المهجرون في الشمال السوري: أدنى مقومات الحياة معدومة بشكل كامل

حسام محمد

لعل أخطر ما تتعرض له نسبة كبيرة من السوريين، هي تحولهم لمجرد أرقام وإحصائيات تتضاعف يوميا ضمن قوائم التشريد والتهجير وفي جداول الضحايا. معاناة غابت معها ولا تزال أدنى حقوق الإنسان، وسط حراك دولي لم يرق حسب منظمات إنسانية عاملة في الشمال السوري إلى أدنى مستويات الدعم الإغاثي والإنساني لقرابة مليون سوري هجرهم النظام المدعوم بغطاء جوي وبري روسي منذ شباط/فبراير عام 2019.

ووفق تقديرات أممية ومحلية، فإن أعداد السوريين النازحين من آخر معاقل المعارضة السورية شمالي البلاد نحو الشريط الحدودي مع تركيا، تتراوح بين 900 ألف إلى مليون إنسان، في حين أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” إلى وجود أكثر من نصف مليون طفل نازح ضمن المهجرين.

العراء مسكنهم

مصادر محلية تواصلت معها “القدس العربي” في الشمال السوري، أكدت عدم توفر منازل لعشرات آلاف العائلات، حيث تسببت موجات القصف خلال الشهرين الماضيين، في نزوح مئات الآلاف بشكل متواتر، ما أدى إلى أزمة سكن حادة، وسط غياب المنازل، والمتوفر منها قليل، وبأجور عالية جدا نسبة لمتوسط دخل السوري، العاطل عن العمل أصلا بسبب الحرب.

ووفق ما قالته المصادر المحلية، فإن أجور المنازل التي أصبحت نادرة الوجود، تتراوح ما بين 150 إلى 300 دولار أمريكي، وهي أسعار مكلفة للسوري المهجر، ما أجبر مئات الآلاف على السكن في العراء تحت أشجار الزيتون، وفي خيمة صغيرة، ومقومات الحياة معدومة بشكل كامل، وسط أجواء باردة وأمطار تسببت في وفاة عدد من السوريين بينهم أطفال.

اغتيال الطفولة

يعد الإنسان المدني، الحلقة الأضعف للصراع اليوم في سوريا، وهو الأكثر تضررا من استمرار الحرب التي أخذت سمة دولية في البلاد، وتصفية لحسابات تعد أكبر من الجغرافيا السورية.

وفي إحصائية لها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل 297 مدنياً، بينهم 85 طفلاً و39 سيدة على يد قوات الحلف السوري-الروسي في شمال غرب سوريا، منذ 12كانون الثاني/يناير حتى 26 شباط/فبراير الماضي يتوزعون حسب الجهات الرئيسية الفاعلة على النحو التالي:

قوات النظام السوري: 126 مدنياً، بينهم 29 طفلاً، و10 سيدات، يتوزعون حسب المحافظات على النحو التالي:

محافظة إدلب: 103 بينهم 24 طفلاً و8 سيدات.

محافظة حلب: 23 بينهم 5 أطفال وسيدتان.

القوات الروسية: 171 مدنياً، بينهم 56 طفلاً، و29 سيدة، يتوزعون حسب المحافظات على النحو التالي:

محافظة إدلب: 72 بينهم 16 طفلاً، و14 سيدة.

محافظة حلب: 99 بينهم 40 طفلاً و15 سيدة.

الهجرة مطلب

خلال اتصالات أجرتها “القدس العربي” مع بعض السوريين، من من نزحوا نحو الحدود السورية-التركية مؤخراً، عبر البعض عن رغبتهم في الخروج من الأراضي السورية اليوم قبل الغد، وعللوا ذلك بالظروف القاسية التي عاشوها. فبعضهم أشار إلى أن نزوحه الأخير هو الرابع، وبعضهم هُجر قسريا من غوطتي دمشق عبر “الباصات الخضراء” وكذلك من أرياف حمص وحماة، وآخرون هم من سكان إدلب وأريافها، هجرتهم الطائرات الروسية السورية على مراحل، وصولا للشريط الحدودي.

عبد الناصر الدمشقي، وهو اسم مستعار لنازح سوري رفض التعريف باسمه الصريح، يعمل في صناعة العطور وتجارتها، قال لـ “القدس العربي”: “لا أتمنى لأحد على هذه الأرض أن يعيش ما نعيشه، فنحن نزحنا أربع مرات، كان أولها من ريف دمشق، وآخرها كان قبل أسابيع من معرة النعمان” وأضاف، “أعيش وعائلتي -3 أطفال، في سيارة شاحنة، لا خدمات ولا أدنى مقومات الحياة متوفرة، وننتقل يوميا من مكان لآخر بحثا عن منزل، وفي المساء نعود لمركبتنا بعد خيبة الأمل التي نصاب بها من أجل الحصول على مأوى صغير، وإن كان عبارة عن نصف غرفة”.

وأشار الدمشقي، إلى أن البطالة في الشمال السوري مرتفعة بشكل غير مسبوق، وأن الأعمال حتى الصغيرة منها التجارية أو ما شابه باتت قليلة جدا، معللا ذلك بسبب عدم وجود استقرار، وأن القصف يطال حتى المخيمات، وأن الاكتظاظ السكاني على الشريط الحدودي يمكن التعبير عنه بالقول: “لو قبضت على حفنة من التراب ورميتها في السماء، فلن تسقط منها ذرة واحدة على الأرض بسبب الأعداد الهائلة للسوريين النازحين اليوم”.

وحول الهجرة من سوريا، قال: “لو فتحت تركيا حدودها اليوم لساعة واحدة فقط، سيشاهد العالم هجرة أكثر من مليوني إنسان. فالسوريون هنا باتوا متعبين والحياة معدومة والظروف أقوى من الجميع، والحرب التي يقودها بوتين والأسد، دمرت حتى الصبر في قلوب من يحاولون المكوث في وطنهم”.

أما بالنسبة له، فقال: “لم تكن لدي رغبة في الابتعاد عن سوريا التي خرجت فيها مناضلا لانتزاع الحرية في عام 2011 ونزحنا مرات ومرات، لكن اليوم كل شيء أقوى من الإنسان السوري، والعالم كله يشاهد كيف نموت ولم يحرك ساكنا، ما أريده اليوم هو الهجرة. أريدها بكل إرادتي، أريد حماية أطفالي، لا أريدهم غير متعلمين. لقد تعبنا وما عاد الصبر واردا”.

الهجرة إلى أوروبا

وأشار القيادي في المعارضة السورية المسلحة مصطفى سيجري، عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلى قيامهم بتحضيرات لوجستية لتسهيل عبور مليون لاجئ سوري نحو الدول اﻷوروبية.

وقال: “نعمل على تنسيق عبور مليون مواطن سوري مدني من النساء والأطفال والشيوخ وعلى دفعات من إدلب إلى أوروبا مرورًا بالأراضي التركية وعبر البوابات الحدودية، إنقاذًا لحياتهم وبهدف تفريغ المقاتلين السوريين للمقاومة والنضال والعمل على طرد قوات الاحتلال الروسي والإيراني من الأراضي السورية”.

وسلطت وسائل الإعلام التركية الضوء على توافد أعداد كبيرة من السوريين نحو المناطق الحدودية مع اليونان، وذلك بعد التهديدات التركية برفع الحظر والقيود عن الراغبين في الانتقال إلى أوروبا عبر حدودها.

الائتلاف المعارض

تحاول المعارضة السياسية السورية، تسليط الضوء أكثر على الانتهاكات الكبرى بحق السوريين شمالي البلاد، حيث التقى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وفد الخارجية الكندية، واستعرض معه الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها المدنيون في مناطق الشمال السوري نتيجة مواصلة روسيا عملياتها العسكرية في المنطقة.

وركز اللقاء على ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية والإغاثية للمحتاجين في سوريا، وعلى وجه الخصوص النازحين والمهجرين من محافظة إدلب وريف حلب الجنوبي الغربي.

وأشار، إلى أن استهداف روسيا ونظام الأسد للمرافق الحيوية والمنشآت الطبية تسبب في أكبر موجة نزوح في سوريا منذ عام 2011 داعياً إلى مساهمة كندا بشكل أكبر في عمليات إخلاء المصابين إلى المناطق الأكثر أمناً لتلقي العلاج.

وذكّر الائتلاف بمسؤولية المجتمع الدولي عن حماية المدنيين، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري، وطالب بالتحرك داخل الأمم المتحدة لتفعيل قانون حق الحماية للمدنيين المنصوص عليه في القرارات الأممية.

أعباء تركية

تعبر تركيا بشكل دوري عن الحمل الثقيل لديها بما يخص اللاجئين السوريين، وتوجه مطالبات دورية للمجتمع الدولي لتحمل الأعباء المتراكمة عليها، كما تدعو أنقرة دول العالم إلى ممارسة ضغوط على روسيا والنظام السوري لإيقاف الحملات العسكرية على الشمال السوري. وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، أنّ التطورات الأخيرة في إدلب زادت من الأعباء التي تتحملها تركيا بخصوص اللاجئين، وتفاقم الأوضاع سيزيد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وأوضح أقصوي، وفق وكالة “الأناضول” أنّ نزوح مئات الآلاف في محافظة إدلب نحو الحدود مع تركيا، زاد من الأعباء التي تتحملها بلاده بخصوص اللاجئين.

وقال إنّ “القلق من التطورات الأخيرة دفع بعض اللاجئين والمهاجرين في تركيا للتوجه نحو الحدود الغربية لبلادنا” كما لفت إلى أنّ تفاقم الأوضاع سيزيد من وتيرة حركة اللاجئين، مؤكداً أنّ تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين والمهاجرين على أراضيها، لم تغيّر سياستها حيالهم.

استهداف المدارس

وعلقت المعارضة السورية، في 26 شباط/فبراير الماضي، العملية التعليمية في عموم إدلب وأريافها، بسبب الحرب الموسعة التي تقودها موسكو ودمشق، خاصة بعد استهداف المدارس من قبل المقاتلات الحربية ومقتل عدد من المدرسين والطلاب.

وجاء في بيان تجميد العملية التعليمية شمالي سوريا من قبل مديرية التربية والتعليم في إدلب: “يعلّق الدوام في كل مدارس إدلب والريف الشرقي والجنوبي حتى نهاية هذا الأسبوع، بسبب سوء الأوضاع الأمنية”. وتركت لمديري المدارس في بقية المناطق اتخاذ القرار حسب “خطورة الوضع”.

وقال أدهم الخالد لـ “القدس العربي” وهو ناشط في إحدى المنظمات الإنسانية في الشمال السوري، إن أخطر ما يعيشه الشمال اليوم هو تسرب الأطفال خارج المدارس، ومرور الأشهر بدون نظام تعليمي، فهذا من شأنه بناء جيل جاهل ومتخلف.

مشيراً إلى أن عددا كبيرا من العائلات ترغب في إرسال أطفالها إلى المدارس، ولكنها غير موجودة في مناطق النزوح.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان ومركزه لندن، خلال الأسبوع الفائت، استهداف أربع مدارس بشكل مباشر، تأوي إحداها نازحين، ما تسبب في مقتل ثلاثة مدرسين وتلميذة، من أصل 20 قتلوا جراء قصف جوي وصاروخي لقوات النظام استهدف مدينة إدلب وبلدات أخرى.

حماية الأطفال

وسلطت “يونيسيف” وهي المنظمة الأممية الخاصة بالطفولة، عبر مديرتها العامة هنريتا فور، الضوء على الطفولة المهددة في سوريا، ودعت خلال جلسة لمجلس الأمن، في 27 شباط/ فبراير الماضي، لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف لإنقاذ الأطفال في مناطق شمال غربي سوريا، محذرة من تدهور الأوضاع هناك يومًا بعد يوم.

كما طالبت، وفق ما نقلته وسائل إعلامية سورية، بتوفير الظروف للتحرك الآمن للمدنيين، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بالطرق الفعالة والوقت المناسب إلى جميع الفئات المتضررة.

وحثت جميع الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل، على الوفاء بالتزاماتها وإعادة الأطفال إلى أوطانهم “بطريقة آمنة وطوعية وكريمة”.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى