يتذرع النظام السوري بتفشي فيروس كورونا في المناطق التي يُسيطر عليها، من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وكسر الحصار المفروض عليه من المجتمع الدولي. وفي إعلان غير مباشر عن خروج هذا الوباء عن السيطرة في مناطقه، لا سيما في العاصمة دمشق وريفها، أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام، يوم الخميس الماضي، عدم امتلاكها الإمكانات اللازمة لإجراء فحوص عامة في المحافظات العشر التي انتشر فيها الفيروس، مشيرة إلى أن الإصابات المسجلة في سورية هي للحالات التي أُثبتت نتيجتها بالفحص المخبري (بي سي آر) فقط. وأكدت الوزارة، في بيان، عدم امتلاكها تلك الإمكانات، في ظل “الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد، الذي طاول القطاع الصحي بكل مكوناته، لإجراء مسحات عامة في المحافظات، ما يبرز ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية الفردية لضبط الانتشار وحماية الجميع”. وأشارت إلى أن “خطر جائحة كورونا في سورية يتزايد، مع تسجيل 717 إصابة في 10 محافظات”.
ويُنظر إلى هذا البيان كمحاولةٍ جديدة من النظام من أجل استجرار مساعدات من منظمات دولية متخصصة، في تجاوز للعقوبات الدولية والغربية المفروضة عليه بسبب رفضه الانصياع لقرارات أممية من أجل إيجاد حلّ سياسي للقضية السورية. ويحاول النظام تسييس انتشار الفيروس، من أجل الحصول على الأموال التي من المرجّح أنه لن يضعها في ميزانية وزارة الصحة لمواجهة الوباء، بل من أجل تمويل حربه المستمرة ضد السوريين. كذلك لم تنقطع محاولات النظام، والتي تبدو يائسة حتى اللحظة، لتحميل المجتمع الدولي مسؤولية تدهور النظام الطبي في المناطق التي تقع تحت سيطرته، على الرغم من قتله وتشريده ملايين السوريين، وتدميره مدناً بأكملها، “ولم يعد أحد يصدق أنه يمكن أن يهتم بصحة السوريين الخاضعين له بالقوة في مناطق سيطرته”، وفق مصادر محلية في ريف دمشق.
وأشارت هذه المصادر في اتصال مع “العربي الجديد” إلى أن هناك انتشاراً كبيراً للوباء في أحياء عدة داخل العاصمة دمشق، في ظلّ تراخٍ وعدم اكتراث من النظام الذي يتذرع بالحصار لتبرير عدم اهتمامه بالمرضى. كما لفتت المصادر إلى أن غوطة دمشق الشرقية، لا سيما مدينة دوما، باتت بؤرة كبيرة للفيروس. ولفتت إلى “وجود عدد من المصابين توفوا بسبب عدم وجود أجهزة تنفس اصطناعية للحالات المتطورة”. وأكدت المصادر أن عدد المصابين والمتوفين هو أضعاف ما يعلنه النظام السوري في وسائل إعلامه، مشيرة إلى أن عدداً من المصابين قضوا في منازلهم “بصمت”، بسبب عدم توفر الرعاية الصحية.
في موازاة ذلك، وفي المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري، والتي ظلت خالية من الفيروس حتى وقت قريب، لا يبدو أن هناك كثير اهتمام لمواجهة كورونا من حكومتي “الإنقاذ” التابعة لـ”تحرير الشام”، و”المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني السوري، والمسؤولة بشكل مباشر عن منطقة عفرين وريفها شمال غربي حلب، ومنطقة واسعة من ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والمعروفة بـ”درع الفرات”. وفي هذا الصدد، طالب شمسي سركيس، وهو باحث سوري سابق في علوم الفيروسات والجينات، ومؤسس وكالة “سمارت” للأنباء، “الائتلاف” ورئاسة الحكومة المؤقتة، بـ”التحقيق في تصرفات وزير الصحة الحالي مرام الشيخ وعزله من منصبه، بعدما تبين من خلال التواصل معه لمدة 4 شهور لوضع خطة لمواجهة كوفيد – 19، أنه غير مستعد لتحمل أي مسؤولية، وغير جاهز لاتخاذ أي خطوة منطقية وجدية لحماية المدنيين في شمال غرب سورية”، وفق بيان صدر عن سركيس. وسُجلت في الشمال السوري حتى يوم الجمعة (أول من أمس) 31 إصابة بكورونا، من دون تسجيل أي حالة وفاة بسبب الفيروس. وفي حديث مع “العربي الجديد”، أوضح سركيس وجود اختلاف بالإمكانات بين محافظة إدلب وريف حلب الشمالي، مشيراً إلى هذا الريف عملياً هو تحت السيطرة التركية، ما يعني أن حاله أفضل بسبب قدرة الحكومة التركية على تزويد المستشفيات هناك بالإمكانات الطبية المخصصة للفيروس، لا سيما أجهزة الكشف. كذلك أوضح أن عدد النازحين في المخيمات هو أقل في ريف حلب الشمالي منه في محافظة إدلب التي يخضع القسم الأكبر منها لسلطة “تحرير الشام”، مبيّناً أن عدد النازحين في المخيمات في إدلب نحو 950 ألف نازح، بينما هناك 250 ألف نازح في ريف حلب الشمالي، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة.
ولفت سركيس إلى أن الجهاز الطبي في محافظة إدلب “ضعيف نتيجة القصف من قبل الروس والنظام السوري، فضلاً عن وجود عدد كبير من النازحين من مختلف المناطق السورية في بقعة جغرافية ضيقة جداً”. وحذّر الباحث السوري من تفشي الفيروس في محافظة إدلب، نتيجة الازدحام السكاني داخل المدن والبلدات وفي المخيمات، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة وضعت خطة وقائية لمواجهة الفيروس “لم تضع في سلّم اهتماماتها الوضع في مخيمات النزوح في شمال سورية، في ظلّ غياب كل إجراءات الحماية الفردية والجماعية”. ودعا في هذا الإطار إلى “وجوب تخصيص خيم من أجل عزل المصابين بالفيروس، مستغرباً في الوقت ذاته رفض وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة “لعب دور قيادي لتنفيذ خطة الاستجابة المقررة من الأمم المتحدة”، مكرراً المطالبة بإجراء تحقيق من قبل “الائتلاف الوطني السوري” حيال ذلك.
المصدر: العربي الجديد