لا علاقة لعنوان هذا المقال بالمشروع الاستشرافي المعروف “سورية 2025” الذي عكفت على إعداده نخبة من الخبراء السوريين بين عامي 2005 – 2010، وخرجت منه بجملة سيناريوهات، استندت إلى تقديرات ومؤشّرات ديموغرافية، واجتماعية، واقتصادية، وبيئية، وصحية، وتعليمية، وفي مقدمتها سيناريو “البجعة السوداء”، الذي وقعنا فيه بسبب سوء إدارة النظام البائد وسياساته الكارثية. يتمحور هذا المقال حول جملة من التحديات، تجرى في سياقات مختلفة، تواجهها سورية اليوم، ويمكن اختصارها بثلاثة رئيسة هي: أولاً جمع السلاح، حلّ الفصائل، وتوحيد البلاد. ثانياً، تشكيل إطار حكم انتقالي شامل، يقود البلد إلى مرحلة دستورية دائمة، يعيش السوريون في ظلها مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. ثالثاً، رفع العقوبات، وانتزاع اعتراف دولي بالحكم الجديد، باعتباره مدخلاً لتدفق الاستثمارات، وإعادة الإعمار.
بحسب الشواهد التاريخية الخاصة بأكثر الثورات والتحولات الدولية العنيفة يمثل تحدّي بناء المؤسّسات الجديدة، وفي مقدّمها الجيش والأجهزة الأمنية، نزع السلاح وحصره بيد الدولة، والاتفاق على حكومة تشاركية تضم مختلف القوى التي ساهمت في إسقاط النظام القديم، أبرز التحدّيات التي تواجه الدول خلال المراحل الانتقالية، فما إن يسقط النظام القديم حتى تبرُز التباينات بين القوى التي تحالفت لإطاحته، بخصوص رؤيتها للمرحلة الجديدة ومكانها فيها. ففي إيران، مثلاً، ما إن سقط نظام الشاه حتى دبّ الخلاف بين القوى والتيارات المختلفة التي تحالفت، آنياً، ضده بين عامي 1978-1979، لتدخل البلاد على الأثر في حالة من الصراع الدموي العنيف بين شركاء الثورة، انتهى بانتصار الملالي. في أفغانستان أخذ الصراع صفة الحرب الأهلية التي اندلعت ما إن دخلت فصائل المجاهدين الأفغان العاصمة، كابول، عام 1992، وأسقطت نظام الرئيس محمد نجيب. سيناريو شبيه حصل في ليبيا بعد سقوط معمّر القذافي، وأدّى إلى تقسيم فعلي للبلاد مستمر منذ 2014.
لا يعدّ الدخول في سيناريو مشابه أمراً حتمياً في سورية، كما تتوقع أجهزة مخابرات غربية. على العكس، يمكن تماماً تجنّب هذا الاحتمال إذا أحسن السوريون، وفي مقدّمتهم الإدارة الجديدة في دمشق، التعامل مع معطيات المرحلة، خاصة أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية تبدو مواتية للسير بهذا الاتجاه. محليّاً، بعد 14 عاماً من الصراعات التي خاضتها القوى الإقليمية والدولية بدمائهم وعلى أرضهم، ما عادت للسوريين طاقة على استمرار القتال. جلّ ما ينشده عامتهم الآن هو العيش بكرامة وأمان. قد تكون طموحات النخب السورية، الصاعدة خصوصاً، أكبر قليلاً، إذ تنشد نظاماً سياسياً تمثيلياً يكون لها رأي فيه، إلا أنها تدرك في المقابل خطورة المرحلة، وهي ناضجة، ومستعدّة، للتعاون حفاظاً على الإنجاز العظيم للثورة المتمثل بإسقاط نظام الاستبداد، وحماية وحدة البلاد. تبقى مشكلة الفصائل المسلحة التي تحيلنا فوراً إلى الظروف الإقليمية والدولية.
إذا استثنينا إسرائيل وإيران، المتضرّرتين الأساسيتين من التغيير الذي جرى في دمشق، يبرز إجماع إقليمي، ودولي، يمتد من بكين إلى واشنطن مروراً بموسكو وعواصم الغرب الكبرى، والمنطقة العربية، على مساعدة سورية ومنع انزلاقها نحو الفوضى. لقد تعلّم العالم، بالطرق الصعبة، أن سورية ليست دولة هامشية، وأن ما يجري فيها ينعكس بالضرورة عليه. من هنا، لا يبدو أحدٌ، ظاهرياً أقله، راغباً في الدخول مجدّداً في متاهة صراعات قد تسفر عن موجات لجوء جديدة، وعودة تنظيمات إرهابية، من أمثال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو نسخ أسوأ منها. هذا يعني أن قلة قليلة لديها الاستعداد لمد أطراف محلية بالمال والسلاح لاستئناف الصراع. فوق ذلك، تبدو إيران، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، مشغولةً تماماً بنفسها والحفاظ على رأس نظامها، وهذا ينطبق أيضاً على بقية حلفائها في المنطقة. يأتي التحدّي الرئيس من إسرائيل التي تسعى إلى التمدّد داخل سورية، ومحاولة بناء علاقات مع قوى معينة فيها، لكن هذه أيضاً يمكن قطع الطريق عليها.
يلقي هذا الأمر المسؤولية بالكامل على الإدارة الجديدة في دمشق، التي يجب أن تتخلّى عن تردّدها، وتتحرّك سريعاً للاستفادة من التوافق الإقليمي والدولي على مساعدة سورية، عبر الإفصاح عن تصوّرها للمرحلة الانتقالية وبناء الدولة الجديدة. يجب أن يحصل هذا قبل أن يبدأ الإجماع الدولي – الإقليمي بالتفكّك، على الأرجح في مرحلة ما خلال هذا العام. خلاف ذلك، نكون قد أسقطنا النظام، وخسرنا البلد. بعبارة أخرى “نجحت العملية ومات المريض”.
المصدر: العربي الجديد