تركيا وترمب الثاني

سمير صالحة

لم يتأخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توجيه برقية التهنئة لترمب بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية: “أهنئ صديقي دونالد ترمب الذي انتخب مرة أخرى رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. وآمل في هذه الفترة الجديدة أن تتعزز العلاقات التركية الأميركية، وأن تنتهي الأزمات والحروب الإقليمية والعالمية، وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الروسية الأوكرانية، وأعتقد أنه سيبذل المزيد من الجهود من أجل عالم أكثر عدلاً“.

تعاملت قيادات العدالة والتنمية في الفترة الواقعة بين 2002 و2024 مع خمسة رؤساء أميركيين. كان الصعود والهبوط في العلاقات مستمراً، ولم تحل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين حتى اليوم ملفات خلافية عديدة، بل فتحت الطريق أمام زيادة عددها وتعميقها.

كانت أنقرة من أوائل العواصم التي أرادت فوز ترمب في الانتخابات. ليس من باب المحبة، بل بسبب الانسداد السياسي الحاصل في الحوار مع إدارة جو بايدن ومحاولة إخراجها من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. لكن كثيراً من المؤشرات تدل على أنه لن يكون سهلاً على أردوغان وترمب في الحقبة الجديدة إزاحة هذا الكم الهائل من الخلافات وأسباب التباعد. فأي مسار جديد في حوار أنقرة وواشنطن بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً، يحتاج إلى جهد سياسي ودبلوماسي إضافي لإعادة ترتيب الأوراق والملفات التي بعثرتها الأزمات الكثيرة بين البلدين. فكيف سيتم تفعيل فرص التعاون ومواجهة التحديات الثنائية والإقليمية؟ وهل سيكون بمقدور العامل الاقتصادي وحده إخراج العلاقات من غرفة العناية الفائقة التي دخلتها في عهد بايدن؟

سيترك بايدن خلفه لترمب رزمة من الملفات الساخنة التي تعصف بعلاقات البلدين

ملفات ساخنة في انتظار ترمب

سيترك بايدن خلفه لترمب رزمة من الملفات الساخنة التي تعصف بعلاقات البلدين:

  • خمسة قرارات أميركية بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على تركيا بسبب التباعد وتضارب المصالح في قضايا خلافية ثنائية وإقليمية.
  • تعنت الإدارة الأميركية ورفضها تسليم قيادات “الكيان الموازي” التي لجأت إليها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016.
  • توتر شديد بعد حادثة توقيف الراهب الأميركي برونسون وتهديد ترمب بتدمير الاقتصاد التركي، ورد أنقرة بعدم قبول أي تهديد.
  • عقوبات مالية وسياسية على ثلاثة وزراء أتراك بعد عملية “نبع السلام” التركية عام 2019 وصفقات التقارب التركي الروسي.
  • معاقبة المصرفي التركي هاكان أتيللا بالسجن لأشهر طويلة رغم اعتراضات تركيا، بذريعة خرق العقوبات الأميركية ضد إيران.
  • تمسك الإدارة الأميركية بدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا بذريعة محاربة تنظيم “داعش”.
  • صفقة الصواريخ الروسية “إس-400” التي اشترتها تركيا من روسيا، وقرار إخراج تركيا من مشروع مقاتلات “إف-35” عام 2019.
  • ملفات استراتيجية خلافية تتعلق بالممرات التجارية الإقليمية وخطوط عبور الطاقة في الشرق الأوسط، والتوازنات الدقيقة في شرقي المتوسط والبحر الأسود.

وُصفت العلاقات التركية الأميركية في عهد أردوغان وترمب بأنها متقلبة، رغم التوقعات التي تحدثت عن واقعية وبراغماتية في سياسات الرئيسين.

ومع ولاية جديدة لترمب، لن تتغير الأمور كثيراً، إذ إن أسباب التباعد والخلاف بدل أن تتراجع، تفاقمت في العامين الأخيرين. ويرى مراقبون أن العلاقات التركية الأميركية قد لا تكون بين أولويات ترمب؛ فالذي سيحركها هو ملف الحرب الروسية الأوكرانية وتطورات الوضع الميداني في شمالي سوريا، إضافة إلى سياسات إسرائيل الإقليمية ورهانها على أن يمنحها ترمب ما تجنب بايدن فعله. وهذه المسائل تمثل اليوم عقبات في طريق التفاهمات التركية الأميركية.

إمكانية إعادة بناء الثقة

لا يزال بناء الثقة بين أنقرة وواشنطن أمراً قائماً، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية والمخاوف المشتركة التي تجمع بينهما. والطريق الأقصر لمعالجة العديد من الخلافات هو الحوار المباشر بين الرئيسين عبر قمة تركية أميركية تسعى إلى تفعيل قنوات التواصل السياسي وإيجاد أرضية للتفاهم حول القضايا الخلافية. لكن تعقيدات الملفات ودخول أكثر من لاعب محلي وإقليمي على خط توتير العلاقات وتأجيجها يمثل عقبة أمام هذا الحوار.

يرى كثير من المحللين الأتراك أن من مصلحة ترمب العمل على تصويب مسار العلاقات التركية الأميركية لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية، وذلك في إطار مقاربة إقليمية تأخذ بعين الاعتبار ما تسببت به إدارة بايدن من أزمات.

ويبدو أن أردوغان وترمب، بناءً على تجربتهما السابقة، قد يعتمدان أساليب غير تقليدية في العمل السياسي، وتفعيل خطوط الاتصال المباشر لحل الأزمات، بعيداً عن البروتوكولات الرسمية، كما حدث في حل معضلة ملف الراهب برونسون وعملية “نبع السلام” التركية قبل خمس سنوات.

انطلاقاً من شعار “أميركا أولاً”، لا توجد مؤشرات على أن واشنطن ستراجع مواقفها أو تمنح أنقرة ما تريده في الملف السوري، إذ تتباعد الخيارات والسياسات هناك، وورقتا النفط السوري و”قسد” لا يمكن التفريط بهما لصالح بقية اللاعبين على الأرض السورية.

عواقب الفشل في حل الخلافات

فشل أنقرة وواشنطن في معالجة خلافاتهما سينعكس سلباً على مصالحهما الإقليمية، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وتقول الإعلامية والباحثة التركية أصلي أيدن طاشباش إنه لم يعد هناك من يدافع في واشنطن عن أهمية حماية العلاقات التركية الأميركية. أما السفير الأميركي الأسبق في تركيا، جيمس جيفري، فيشير إلى أن دعم واشنطن لإسرائيل قد يخلق مشكلات مع أنقرة. كما يحذر الباحث التركي سنان أولغن من أن ولاية جديدة لترمب قد تزيد من التوترات الإقليمية، وأن دعم ترمب لحلف الناتو قد يتراجع، مما قد يؤثر على أمن تركيا ويؤدي إلى بناء هوية دفاعية أوروبية خاصة، قد تضع تركيا في موقف استراتيجي صعب، حتى وإن تماشت مع بعض رغبات واشنطن مثل سحب الدعم لـ”قسد” والانسحاب من سوريا.

انطلاقاً من شعار “أميركا أولاً”، لا توجد مؤشرات على أن واشنطن ستراجع مواقفها أو تمنح أنقرة ما تريده في الملف السوري، إذ تتباعد الخيارات والسياسات هناك، وورقتا النفط السوري و”قسد” لا يمكن التفريط بهما لصالح بقية اللاعبين على الأرض السورية.

كما أن التخفيف في مسألة المقاتلات الأميركية لا بد أن يقابله تنازل تركي في ملف الصواريخ الروسية. ومن المحتمل أيضاً أن تظل مسألة كوادر “الكيان الموازي” عالقة، حتى لو أكدت الإدارة الأميركية تضامنها مع تركيا في حربها على الإرهاب.

إن تعزيز تركيا لمستوى استقلالية القرار في الاقتصاد والتسلح والعلاقات مع دول وتكتلات متعددة يعكس حقيقة التوجه الاستراتيجي التركي الجديد. ورغم أن فريق عمل أردوغان يسعى إلى التهدئة وتجميد الخلافات، فإن هناك قناعة بعدم الرهان على ما تقوله واشنطن وتعد به من أجل حماية المصالح المشتركة.

مهمة ترمب لن تكون سهلة إذا ما رغب حقاً في تحقيق تقدم في العلاقات الثنائية، لكن من المرجح أنه سيواجه صعوبة في تجاوز هذه التحديات المعقدة.

 المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. العلاقات بين الدول تحكمها المصالح فقط للقيادة واللإدارة والدولة، فهل سيمكن تجاوز الخلافات بين إدارة بايدن وتركيا من خلال إدارة “ترامب” ؟ وهل إدارة ترامب الثانية ستكون أفضل للعلاقات الأمريكية التركية وأردوغان مع ترامب؟ نتمنى أن تكون أفضل وتحل كافة الخلافات التي أنتجتها إدارة بايدن لأنها لصالح شعبنا وثورتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى