سورية الجديدة..

د- عبد الناصر سكرية

يبدو من سياق الاحداث المتلاحقة منذ سقوط النظام السابق في سورية ؛ ولما يمضي عليه سوى ثلاثة اسابيع فقط ؛ أن هناك جهات كثيرة بدأت تتحرك بإندفاع واضح بهدف إفشال السلطة السورية الجديدة..حملات إعلامية متنوعة التوجهات والمصادر تثير تحريضا مكثفا عليها لخلق أجواء شعبية نفسية رافضة لها أو دفعها نحو الرفض تمهيدا لإفشالها وربما لإستبدالها بعد إثبات فشلها ..

من هي هذه الجهات وماذا تريد ؟؟

كيف تعمل ؟؟

 ووفق أية توجهات تسير بالإتجاه الذي تريده ؟؟

يبدو انها تعتمد على وسيلتين متكاملتين ..

١ – إثبات عدم قدرتها على النجاح نظرا لخلفيتها العقائدية الدينية..وهذا موقف ” مبدئي ” يرفض السلطة الجديدة مهما فعلت نظرا لإلتزامها الديني أو خلفيتها الإسلامية..

٢ – تفنيد كل خطوة تتخذها السلطة بخلفية النقد السلبي الرافض وغير المستعد للتعاون أو حتى الإنتظار..

الجامع المشترك هو الرفض والتحريض لتكوين راي عام شعبي متذمر غير متعاون ثم منتفض مجددا لإسقاط السلطة وإستبدالها بنظام جديد غير معروفة ملامحه ..وإذا ما تحقق مثل هذا الإحتمال ؛  فإنه  من غير المستبعد أن يضم شخصيات كثيرة من النظام الساقط او حتى إعادة إنتاجه نهجا وتوجهات مع تغيير في الشكل والأشخاص وقليلا من المضمون تبعا لحاجة المؤثرات الفاعلات وتوجهاتها وخططها وما تريد..بمعنى تبعا لما يرتسم في خطط الدول النافذة في القضية ومآلاتها..

ومما لا شك فيه أن في هذا النهج تسرع وتحامل وإستباق لما يمكن ان تصل إليه الأمور في المستقبل القريب أو الأبعد قليلا..

وإذا كان من حق كل السوريين ، بل من واجبهم ، مراقبة وتقييم ثم محاسبة أية مواقف او سلوكيات للسلطة الجديدة ؛ بمجملها أو بمفرد أشخاصها ؛ فإنه من غير الموضوعي إتخاذ موقف المتفرج فقط أو الرافض سلفا أو الناقد بخلفية فئوية غير وطنية..

أما فيما يتعلق بالشامتين بالتغيير الحاصل فهم يراهنون على فشله أو يعملون على إفشاله بالهجوم المسبق عليه ..وهذا يتم من خلال التركيز على إتجاهين :

الأول : تحميل السلطة الجديدة مسؤولية الواقع السوري الراهن بكل ما فيه من تصدع وتشتت وضغوط وسلبيات وتناقضات..

الثاني : بالطلب منها إنجاز كامل مهمات إزالة آثار النظام السابق وبناء الدولة ومؤسساتها بلمح البصر وهي لم تكد ترتاح من عناء السفر بعد..

فمن مطالب لها بمواجهة الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة ..ومن مطالب بتحرير الجزيرة السورية من القواعد العسكرية الامريكية مرورا بتحرير الجولان وإزالة القواعد الروسية وإخراج الأتراك  .. وصولا إلى بناء دولة حديثة تقوم على الديمقراطية ومتحررة من النفوذ او التبعية للخارج  يتساوى فيها الناس دون تمييز او إمتيازات وتؤمن فيها الخدمات الحياتية كاملة غير منقوصة..

ومع ان جميع هذه المطالب محقة وضرورية ولازم لإتمام بناء نظام جديد يستوعب ويحترم حقوق الشعب وتحرير الأرض ؛ إلا أن المشكلة تكمن في أمرين أساسيين :

الاول : الزمن أي الوقت الذي تحتاجه كل هذه المهمات لإتمامها..

الثاني : الإمكانيات المطلوبة لإمتلاك القدرة على تحقيقها..

وهذا كله مرهون بأمرين آخرين :

الاول : مدى قدرة السلطة الجديدة على مواجهة مطالب الضغوط الدولية بما يسمح لها بالتحرير والبناء والتقدم المطلوب..

الثاني : مدى إستعداد السلطة الجديدة للإستعانة بالقوى الشعبية  وتحقيق الإنصهار الوطني المطلوب  واللازم لإتمام جميع تلك المهمات والأهداف – أو حتى بعضها – بنجاح ..

ويندرج في هذا الإطار إستغراب الكثيرين من عدم لجوء السلطة الجديدة حتى الآن ، إلى الإستعانة بآلاف الضباط والعسكريين الذين إنشقوا عن النظام وإلتحقوا بالجيش الحر..علما أن بينهم رتبا عالية وخبرات عسكرية وإستراتيجية فضلا عن تضحياتهم الكبيرة وتحمل معيشة الخيام والنزوح عن البقاء في خدمة النظام..ويرى البعض أن هذه مسألة مفصلية تساعد في إستكشاف توجهات السلطة حيال المستقبل الوطني..

وإستكمالا لهذين الأمرين ، يندرج مدى قدرة القوى الشعبية الوطنية على توحيد صفوفها وقوتها لتحمي عمليات البناء وتدافع عنها في مواجهة تدخلات معادية لها ..وهي تدخلات قائمة وموجودة وفعالة ؛ بصرف النظر عن نوايا وتوجهات السلطة الجديدة..

تتمثل هذه التدخلات المعادية لبناء نظام وطني ديمقراطي يعبر عن الشعب السوري ويحترم تطلعاته فيما يلي :

1 – الضغوط الدولية..جميع الدول المتداخلة في الوضع السوري لا تسهل عملية البناء السليم بل تعرقلها وتخربها وتملك من الجيوش والأجهزة والأموال والإعلام والتابعين المرتهنين ما يكفي ويزيد لتخريب البناء الوطني السليم..

اميركا العدو الصهيوني روسيا إيران وتركيا..وربما بعض الاطراف العربية ..

2 – فلول النظام الساقط..وهي ليست مجرد عائلة أو أشخاص بل قوى متنوعة لها مصالحها المتضررة من التغيير ومن الموضوعية توقع عملها في تخريب مسيرة البناء..

3 – آثار النظام الساقط في البناء النفسي والثقافي والأخلاقي والإجتماعي للشعب السوري..بما تسبب به من :

– إنقسامات وعصبيات طائفية ومذهبية .

– دمار كبير وضحايا بأعداد مرعبة ..

– تهجير طاقات بشرية عظيمة..

– نهب وسلب الإقتصاد الوطني وتركيز الثروة الوطنية بيد أشخاص معدودين..

– تهريب عوائد العمل والإقتصاد المنهوب إلى الخارج وحرمان مؤسسات الدولة منه..

– الفساد المستشري في كل مستويات الإدارة الرسمية وإنعكاساته على البنية الإجتماعية..

– تسلط العقليات الأمنية الإستخباراتية المجرمة الحاقدة على المؤسسات العسكرية والأمنية للدولة المنحلة..

وغير ذلك كثير..إن مجرد إحصاء وتصنيف وسرد الآثار التخريبية للنظام الساقط على المجتمع السوري وبنيته وقيمه ؛ يحتاج إلى مؤسسة وطنية متخصصة ومتفرغة يعمل فيها أخصائيون في علوم النفس والإجتماع والسياسة والتربية والتعليم والإقتصاد..

ومن الموضوعي القول أيضا أن سورية مليئة بالمخبرين والعملاء ليس للنظام الساقط ولكن لأجهزة الدول الأجنبية والخارجية..وقد يكون من بين هؤلاء شخصيات مرموقة وفعاليات متنوعة ونخب ثقافية وإعلامية ، سواء في هياكل النظام السابق أو ف خارجه..وهو أمر لا شك حاصل ويحتاج إلى معالجات خاصة قائمة بذاته..يكفي القول ان النظام الوحشي السابق أباح سورية لكل أنواع التدخلات الخارجية والأجهزة المعادية للوطن والشعب فيما كان همه الوحيد إبقاء تسلطه وإتمام نهبه وسلطانه ولو على خراب سورية دولة ومجتمعا وقيما..وهذا ما حصل..

خلاصة القول:

##  إن قوى مناهضة التغيير الجاد والبناء السليم قوية وفعالة إلى الآن وتملك من إمكانيات التخريب الكثير بما يفوق قوة البناء أو الرغبة الوطنية في البناء والتقدم..

## إن زخم العمل الوطني السليم لا يملك حاليا إلا النوايا الحسنة ( عند الكثيرين ) في السلطة وخارجها..ومن ثم قوة العمل الشعبي والإرادة الشعبية..وقليلا من المساندة العربية المادية والعينية ..

إن حساب ميزان القوى بين المطالبين بالبناء السليم للدولة وبين المعادين المخربين ؛ يميل لصالح المخربين بلا شك..والرهان على قدرة القوى الشعبية جميعا على التماسك والإنتظام في مؤسسات يشارك فيها كل السوريين الأحرار بخلاصة حوار وطني معمق يبلور برنامجا وطنيا للتغيير والبناء وفق أولويات ما تسمح به الإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة..

بقي أن نشير إلى أؤلئك المنافقين ( سوريين ولبنانيين ومصريين وعربا…) ممن يطالبون السلطة الجديدة ، بمنطق المزايدات ، بتحقيق كل اهداف التحرير والبناء دفعة واحدة ويشككون بها ويهاجمونها ويتهمونها بالخيانة والتبعية والإرتهان للخارج ؛ في حين لم نسمع لهم صوتا واحدا ولو مرة واحدة في إدانة إجرام النظام السابق بحق شعبه وتخاذله حيال إعتداءات العدو الصهيوني المتلاحقة على سورية تحت سلطته..لا بل أن كثيرين منهم كانوا يبررون ويدافعون ويختلقون المبررات الواهية دفاعا عن الرئيس الفار كالفأر والهارب إلى الحماية الدولية..

ليس في كل ما قلناه دفاع عن السلطة الجديدة أو هجوم عليها..بل ما نراه بموضوعية من وقائع الأمور التي ليست كلها مطمئنة بفعل عوامل كثيرة وعلى رأسها التدخلات الدولية وقدرتها على تخريب البناء السليم والتقدم الإيجابي..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة موضوعية لسورية بعد التحرير، وما خلفته مرحلة نظام طاغية الشام البائد، وما يترتب على الحكومة الجديدية وماهو مطلوب، وتقييم المكوعين والمنافقين من العرب والسوريين الذين يطالبون السلطة الجديدة بتحقيق كل اهداف التحرير والبناء دفعة واحدة، للتشكيك بقدراتها وإمكانياتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى