أي حدود لرفض مصر والأردن خطّة ترامب التهجير الفلسطيني؟

عمر سمير

نقل موقع أكسيوس الإخباري عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قوله إنه تحدّث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن نقل سكان فلسطينيين من غزّة إلى مصر، وذلك بعد يومين من دعوته، في مكالمة هاتفية مع ملك الأردن، عبدالله الثاني، إلى “تطهير” القطاع بترحيل سكّانه إلى مصر والأردن، لتنطلق بعدها مكلمة الأدوار في منع التهجير بين من يرون رفض القاهرة وعمان مبدئياً للتهجير ومن يرون أنهما قد تكونان جزءاً من خطة التهجير تلك، أو قد لا تملكان الوقوف بوجهها، وقد رفض بيان عن الخارجية المصرية وتصريح لوزير الخارجية الأردنية التهجير، وهذا وإن كان جيداً في سياق الوهن العام الذي أصاب النظام الإقليمي العربي، إلا أنه يثير تساؤلات عدة. إذ يفيد بعضهم بأن خطة التهجير قديمة متجدّدة، باعتبار أن فكرة إعادة توطين الفلسطينيين هي الحل لمعضلات إسرائيل الأمنية والقانونية و”الأخلاقية” بوصفها فكرة قديمة للغاية، وتعود إلى تاريخ النكبة المرتبطة بتأسيس الدولة نفسها، أي منذ نحو 77 عاماً، وأنها ارتبطت أيضاً بالرفض العربي لمشروعات التقسيم وحل الدولتين في الفترة المبكّرة من عمر هذا الاحتلال الاستيطاني الإحلالي بطبيعته. وكان هذا حلّاً مطروحاً للتهرّب من حل الدولتين بترحيل مشكلات اللاجئين الفلسطينيين السياسية والأمنية والاقتصادية، بعيداً عن إسرائيل.

ويحاجج بعضهم بأن مصر الرسمية الدبلوماسية والأمنية تدرك الهدف من التهجير الذي يرتبط بتصفية القضية الفلسطينية، ومعها العصف بحل الدولتين، بالإضافة إلى أنها تدرك جيداً خطورة الفكرة على أمن مصر، وما يمكن أن تسبّبه من كارثة. فيما يرى آخرون أن النظام في مصر ليس ضد التهجير من حيث المبدأ، وإنما هو مختلف على المقابل وبعض الترتيبات، فقد تحدّث السيسي، بوضوح، عن مخاوف أمنية وعسكرية وسياسية من التهجير وتبعاته، خلال لقائه في القاهرة بالمستشار الألماني، أولاف شولتز، مطلع الأسبوع الثاني من الحرب، لكنه قدّم طرحاً لا يرفض التهجير مبدأً، بل يرفضه إلى الأراضي المصرية، فتارة يقول إنه يمكنكم تهجيرهم إلى النقب، وفي لقاءات أخرى يقترح أوروبا، في طرح متهافت.

لمن يقولون إن السيسي ضد التهجير قولوا لنا ماذا فعل إذن للوقوف ضد هذا التهجير منذ بداية الحرب سوى التصريحات والدور الوظيفي الذي تدهور كثيراً

كما طرح مصطفي الفقي فكرة أن تستقبل مصر سكان غزّة في كامب أو مدينة بمساحة 14 كم مربع مقابل بعض الدعم المالي، بضعة مليارات، سواء تخفيضات من الديون أو استثمارات جديدة، وظل يروّج فكرته وتلقّفها “إعلام السامسونغ”، وبروزتها صحفٌ عدة، وبدأ النقاش حول الفكرة يُحدِث جدلاً، والحقيقة أن الفكرة ليست من بنات أفكار الفقي بقدر ما هي مطروحة في الصحافة الإسرائيلية والغربية وتلقفتها هذه الأصوات.

لمن يقولون إن السيسي ضد التهجير قولوا لنا ماذا فعل إذن للوقوف ضد هذا التهجير منذ بداية الحرب سوى التصريحات والدور الوظيفي الذي تدهور كثيراً، وتضاءلت قدرته على تسريع وقف الحرب. هل انضمت مصر لدعوى جنوب أفريقيا رسمياً؟ للأسف لا. … هل تقدّمت بشكاوى لمجلس الأمن ضد انتهاكات إسرائيل لاتفاقية السلام واتفاق المعابر 2005 عدة مرات بقتل جنود واختراق المجال الجوي واحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفي)؟ مع الأسف الشديد لا. هل توقفت عن التطبيع الاقتصادي الرسمي؟ مع الأسف الأشد لا، فهناك أكثر من ألف شركة مصرية لا تزال ضمن “الكويز”، بل يحاجج بعضهم بأن مقاطعتها غير منطقية.

قد تكون هناك تحذيرات من بعض القيادات داخل الجيش والخارجية وبعض الأجهزة من خطورة التهجير، من منطلق ألا تتحوّل مصر ساحة تنطلق منها المقاومة ضد دولة الاحتلال، وبالتالي يصعب الحفاظ على اتفاقية السلام، وهي الشيء الوحيد المستقر في هذه المنطقة البائسة، وهذا ما عبّر عنه السيسي نفسه في أكثر من مناسبة تتعلق بالتهجير. والحقيقة أن استقرار معاهدة السلام مرتبط باستقرار النظام، فإذا كان السيسي لم يتخذ موقفاً واضحاً في عهد الرئيس الأميركي السابق، بايدن، فهل نتوقع أن يتخذ مثل هذا الموقف في عهد ترامب الذي يصفه بديكتاتوره المفضل.

كان مفترضاً أن لا تكتفي كل من مصر والأردن بالرفض الخطابي للتهجير، بل أن تعملا بكل السبل على تثبيت الفلسطينيين على أرضهم

وتشير المتابعة الدقيقة لمسار حرب الإبادة على غزّة أن فكرة التهجير كانت هدفاً أساسياً تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، سواء بالحرب عبر تحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للعيش، أو محاولة عكس نتائجها بوسائل أخرى، سواء بحربها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وبعلاقتها بالرئيس الأميركي الجديد الذي لا يقل فاشية عن نتنياهو وسموتريتش وبن غفير في التعامل مع القضية بدعم الاستيطان والتهجير، وهو لا يستسلم بسهولة، ويتفاعل مع الأصوات التي انتقدت فكرة التوطين ومخاطرها بتطميناتٍ من قبيل طرح إعادة توطين الفلسطينيين في عدة محافظات، بدلاً من تركّزهم في سيناء وفكرة المعسكرات الإنتاجية المغلقة، بحيث يذوبون داخل المجتمع المصري، ولا تكون لديهم فرصة للتجمّع الأمني أو السياسي الذي يشكل خطراً على النظام في مصر أو على الكيان.

كان مفترضاً أن لا تكتفي كل من مصر والأردن بالرفض الخطابي للتهجير، بل أن تعملا بكل السبل على تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وقد كانت المنطقة أكثر وعياً بتأكيد فكرة مسؤولية الاحتلال عن أهالي غزّة والضفة الغربية كأراض محتلة وعن فكرة رفض الإدارة المشتركة لبعض المعابر واعتبارها معابر مصرية فلسطينية أو أردنية فلسطينية خالصة، حتى إن احتج حسني مبارك على إدارة حركة حماس قطاع غزّة وشعبها، لكنه كان يتعامل مع الأمر الواقع، وكان هناك استخدام ذكي للأنفاق الحدودية لعدة أغراض، ومنها بالتأكيد فكرة الحفاظ على القطاع منطقة صالحة للعيش فيها، وجزءاً من الدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين، وضامناً للنفوذ المصري. وبالتالي، ما كان مبارك ليسمح أبداً، لا هو ولا أجهزة الدولة المصرية في عهده، بحرب طويلة تؤدّي إلى كل هذا الدمار، فكانت الحروب الخاطفة والوساطة السريعة. وبالطبع، انعكس التدهور الذي أصاب الدولة المصرية على كل جوانب علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية للأسف الشديد. لكن تخوفات الأجهزة السيادية تبقى واضحة وعابرة للأنظمة، ومدركة خطورة فكرة التهجير، وأحياناً تنعكس على خطابات الرئاسة، لكن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية تسمح لأصوات مقرّبة من السلطة بالتجاوب مع الفكرة أو طرح منطقها للنقاش من حين إلى آخر.

على مصر والأردن وأطرهما الرسمية والأمنية إعادة الحسابات، والتعامل مع المسألة التي يطرحها الرئيس ترامب بالجدّية الكافية

يبقى الفعلان الأردني والمصري برمتهما مجرّد رفض خطابي محدود جد، إذا كنا نتحدّث عن مخطط التهجير الذي يحمل تهديدات أمنية وسياسية وجودية للدولتين، والذي يبدو متماسكاً وماضياً في طريقه إلى التنفيذ، ولا تعيقه سوى مشاهد عودة مئات آلاف من جنوب قطاع غزّة إلى شماله، من دون فعل عربي وإقليمي قوي، وحتى بعدما بحثت الدولتان في بداية الحرب عن إطار جماعي، مثل الإطار العربي والإسلامي في قمّة الرياض، كان موقفهما ضمن الأكثر غرابة برفض ما هو أكثر صرامة، من قبيل المطالبة بوقف تصدير النفط والغاز إلى الدول الداعمة لدولة الاحتلال، وطرد سفرائه واستدعاء السفراء وقطع العلاقات بالكامل أو التهديد بذلك. وبعد الحصول على إطار جماعي هشّ لكنه رافض التهجير، ومطالب بإدخال المساعدات بكل الطرق الممكنة، ظلت الدولتان عاجزتيْن عن إدخال المساعدات الكافية لتثبيت الفلسطينيين في الشمال.

على مصر والأردن وأطرهما الرسمية والأمنية إعادة الحسابات، والتعامل مع المسألة التي يطرحها الرئيس ترامب بالجدّية الكافية، وإيجاد بدائل للتعامل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والتمويلية الراهنة التي تحدّ من قدرتهما على الحركة، فنحن أمام رئيس أميركي جديد أقرب إلى تحالف الفاشية العالمية، مثل مشهد تنصيبه احتفالاً بتمركز رأس المال العالمي وصعود الفاشية. يرى هذا التحالف أن الاقتصاد والمال كفيلان بعمل كل شيء وتسوية أعتى القضايا بالشكل الذي يريده هؤلاء الفاشيون، سواء في الشرق الأوسط أو غيره.

المصدر: العربي الجديد

تعليق واحد

  1. نظام السيسي مهلهل إقتصادياً وتنموياً وأمنياً هل سيصمد أمام مطال ترامب بترحيل الفلسطينيين لسيناء؟ ألم يغلق الأنفاق وأغرقها بالمياه وصمت أمام سيطرة الكيان الصهيوني على ممير فيلادافيا، وأما الملك الهاشمي ملك القمار وبياع البندورة هل سيصند أمام مطالب ترامب، للأسف نظامين مهلهلين، حتى الآن مواقف غير جدية من قبلهما للرفض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى