لا ديمقراطية بدون أحزاب وطنية في الدولة السورية الجديدة

محمد علي صايغ

لا تتأسس الدولة الديمقراطية دولة الحريات العامة إلا بوجود الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني .. إن الديمقراطية ليست أيديولوجيا  ، وليست مجرد راية ترفع ، أو مبدأ يتم تداوله هنا وهناك .. إنها نظام حكم يتطلب لتحقيقه ٱليات ومؤسسات .. ومن ضمن الأليات الأساسية وجود أحزب وقوى مدنية مجتمعية تتنافس على برامج سياسية واقتصادية واجتماعية لخدمة مصالح الدولة والشعب ، وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه لمجتمعها .. والأحزاب وهي في المعارضة تضع يدها على مواطن الخطأ والصواب ، وتشير إلى الانحرافات والتجاوز للدستور والقانون .. بدون ذلك فإن الدولة تتحول بالنظام الحاكم إلى دولة دكتاتورية تسد منافذ التغيير والتقدم ، وتعيد إنتاج النظام الدكتاتوري الأحادي أو الفردي .. بدون فتح الأبواب أمام الرأي والرأي الٱخر عبر أحزاب منظمة فإن الدولة تغلق أبوابها ونوافذها على نفسها ، وبدون أحزاب وقوى مدنية مجتمعية لا يمكن الوصول إلى تداول السلطة بشكل هادئ وسلمي ، ولا يمكن الوصول إلى السلم المجتمعي ..

إن من يفكر بوقف أو حظر العمل السياسي الحزبي هو في الحقيقة يدفع إلى منع حرية العمل السياسي مقدمة لمنع الحريات العامة  .. ويدفع إلى صراعات خفية أو علنية تهدد السلم الأهلي ،وتجعل المجتمع في حالة أختناق سيؤدي تضخمه إلى حالات تفجر المجتمع بأشكال مختلفة .. ويقود إلى تدمير بنية الدولة والحكم .. وهذا هو الذي أدى مع تراكمات خنق الحريات العامة إلى انهيار نظام بشار الأسد ، وانهيار مجموعة المصالح المافيوية حوله ..

لا أحد يقول أن النظام الديمقراطي كلي العدالة ، ولا أحد يقول أن الديمقراطية تجعل الدولة مدينة فاضلة .. ولكن الديمقراطية نظام حكم أفضل ما أنتجته البشرية حتى الٱن ، وبفضل هذا النظام تجاوزت النظم المتقدمة الصراعات والحروب داخلها ، واستطاعت أن تنهض بدولها وأن تتقدم ..

الديمقراطية ليست لباسا يصلح لغيرنا ولا يصلح لنا ، إنه نظام حكم أثبت جدارته في كل الدول التي تقدمت وتطورت ، والأحزاب السياسية والقوى السياسية المجتمعية ليست خيارا نقبله أو نرفضه  ، أنه خيار الضرورة ، وخيار لا بد منه لتأسيس الديمقراطية في بلدنا،  وخيار للحرية والتحرر والتعايش بين أبناء الوطن الواحد ، وخيار لا بد منه لتطبيق مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات .. في إطار منافسة سلمية تعتمد صندوق الاقتراع في الاختيار ، وتفضيل برنامج هذا الحزب أو ذاك في تصويت المواطنين  ..

كانت هناك أحزاب وطنية في بلدنا منذ الاستقلال ، وهناك أحزاب وطنية موجودة أيضا في سورية منذ عام ١٩٦٣ وبعضها قبل ذلك .. هذه الأحزاب وجدت ولا زالت موجودة رغم حالات القمع والاعتقال والتصفيات التي تعرضت له زمن حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد .. بقيت موجودة تناضل للخلاص من الاستبداد ووقفت ضده .. وساهمت بتراكم نضالاتها في التأسيس لثورة عام ٢٠١١ ثورة الحرية والكرامة ودفعت مع الشباب السوري أثمان باهظة من أجل الحرية والخلاص من الاستبداد .. وهي اليوم موجودة على الارض  بعد سقوط النظام القمعي ، وستتأسس أحزاب أخرى جديدة أيضاً  ، فالشعب السوري شعب حي ، شعب ولاد لقيادات وكادرات جديدة مناضلة باستمرار .. شعب لا يستكين ، ولا يقبل بعد كل الٱلام والنضالات  والتضحيات بعودة الاستبداد من جديد .. وقدرة هذه الأحزاب على الاستمرار رهن بقدرتها على تمثيل الشعب ، وأن تكون حاضناً حقيقياً لأهدافه ومطالبه .. ووجودها واستمرارها يرتبط بقدرتها على المنافسة السلمية في الوصول إلى الحكم وتلبية متطلبات الشعب واحتياجاته ..

الأحزاب السياسية السورية متجذرة في سوريا تاريخياً وسياسياً ، وتتطلع لدور فاعل ينهض بالبلاد ، ويتجاوز سنوات تصحير الحياة السياسية إلى فضاء رحب يتسع الجميع ، ويكون للجميع دوره وحضوره في بناء الدولة السورية الحديثة من جديد .

تعليق واحد

  1. الدولة الديمقراطية دولة الحريات العامة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أدواتها واهمها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لإن الديمقراطية ليست أيديولوجيا، وليست مجرد راية ترفع ، أو مبدأ يتم تداوله هنا وهناك لذلك إلغاء الأحزاب في سورية هو طريق الأنظمة الشمولية، لأن الأحزاب بسورية متجذرة منذ الإستقلال.

زر الذهاب إلى الأعلى