ماذا بعد سقوط الطاغية؟ ومن أين نبدأ وكيف وبمن؟…أسئلة كثيرة لكن بكل تأكيد الإجابات أكثر بكثير , بل أكاد أجزم أن كل مواطن أيّاً كان موقفه وموقعه قبل سقوط الطاغية يملك الإجابات، بل يقسم إن إجاباته فيها أفضل الحلول وأنجع الوسائل، وأسلم الطرق.
لكن لنبتعد قليلاً عن الإجابات المتزاحمة، ولنسأل سؤالاً عاماً: هل نصلح المجتمع أولاً أم نصلح السياسة؟ ربما يحتاج إصلاح المجتمع لفترات طويلة جداً بعد أن نضمن بيئة صالحة خالية من الجرائم بأنواعها.
في المجتمعات المحكومة بالطغاة تكثر الجراثم بأنواعها المختلفة (جرائم سياسية”مثل: دستور 1970، الحزب القائد والجبهة الوطنية، إرهاب الدولة”، جرائم اقتصادية “مثل: اقتصاد محمد مخلوف ورامي من بعده، شبكة أسماء، إقطاعات علي زيود وشراكات هدايا وحمشو”، جرائم اجتماعية”مثل سرقة هوية المجتمع، تهجير سكانه، تغيير التركيبة السكانية”، جرائم أخلاقية “مثل: بيع الشرف والكرامة مقابل الرغيف”…) ولكن لنحلل قليلاً مصادر هذه الجرائم. في المرتبة الأولى يأتي مشرع الجريمة وهو الطاغية وهامان، وهما يستمدان قوتهما من المنظومات الخارجية التي أوكلت لهما هذا الإقطاع من ملكها. في الدرجة الثانية يأتي المنفذون وهم من ارتضوا أن يكونوا أدوات تنفيذ لدى المشرع للجريمة مقابل منافع شخصية. في الدرجة الثالثة يأتي المسوق للمنظومة الذي قبل بجوائز ترضية مقابل تصفيقه وتسويقه للمنظومة تحت دوافع كثيرة؛ أقلها الخوف وكم كان يتمنى أن يرتقي في سلم الجريمة ليصبح أداة تنفيذ حتى تكبر جائزته. الدرجة الرابعة الأغلبية الصامته التي ارتأت أن التغيير يحتاج لمعجزة والمعجزات لا يصنعها البشر.
السؤال: إذا سقط مشرع الجريمة، ونشرنا الحرية، وأردنا للدرجات الأخرى أن تصلح أحوالها وتخطط لنفسها مسارات حياة خارج دوائر الجريمة سابقة الذكر، فهل يمكن أن نصل إلى دولة القانون والعدالة والحرية؟ للإجابة لا بد من معرفة الفترة الزمنية لإنضاج هذه الشبكة الواسعة للجريمة، والتي تشكل الأغلبية في المجتمع الذي حكمه طاغية؟ هل الأمر يحتاج أياماً، أسابيع أم شهوراً أو سنوات بل حتى عقود؟ غالبية الأراء تقول: إنها تحتاج على الأقل عقدين أو ثلاثة! إذن هل نطلب من المجرم أن يصلح ذاته فقط، إذا ضمنا له حرية الاختيار لعدة أشهر ؟ وهل يملك المجرم الذي عاش في حضن الجريمة لعقدين على الأقل الإمكانية للتفكير بحلول خارج التي ألفها وارتضاها أسلوب عيش لسنوات؟ والسؤال الأخر هل صاحب الإقطاع (أو من يظن أنه كذلك وقد كان لعقود!) يعطي لعبيده الفرصة للتصرف كي يدمروا ما بناه لسنوات، أم يريد أن يعود من الشباك
بعد أن أخرجه الثائرون من الباب ؟
إذن كيف يتم إصلاح الحياة السياسية لخلق بيئة العدالة النسبية؟ حتى نصل إلى رفع الظلم وحياة الجريمة التي عشناها لسنوات؟ قد يبدو السؤال منطقياً؛ لأن شبكة الجريمة المنظمة أو بعبارة اخرى المجتمع الذي عاش في ظل طاغية لا يملك أدوات صناعة العدالة؛ لأنه لم يعتدها من قبل. بل يجب أن تصنع له هذه الهياكل، وتوجد قوة تدفعه للالتزام بها، والصعوبة هنا أن تكون هذه القوة ليست الخوف والإرهاب وسجون صيدنايا ومجازر حماة وحفرة التضامن والمقابر الجماعية التي سنستغرق أشهر لاكتشافها. ولزيادة الصعوبة صاحب الإقطاع منظم وله مدخل على الثائرين الذين قذفوا بالطاغية خارج مملكة جريمته، وعنده صكوك ملكية مزيفة ومحاكم تخضع لجبروته! وقد تأخذ بصكوكه المزيفة!
بعد هذه المعضلة الفكرية، علينا أن نلغي بعضاً مما في القائمة حتى نخفف العبء على أدمغتنا المُثقلة: إذن لنشطب فكرة أن المجتمع يصلح نفسه بنفسه دون إطار ضابط عادل يوقع على الاعتراف به والعمل ضمن قواعده حتى لو أعطينا افتراضاً الحرية في كل خياراته لسنوات وليس لأشهر، و لنشطب فكرة أن صاحب الإقطاع القوي الذي دفعته الظروف للقبول بطرد الناطور الذي عينه تحت ضغوط حماقة الناطور المفرطة وبأس الثائرين التي لم تلن يوماً، سيسلم بسهولة ولن يستخدم أفراداً من باقي الدرجات لإعادة منظومة الجريمة لكن بأشكال تجميلية أخرى، ولنشطب أن الدرجة الثانية والثالثة للجريمة يمكن ضبطها وكف شرورها دون عدالة انتقالية مؤطرة بشكل واضح ضمن معايير اللعبة الدولية، ولنشطب أننا إذا امتلكنا مؤسسات الدولة سنملك العصا السحرية للتغيير ببناء الخدمات وتوفير الرخاء وحل المشكلات التي ما هي إلا ألغام مخطط لها لتُفجَر الثائر قبل المجرم، ولنتفق أن الأمر يتجاوز شجاعة المقاتلين في المعركة، وأحلام الثائرين بدولة العدالة فلا تبنى الدول فقط بالقوة والحلم دون العقل والحكمة، وكلهم يجب أن يغلفوا بالإخلاص لله وليس لحظوظ النفس والمكاسب الزائلة. إذن كما قال الأولون “درهم مال يحتاج إلى قنطار عقل” فأنا أقول: بلد بحجم سوريا يحتاج إلى عقول حكيمة مخلصة وبندقية تحميها حتى تُخرج الإطار السياسي الذي بكل تأكيد سيكون أول خطوة في الطريق لبناء الدولة التي يحلم بها الثائرون.
رؤية وتحليل لما بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية المستبدة وما يجب أن يتم بعد سقوط نظام طاغية الشام، إن الغاء القوانين والدساتير والمواثيق التي حكم بها الطاغية وإعتماد دستور وطني ينظمه لجنة تأسيسة اولاً وفتح باب حرية الرأي والتعبير و…. هل يمكننا أن نصل لدولة المواطنة الدولة الديمقراطية؟.