لم يكن الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يتحسّس لأية قضية وطنية، قدر اهتمامه بجمع المال، وقد انتقل، في السنوات القليلة الماضية، من توكيل الآخرين بجمع المال وتشغيله لحسابه، مثل اعتماد ابن خاله رامي مخلوف أو اعتماد رجل الأعمال السوري المقرّب منه، محمد حمشو، أو لاحقاً زوجته أسماء الأسد ومكتبها الاقتصادي، إلى حصر الأمر بشخصه. فقد عمد إلى سحب كل الصلاحيات المالية من الجميع، لا سيما من الجيش، فتذهب معظم موارد سورية إلى مكتبه الخاص لإدارتها وتوزيعها ونهب كثير منها. ومن هنا، كان شعور العسكريين الذين قاتلوا معه، وكذلك حاضنته الشعبية، أنه وزوجته وقائد الفرقة الرابعة شقيقه ماهر، يستأثرون بالمال والموارد، بينما هم في فقر وحال مؤسف. وعلمت “العربي الجديد” أن بشار الأسد واصل في موسكو، التي هرب إليها، ابتزازه أصحاب أملاك كان قد صادرها نظامه منهم.
بشار الأسد وقوة المال
كان القسم الأكبر من مال الدولة السورية ومواردها يذهب إلى أسرة الأسد وحاشيتها المباشرة، ويوزّع الباقي على أدوات النظام في الجيش والأمن والإعلام والفن والثقافة وغيرها. ومع شعور بشار الأسد بالانتصار عام 2018، صار همّه الأكبر حصر القوة الاقتصادية بشخصه، لأنه أدرك، كما قال أحد مستشاريه السابقين لـ”العربي الجديد”، فضّل عدم ذكر اسمه، أن قوة المال بجمع الأتباع، وأراد حصر توزيع أي امتيازات به. ومن هنا كان الفراق بينه وبين رامي مخلوف الذي كان يرى نفسه شريكاً، بينما نظر إليه الأسد عاملاً عنده لا أكثر. إلى ذلك، عمل الأسد، في السنوات الست الماضية، على “تشليح” رجال الأعمال السوريين في البلاد جزءاً من أموالهم، بالتوازي مع البحث عن موارد جديدة. وهنا اكتشف تجارة مخدّر الكبتاغون، والتي أفاد المستشار السابق بأن بشار الأسد وشقيقه ماهر كانا يشرفان عليها شخصياً.
ومع تمادي الأسد في هذا كله، بدا أنه يلتهم نظامه، حتى جاع الكل، بمن فيهم ضباط جيشه الذين كانوا معه سابقاً وشعروا بأنه تخلى عنهم، الأمر الذي يفسر عدم مواجهة هذا الجيش المعارضة السورية المسلحة التي شنّت، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عملية ردع العدوان. والتي أفيد بأن الأسد كان، عشية معركة حلب ضمن هذه العملية، يستعد للسفر على متن طائرة حربية روسية من مطار حميميم في اللاذقية إلى موسكو لحضور حفل حصول ابنه حافظ على الدكتوراه، وتلقى اتصالاتٍ من المسؤولين العسكريين يخبرونه بالهجوم، لكنه لم يلغ سفره، ووصل إلى موسكو في اليوم التالي لبدء العملية.
ومع نجاحات المعارضة في ريف حلب وإدلب واتجاهها إلى مدينة حلب، طلب الأسد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يحضر الاجتماع العشرين لرؤساء الأجهزة الأمنية في دول رابطة الدول المستقلة في باكو، وفضّل الأسد الانتظار للقاء بوتين. وفي الأثناء، دخلت المعارضة حلب، وكان اجتماع الأسد وبوتين مختصراً جداً، إذ أبلغه بوتين بأنه لا يستطيع مساعدته إذا كان جيشه لا يريد القتال. كما أنه ليس في وضع يسمح له بتدخّل قوي، لا سيما أن الأسد لم ينخرط في عملية سياسية، ولم يستجب لطلب موسكو منه المصالحة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأصرّ على القتال.
ومن موسكو، أصدر الأسد بالهاتف قرار إسناد قيادة المعركة في حماة لقائد قوات النمر سابقاً، اللواء سهيل الحسن، الذي كان الأسد نفسه قد أبعده عن المشهد العسكري بعض الوقت، خشية من تأثيره، وقد أثنى عليه رامي مخلوف في الفيديو الذي نشره في 6 ديسمبر/كانون الأول الحالي، والاثنان على صلة خاصة، ما عزّز اشتباه بشار الأسد برغبة الحسن ومخلوف بمنافسته داخل أوساط الطائفة. عاد الأسد من موسكو إلى دمشق، ثم طار إلى الإمارات، كما أفاد مستشاره السابق، وعرض على أبوظبي قيادة تشكيل غرفة تحالف عربي ضد الإرهاب، لم يلقَ القبول، فعاد إلى دمشق، وانقطع عن التواصل مع معاونيه الذين عاد إلى التواصل مع بعضهم ومقرّبين منه، بعضهم خارج سورية، عبر تطبيق تليغرام، ليخبرهم أنه صامد، وأن دمشق تستطيع الصمود عشر سنوات. وطلب من الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، النجدة فأرسل الأخير إلى سورية عناصر من “قوة الرضوان” (نخبة حزب الله)، تعرّضوا للخيانة، على حد تعبيرهم، من قوات الأسد، بحسب رسائل لهم في وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الأثناء، كان الأسد يعد للهرب، من دون أن يخبر بخطته أحداً، حتى شقيقه ماهر، وكان يجمع أمواله وذهبه والذي قدّره المستشار بمليارات الدولارات، إذ هرّبت هذا كلّه طائرة نقل على عدة رحلات إلى خارج سورية.
غموض سبب إصابة ماهر الأسد
ورجحت المصادر إصابة ماهر بطلق ناري في ساعده لا تُعرف تفاصيله، ولكنه هرب إلى العراق برفقة صديقه رجل الأعمال رئيف القوتلي. ونجحت مستشارة الأسد السياسية، بثينة شعبان، بالسفر إلى الإمارات، فيما هرب مسؤولون آخرون إلى لبنان، ولجأ بعضهم (مدير المخابرات العسكرية كمال حسن، والمستشار الأمني علي مملوك) إلى قنصليات وسفارات في دمشق. وتروي المصادر أن الأسد خرج من قصر الشعب يوم 6 ديسمبر الحالي، برفقة موكبه الرئاسي، وبحراسة 200 عنصر مرافقة، إلى مطار حميميم بجانب بلدته القرداحة، وأمضى يوماً وبضع ساعات هناك، ورد على اتصال رئيس وزرائه محمد الجلالي، وكذلك بعض معاونيه الأمنيين، وقال لهم إنه سيعقد اجتماعاً معهم غداً. ثم ركب الأسد الطائرة، وقال لمرافقيه إنهم أحرار في ما يريدون فعله، متوجّهاً إلى موسكو التي طلب فيها من اثنين من محاميه (أ. ق، ر. ق)، وهما سوريان يحملان جوازي سفر صربيين، المغادرة إلى بيروت، لإعادة بعض أملاك في سورية وخارجها إلى أصحابها ممن ابتزّهم النظام السوري، وأجبرهم على تسجيل هذه الأملاك بأسماء مقرّبين له ولزوجته، لإعادتها لهم مقابل تحويل مبالغ نقدية لحسابات الأسد.
المصدر: العربي الجديد