبات سياسية، وحزبية لدينا لاحقاً القدرة على الرد، وإثبات أن هناك من يعيش في سراب وأوهام”.
“لا ندير المرفأ”
أضاف “لا ندير المرفأ، ولا نتدخل فيه، ولا نعرف ما هو موجود بداخله. التحقيقات جارية، والحقائق ستظهر سريعاً لأن الموضوع ليس معقداً، وعندما تظهر الحقائق أطلب من الشعب اللبناني محاكمة المحطات التي ضللت هذه الحقائق”.
وبعدما أبدى نصر الله في كلمته تعاطفه مع الضحايا مشيراً إلى حجم الكارثة التي ألمت بالبلد، قال “أي حادثة تستدعي داخلياً التعامل بترفع… وللأسف خرج بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية، وبعض القوى السياسية، وحسموا روايتهم مسبقاً أن العنبر هو عبارة عن مخزن لصواريخ وذخيرة لحزب الله”. وتحدث عن ضرورة مواجهة الكارثة بتضامن وطني لأنها أصابت كل لبنان، وكل الطوائف، والمناطق بتداعياتها الإنسانية والاقتصادية… “نطالب بالعقاب الشديد والعادل بحق كل مسؤول عن ملف مرفأ بيروت، وندعو لأن يكون التحقيق شفافاً من دون أي حسابات للمصلحة الحزبية أو الطائفية”.
الثقة بالجيش وتجنب الإشارة للتحقيق الدولي
انتقد نصر الله الذين سارعوا إلى اتهامه “قبل أن ينتهي التحقيق بالتفجير” وقال “كل القوى السياسية تعلن ثقتها بالجيش اللبناني، فإذا كانت مؤسسة الجيش موثوقة لدى اللبنانيين، والزعامات، فليتم تكليفه التحقيق بالحادثة”. لكن المراقبين لاحظوا أن نصر الله تجنب الحديث سلباً، أو إيجاباً عن مطالبة لبنانية لا سيما على لسان قادة المعارضة، بتحقيق دولي نظراً إلى عدم الثقة بالقضاء والأمن اللبنانيين، وبالسلطة السياسية الحاكمة. وهي مطالبة من بين أركان السياسة اللبنانية، التي دعوا إليها بقوة رؤساء الحكومات السابقون، سعد الحريري، (ومعه كتلة “المستقبل” النيابية)، ونجيب ميقاتي، وتمام سلام، وفؤاد السنيورة (أضافوا إليها مشاركة عربية في التحقيق)، ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، ونواب في حزب “القوات اللبنانية” بالإضافة إلى حزب “الكتائب”. وقد أيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفكرة بدوره موحياً بأنه سيسعى إليها في مؤتمره الصحافي الذي ختم به زيارته إلى بيروت الخميس السادس من أغسطس. فقد سبقه إلى لبنان فريق محققين فرنسيين التقوا المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وهناك من يعتقد أن نصر الله ترك لرئيس الجمهورية ميشال عون، أن يعلن رفضه تدويل الأزمة اللبنانية، كما أعلن الأخير بعد ظهر يوم الجمعة.
فأمين عام “حزب الله” تجاوز المطالبة بالتحقيق الدولي وفق المراقبين، مع التشديد على إيكال المهمة إلى الجيش اللبناني. ورافق ذلك اعتماده لغة تصالحية مع المجتمعين الدولي والعربي حين قال “المشهد الخارجي إيجابي، وهو يفتح فرصة أمام لبنان للخروج من حالة الحصار والشدة التي يواجهها”. وتابع “شهدنا تعاطفاً كبيراً على المستوى العالمي أبرزه زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان، ونحن ننظر بإيجابية إلى كل زيارة ومساعدة في هذه الأيام، إذا كانت تهدف إلى لمّ الشمل والحوار خاصة”. وهذه الإشارة الإيجابية منه إلى زيارة ماكرون تعود وفق تقدير مصدر سياسي مطلع على موقف الحزب، تعود إلى أن الرئيس الفرنسي كان “واقعياً” في رده على الأسئلة التي استفسرت خلال المؤتمر الصحافي، عن سبب شمول لقائه مع رؤساء الكتل النيابية والأحزاب اللبنانية، حضور رئيس كتلة نواب الحزب النائب محمد رعد، الذي وقف معه لثلاث دقائق إثر الاجتماع. فقد كان جوابه أنه لا يشاطر الحزب أفكاره، لكنهم “منتخبين من الشعب اللبناني، وهم هنا، ولست أنا من اختارهم… وعلي أن أقول لهم رأيي بوجههم”.
جنبلاط يرد
لكن خطاب نصر الله لم يكن مهادناً مع بعض القوى السياسية التي شنت حملة على الحزب في أثناء المحنة التي يمر بها لبنان، فقال بما يشبه الوعيد والتهديد “أقول لكل الذين فتحوا معركة معنا، ومع محور المقاومة انطلاقًا من هذه الحادثة، لن تحصلوا على أي نتيجة، هذه المقاومة أعظم من أن ينالها بعض الظالمين، والكذابين، والساعين للحرب الأهلية، وطالما سعوا لذلك وفشلوا وسيفشلون”.
ولم يستبعد مراقبون أن يكون قد استهدف في هذا الكلام جنبلاط، الذي كان قال في مؤتمر صحافي يوم الخميس، رداً على سؤال عمن يقصد بأن الانفجار رسالة للبنان “هناك محاور اليوم، “عم تضحك بعبّا”، إسرائيل طبعاً، ولكن البلد ساحة صراع، فربما محور الممانعة أيضاً، فهل هناك أوضح من ذلك”؟
كما أن جنبلاط عاد فرد على كلمة نصرالله في حديث لإحدى القنوات، قال فيه “هناك علاقة غامضة بين حزب الله، وسلطات الدولة اللبنانية”.
وسأل “هل يعقل أن حزب الله ليس معه خبر بالشحنة الخطيرة في المرفأ؟ لا أعتقد ذلك. لست مقتنعاً برواية حسن نصرالله… لا نثق بتحقيق الأجهزة المحلية التي أصابها الاهتراء والتسييس”. وأصر على أن “يكون هناك تحقيق لبناني – دولي في انفجار المرفأ”.
المصدر: اندبندنت عربية