الشعب السوري ينتصر الثورة السورية مستمرة

أحمد العربي

 

لقد قامت قوات الثورة السورية ممثلة ب “إدارة العمليات العسكرية” و “الجيش الوطني السوري” منذ أيام في ٢٧ تشرين ثاني عام ٢٠٢٤م. تحت مسمى “ردع العدوان” و “فجر الحرية” في هجومها المباغت على ريف ادلب وريف حلب مطاردة النظام ومحررة للبلدات والقرى وصولا الى حلب التي توجت بالتحرير.

ومازالت المعركة مستمرة…

انتظرنا ثلاث عشر سنة حتى تجرأنا على القول ان الشعب السوري ينتصر في ثورته التي قام بها ضد النظام الاستبدادي الدموي الظالم وبعد أن قدّم اكثر مليون شهيد ومثلهم مصابين ومعاقين ومعتقلين ومغيبين. إضافة لتشرد نصف الشعب السوري ١٣ عشر مليون داخل سورية وخارجها. سورية التي هدمها النظام ودمّر بنيتها التحتية وجعل الماء والكهرباء والخدمات من أحلام المتبقين في سورية أو واقع كوابيسهم.

سورية التي جعلها النظام بلدا محتلا من حلفائه روسيا وإيران والمرتزقة الميليشيات الطائفية حزب الله وغيره. إضافة للتواجد الأمريكي في شرق الفرات وشمال شرق سورية في مناطق تواجد ال ب ي د التابعين لحزب العمال الكردستاني ب ك ك . ممثلين بقوات سورية الديمقراطية التي تشكل كيان روجآفا الانفصالي الكردي. هذا غير المناطق المحررة شمال غرب سورية…

اولا: حدث تغييرات استراتيجية في اقليمنا أدت لهذه التحولات . فقد قامت حماس في غزة بعملياتها العسكرية ضد الصهاينة ادى لسقوط صهاينة بين قتيل وجريح ومأسور ودوام استمرار المعارك ضد أهلنا في غزة منذ سنة وأشهر. ثم انتقال الصراع الى الجبهة اللبنانية حيث خاض حزب الله معركة ضد الصهاينة بدعوى مؤازرة لحماس في غزة، كما قال حزب الله. والحقيقة كان عملا يخدم الاجندة الايرانية وأنها ضد الصهاينة.

ثم حصلت تداعيات لذلك بحرب فتحها الصهاينة ضد حزب الله بقواه العسكرية وامتداده الميداني وتواجده في لبنان وسورية كما استهدف امداده من إيران وكذلك المستشارين العسكريين الإيرانيين في عملية استئصال طويلة وممتدة وصلت الى اغتيال حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين ، واستمر ضرب حزب الله حتى تم القضاء على أغلب بنيته العسكرية وقدراته. ولم يتوقف الصهاينة حتى حصلوا على ضمانات بأبعاد حزب الله عن جنوب لبنان حتى نهر الليطاني. وان ينتهي كقوة عسكرية في لبنان وان يتحول إلى قوة سياسية مدنية في لبنان.

ثانيا: كان للحرب بين الصهاينة وحزب الله انعكاسات استراتيجية في منطقتنا العربية. حيث كان الامريكان قد أطلقوا يد الإيرانيين وأدواتهم في البلاد العربية حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق منذ عام ٢٠١٥ زمن الرئيس الأمريكي أوباما الذي ركز على الملف النووي مع إيران. ضمن توافق ضمني بضبط البلاد العربية للقضاء على الربيع العربي الذي حصل عام ٢٠١١م. أو ما تبقى منه. ولذلك أعطت أمريكا الضوء الاخضر لروسيا وإيران وحزب الله اللبناني ربيب ايران لدعم النظام السوري الذي كان قاب قوسين من السقوط . وتم انخراط الطيران الروسي وميليشيا حزب الله بدعم وامداد ايراني للدخول الى سورية ودعم النظام السوري في حربه على الشعب السوري حيث تمددت قوات حزب الله ومعها الميليشيات الطائفية العراقية والافغانية وغيرهم في كل الجغرافيا السورية. وعادت سورية بعد معارك شارك بها التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد داعش التي تولدت بفعل النظام وتمددت وقدمت المبرر لغض نظر أمريكا عن النظام وتركت سورية للنظام وحلفائه روسيا وإيران . ولكن أمريكا وضعت يدها على شرق الفرات حيث البترول والغاز داعمة ميليشيا ب ي د وال ب ك ك. واستمر الحال سنوات. إلى أن حصل التغير في الموقف الاستراتيجي الأمريكي من إيران وأدواتها بعد المعارك بين الصهاينة وأدوات ايران حزب الله والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي العراقي والنظام السوري ضمنا. وقررت امريكا ان تقطع امتداد إيران في محيطها الإقليمي وتعيدها الى داخل ايران. وقد تعمل على إسقاط النظام الإيراني على المدى البعيد.

ثالثا: كان من أهم النتائج في هذا التحول الاستراتيجي الأمريكي والذي ساهم الصهاينة في صياغته. ان تم سحب أغلب قوات حزب الله والميليشيات الطائفية الداعمة له من سورية للصراع مع الصهاينة في لبنان. وكذلك حاول المحور العربي أن يدفع النظام السوري أن يبتعد عن إيران وأدواتها الذين أصبحوا ضحايا هزيمة في حروبهم. لكن النظام لم يكن قادرا على أن يخرج من محور إيران. لانه مدين لهم بدعم نظامه وامداده بالمال والسلاح بمليارات الدولارات في السنوات السابقة. ولان ايران متغلغلة في مفاصل الدولة السورية وتستطيع الاطاحة بالنظام ورأسه إن أرادت.

 لقد فكر النظام بغباء سياسي أن يستمر باستثمار علاقته مع ايران ومع المحور العربي في معادلة مستحيلة. وبقي الروس ينظرون لواقع النظام المتهالك وهم مشغولون عمليا في حربهم التي أنهكتهم في أوكرانيا. والأهم بالنسبة لروسيا أن يبقى النظام وتستمر مصالحهم في سورية واسترداد ديونهم المليارية المتراكمة على النظام السوري.

رابعا: لم تكن قوى الثورة السورية على اختلاف مسمياتها ساكنة ومستسلمة تنتظر قبول الهزيمة وسقوط حلمها بتحرير سورية من النظام وحلفائه واستعادتها وعودة الشعب السوري المهجر الى بلاده معززا مكرما وبناء دولة وطنية ديمقراطية عادلة.

لذلك كانوا يعملون بكل دأب على بناء قوتهم العسكرية مؤطرين أبنائنا جيل الثورة والجيل الذي يليه. وجعلهم مهيئين لمعارك تحرير بلداتهم وقراهم ومدنهم في كل سورية. هؤلاء الشباب الذين رحلوا مع اهاليهم بالباصات الخضر المشؤومة. وانتظروا اللحظة الاستراتيجية المطلوبة.

كل ذلك حصل بدعم ضمني من الدولة التركية التي ابقت خطوطها مفتوحة باتجاه النظام السوري تطالبه بأن يتجاوب مع مطالب السوريين وأن ينخرط في حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤. وأن يتجاوب مع مطلب تركيا في محاربة ال ب ك ك الارهابية  وقوات سورية الديمقراطية التي اعتبرت مهددة للأمن القومي التركي. لكن النظام السوري بقي متعنتا و رافضا لاي حوار جدي ومجدي مع الدولة التركية. ووضعت القضية السورية في ثلاجة انعدام الأفق وانعدام أي حل سوى جلسات أستانا الخلبية.

خامسا: جاءت اللحظة الاستراتيجية المطلوبة لقوى الثورة السورية وداعمها تركيا. عندما حُجمت ايران واعيدت الى الانكفاء داخل إيران وتم العمل لاستئصال الميليشيات التابعة لها وخاصة حزب الله الذي انسحب أغلبه من سورية أيام الصراع بين الصهاينة وحزب الله في لبنان. ولان النظام السوري لم يكن لديه عمليا جيش حيث انشق أغلب جنوده وضباطه منذ سنوات الثورة الأولى ولم يبقى لديه سوى قوات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد  بلونها الطائفي العلوي وهي متواجدة في دمشق وجوارها ومهمتها حماية النظام الذي يهمين طائفيا فيما تبقى من جيش وامن على الحكم في دمشق.

لذلك لم يبقى في أغلب سورية سوى حضور رمزي للجيش السوري، مفارز قليلة وضعيفة.

لقد استغلت قوات الثورة السورية هذه الحالة وبدأت معركتها الخاطفة من مواقعها تحت مسمى رد العدوان وفجر الحرية. وبدأت من ريف ادلب وريف حلب وتوسعت حتى وصلت بأيام إلى حلب وحررتها وتوسعت بعد حلب، وأثناء كتابة النص تحاصر قوات الثورة السورية مدينة حماة وتتهيأ لتحريرها…

لا قوات داعمة للنظام من إيران والميليشيات الرديفة الطائفية. وروسيا منخرطة في معاركها في أوكرانيا. وتكتفي ببعض عمليات القصف بطيرانها في إدلب على المدنيين مستهدفة المدنيين المستشفيات والجامعة في حلب على عادتها بالانتقام من الشعب السوري.

سادسا: تحررت حلب المدينة السورية الاكبر. كان التحرير مفخرة للثوار السوريين، حيث لا تعدي على الحرمات واحتضان لكل المكونات السورية و رسائل تطمين من المسؤولين العسكريين والمدنيين للثوار لهذه المكونات بالاسم للمسيحيين والاكراد والارمن وغيرهم. اضافة للحضور المدني المترافق لقوى الثورة العسكرية. وتم تقديم الاحتياجات الأساسية لأهل حلب مع استعادة الكهرباء والماء المنقطعة منذ زمن طويل. وإعادة تجهيز البنية المدنية على كل المستويات وضمان حياة حوالي مليونين ونصف من أهلنا السوريين فيها…

لقد أثبتت قوى الثورة السورية العسكرية والمدنية والخدماتية أنهم أقدر على تحمل المسؤولية وممارسة دورهم على الأرض في المناطق المحررة.

سابعا: ما حدود الحراك العسكري لقوى الثورة السورية هل تكتفي بحلب أم تستمر الى حماه وما بعد حماه. وهل قادر النظام ومن تبقى من قواه لمواجهة الثوار. وقد تستمر قوى الثوار في التقدم الى حمص ومن ثم تدق أبواب دمشق حصن النظام…

إن أهم العوامل الإيجابية للثورة السورية. هو الموقف الأمريكي المتفهم للسوريين ومطالبهم وضرورة حصول الحل السياسي وفق القرار الدولي ٢٢٥٤ ، وأن إيران تكتفي بحركة وزير خارجيتها المكوكية في دول المنطقة، لعله يحصل على دعم للنظام السوري خوفا من سقوطه. أما روسيا فإنها تكتفي ببعض القصف عبر طائراتها لبعض مدننا المحررة. من باب تبرئة الذمة. مع قولها علنا للنظام: اذهب وحل مشاكلك في سورية. فنحن لنا مشاكلنا المنشغلين فيها…

النظام في موقف صعب وقد يكون قريبا من السقوط…

اخيرا:

نعم الشعب السوري ينتصر. وهو اصلا منتصر منذ قام بثورته منذ عام عام ٢٠١١م عندما كسر طوق الاستبداد والعبودية والقهر وخرج مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية. لم تتغير المطالب بل أصبحت أكثر إلحاحا ومازالت ثورتنا مستمرة لتحقيق هذه الأهداف الوجودية لتحقيق إنسانية السوريين . كل السوريين.

الحدث على الأرض مازال بحالة سيولة نتابعه وعيننا على دمشق يكلل هامتها علم الاستقلال والتحرير ويعيش الشعب السوري حياة يستحقها على كل المستويات.

زر الذهاب إلى الأعلى