هذا من استشرافات أحمد بهاء الدين، وهذه المكانة، وهذا الدور لجمال عبد الناصر في أمته العربية، وفي وطنه العربي، دقيق جدا، لكن ما كان له أن يكون على ما كان عليه لولا أنه أطل على أمتنا من مصر ، فمصر هي قاطرة القيادة للأمة كلها، لا يقوم مقامها أي اقليم آخر ، والمسألة هنا ليست مكانة، وإنما مسؤولية، وليست مكاسب وإنما تكاليف وأعباء ، فرضتها الجغرافيا السياسية لمصر، كما فرضها التطور التاريخي للمجتمع المصري في إطار أمته العربية، وليس هذا الدور والمسؤولية وتكاليفها وأعباؤها، تقدمة للغير، وإنما هي بالتحديد دفاع مباشر عن النفس. أي دفاع مباشر عن مصر نفسها، فلا حماية لمصر إلا بقيامها بهذا الدور، مهما عظمت تكاليفه.
ولعل هذه الحقيقة التي مثلها جمال عبد الناصر وتجلياتها على مختلف الصعد هي التي دفعت الدكتور جمال حمدان صاحب “شخصية مصر : دراسة في عبقرية المكان”، لأن يستخلص في دراسته المدققة، أن “الناصرية”، هي الوطنية المصرية الحقيقية، وليس في مقدور مصري أن يكون مصريا حقيقيا إلا أن يكون ناصريا، و القصد هنا أن الوطنية المصرية تتطلب أن يقوم بواجبات المسؤولية والقيادة والاقدام الذي تفرضه عبقرية المكان على مصر، وهي عبقرية تولد خصائص تحمي مصر أولا، وتمكن لها في أمتها، كما تمكن لها في محيطها الاقليمي والقاري.
والتخلي أو التقصير في ذلك يمثل مطعنا في الوطنية المصرية ذاتها.
459 دقيقة واحدة