المقاربة الإسرائيلية للتغيّرات في سورية

رندة حيدر

من يتابع من كثب المواقف الرسمية الإسرائيلية إزاء حكّام سورية الجدد، والتحليلات وتقديرات مراكز الأبحاث الكثيرة للتغييرات في سورية، لا بد أن يلاحظ السرعة التي استبدل فيها الإسرائيليون بالخطر الإيراني الشيعي في سورية على إسرائيل، الخطرَ الإسلامي الجهادي السنّي، وكيف فجأة بدأ الكلام عن المخاوف الإسرائيلية على أمن الأقلّيات وسلامتها في سورية، في ظلّ الحكم الجديد المتماهي مع جماعة الإخوان المسلمين، بينما لم يعبأ الإسرائيليون لحظة، طوال أعوام الحرب الأهلية في سورية، بالمجازر التي كان يرتكبها نظام بشّار الأسد بمساعدة الروس والإيرانيين ضدّ أبناء شعبه، قتلاً وتهجيراً وتدميراً.
الموقف العدائي والمشكّك في النظام الجديد بسورية ظهر منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام بشّار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على أكثر المدن السورية أهميةً، وجرى التعبير عنه فوراً عبر سلسلة خطوات عسكرية مثل عمليات القصف الجوي الإسرائيلي الواسعة النطاق، التي استهدفت قواعدَ عسكريةً للنظام السابق، ومخازن أسلحة استراتيجية، سرعان ما ترافقت هذه الخطوات بتوغّل برّي في هضبة الجولان السورية، وبتمركزٍ لقوات من الجيش الإسرائيلي في منطقة تقدر بـ15 كيلومتراً في داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة يطلق عليها الإسرائيليون اسم “منطقة نفوذ” خاضعة لسيطرة الاستخبارات الإسرائيلية لدرء نشوء أيّ خطر يمكن أن يتربّص بإسرائيل من هناك.

الطابع الإسلاموي الجهادي للنظام في سورية وتماهيه مع الإخوان المسلمين تثيران شكوك الإسرائيليين ومخاوفهم

تبني إسرائيل مقاربتها العدائية إزاء النظام الجديد في سورية على مجموعة من المخاوف والشكوك، تبدأ من شخص القائد الجديد لسورية أحمد الشرع، والهُويَّة الإسلاموية الجهادية للإدارة الجديدة، ووصولاً إلى صعود النفوذ التركي في سورية الجديدة، وتداعيات ذلك على إسرائيل.
فيما خصّ أحمد الشرع، يشكّك أكثر من خبير إسرائيلي في الموضوع السوري في صدقية التحوّلات التي طرأت على شخصيته في ضوء ماضيه في تنظيم القاعدة، ورئاسته جبهة النصرة، ثمّ هيئة تحرير الشام، ونموذج الحكم الذي أقامه في إدلب، وصولاً إلى تولّيه زمام القيادة السياسية للإدارة السورية الجديدة. ويسأل أكثر من إسرائيلي: هل أحمد الشرع “ذئب في ثياب حمل”؟ وبالإضافة إلى التشكيك وعدم الثقة في المواقف المعتدلة الحالية للشرع، يبرز خصوصاً الغضب الإسرائيلي من الوفود الغربية، التي تتوافد على دمشق من أجل الاجتماع به، ويرى الإسرائيليون أن الغرب “أعمى”، ومرّة أخرى وقع في “الفخّ الإسلامي الجهادي”. والنقطة الثانية التي تثير شكوك الإسرائيليين ومخاوفهم هو الطابع الإسلاموي الجهادي الأصولي للنظام الجديد في سورية، وتماهيه مع حركة الإخوان المسلمين، التي تخوض إسرائيل ضدّ أحد أهم أذرعها (حركة حماس) حرباً لا هوادة فيها. وعلى الرغم من تصريح أكثر من مسؤول في الإدارة السورية الجديدة بأنهم لا يريدون حرباً مع إسرائيل، لا تصدّق هذه الأخيرة ذلك، وتعدّ منذ الآن العدّة لمواجهة عسكرية محتملة مع النظام السوري الإسلامي الجديد. وضمن هذا الإطار تعمل إسرائيل في أكثر من خطّ، فهي من جهة تسعى إلى استغلال قلق بعض الأنظمة العربية من صعود الإسلاميين في سورية، وخوفهم من تداعيات ذلك على استقرارهم الداخلي، من أجل الحصول على دعم هذه الدول العربية المعادية لحركة الإخوان المسلمين، وحثّهم على الوقوف ضدّ الحكم الإسلامي الجديد في سورية، ومن جهة ثانية تسعى إلى تأليب دول الغرب والولايات المتحدة من مغبّة مد يد العون إلى النظام الجديد الذي تعتبره “الأخطر في العالم”.

السيناريو الأكثر تطرفاً في المقاربة الإسرائيلية تشجيع تقسيم سورية إلى خمس كانتونات

النقطة الثالثة التي تثير مخاوف إسرائيل صعود النفوذ التركي في سورية، والتضخيمات الإسرائيلية لخطر التمدّد التركي في المنطقة إلى حدّ تصريح مسؤولين إسرائيليين أخيراً لـ”وول ستريت جورنال” أن العناصر الإسلامية السُنّية بقيادة تركيا، التي استولت على مقاليد الحكم في سورية، لا تقلّ خطورة على إسرائيل من المحور الإيراني. والخوف هو من دخول الجيش التركي إلى سورية واحتمال أن يقيّد من حرّية عمل سلاح الجو الإسرائيلي هناك. وتبدو صعود لهجة العداء ضدّ تركيا، ومخاطر تدخلها العسكري في سورية، مبالغاً فيها ومفتعلة ومصطنعة، وتخفي وراءها صراع مصالح اقتصادية بين إسرائيل وتركيا، منها إمكانية أن تتصدّر تركيا مسألة نقل الغاز عبر سورية إلى أوروبا، بالإضافة إلى المصلحة السياسية الإسرائيلية في حثّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدم سحب القوات الأميركية من سورية، الأمر الذي سيؤدّي إلى انهيار الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سورية.
وفي الواقع تتأرجح المقاربة الإسرائيلية للتغيرات في سورية بين أكثر من سيناريو. هناك مثلاً السيناريو الأكثر تطرّفاً الذي يدعو إلى التشجيع على تقسيم سورية إلى خمس كانتونات؛ كانتون كردي وآخر درزي وثالث علوي وكانتونين للسُنّة، وهذا هو رأي عدد من الوزراء الحاليين في الكابينت الإسرائيلي، وحجّتهم أن سورية بعد الحرب الأهلية مقسّمة فعلاً إلى كانتونات. وهناك سيناريو يدعو إلى التمسّك بخطّة دفاعية تقوم على إنشاء مناطق عازلة منزوعة السلاح داخل الأراضي سورية تتولّى إسرائيل مسؤولية السيطرة عليها حتى يجري التوصّل إلى تفاهمات مع الإدارة السورية الجديدة. وهناك سيناريو ثالث (أكثر عقلانية) هو ضرورة التوصّل إلى تفاهم مع تركيا وتوضيح نيّات إسرائيل ومسألة وجودها العسكري في داخل الأراضي السورية، وشروط انسحاب قواتها من هناك مستقبلاً، والتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل التوصّل إلى تفاهمات مع الحكم الجديد في سورية.

 

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى