أصدرت منظمات مدنية وحقوقية سورية يوم الخميس الفائت، بياناً أدانت فيه خطةً حكومية لبنانية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وقال البيان إنّ ورقة العمل التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية تتضمّن مغالطاتٍ كبيرة، من بينها القول إنّ 89% من السوريين يريدون العودة إلى بلادهم، اعتماداً على دراسةٍ للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين؛ بينما أكّد البيان بأن ذات الدراسة تظهر أنّ 88% من المستطلعة آراؤهم قد نفوا رغبتهم بالعودة إلى سوريا خلال العام القادم، وأنّ الورقة تلاعبتْ بنتائج الدراسة لإظهار رغبة السوريين بالعودة فوراً إلى البلاد التي تتهدّدهم فيها مخاطر أمنية كبيرة.
وطالب البيان الحكومة اللبنانية بإلغاء الورقة، وإيقاف كل الإجراءات التي تضغط على اللاجئين السوريين للعودة قبل وجود عملية سياسية ديمقراطية تضمن عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين السوريين، وبوضع حلول دائمة لمشكلة الأوراق الثبوتية بالنسبة للاجئين السوريين الموجودين على أراضيها. كما طالب البيان الدول المانحة بالاستجابة لأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، مع لحظ احتياجات المجتمع المضيف وزيادة الأعباء التي تترتب عليه.
وكان مجلس الوزراء اللبناني قد أعلن في بياناته الرسمية إقراره ورقة عمل أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية، بشكل مبدئي، من دون نشر الورقة. وقد حصلت الجمهورية على نسخةٍ مسربة من الورقة، أكّدت مصادرنا أنها النسخة التي تمّت الموافقة عليها. وتتضمن الورقة عدّة أسس لعملية سمّتها «العودة الطوعية» للاجئين السوريين إلى بلادهم، من بينها إعادة تفعيل التعاون مع النظام السوري. كما تضمنت الورقة توصيات بإعادة العمل وفق بروتوكولات تسليم المطلوبين مع سوريا، فيما اعتبرت أنّ القوانين والمراسيم الصادرة خلال الفترة الماضية تسهل، من الناحية القانونية، عودة السوريين إلى بلادهم. كما تقول الورقة أيضاً إنّه يجب عدم ربط عملية إعادة اللاجئين السوريين بالحل السياسي.
وتنقسم الورقة التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني، في جلسته المنعقدة في الرابع عشر من تموز (يوليو)، إلى ثلاثة محاور؛ أولها البعد اللبناني، حيث نصحت الورقة بإجراء عملية إحصاء شامل للاجئين السوريين في لبنان، وربط عملية الإحصاء تلك بالوضع القانوني للسوريين، واعتبار المُتخلّفين عنها مقيمين بشكل غير قانوني في البلاد.
أما القسم الثاني فيتحدث عن العلاقات مع النظام السوري، والعمل مجدداً وفق عددٍ من الإجراءات، من بينها اتفاقية تسليم المطلوبين بين البلدين وتبادل المعلومات والتنسيق بين الطرفين لإزالة «العقبات القانونية». كما أقرّت الورقة وجوب مراقبة لعمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية العاملة مع السوريين في لبنان.
وحظي قرار مجلس الوزراء اللبناني بالموافقة على ورقة العمل هذه بإشادة من وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر. ويعدّ باسيل أحد أبرز السياسيين اللبنانيين المطالبين بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم فوراً ومن خلال التنسيق مع النظام السوري، وكانت رسائله السياسية تعتمد دوماً على تحميل وجود «أكثر من مليون سوري في لبنان» أعباء الفشل الحكومي في لبنان، وعدم قدرة الحكومة على تحسين الأوضاع المعيشية.
فيما أكّد عاصم أبي علي، مستشار وزير النازحين اللبناني لصحيفة الشرق الأوسط أنّ «وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية، الذي زار دمشق في مارس (آذار) الماضي وبحث ملف إعادة النازحين مع المسؤولين السوريين، لمس استعدادهم للتعاون» حسب تعبير أبي علي.
من جانبه، أعدّ المركز السوري للإعلام وحرية التعبير تحليلاً قانونياً لورقة العمل تلك، وقد حصلت الجمهورية على نسخة منه، ويؤكد المركز فيه أنً ورقة العمل التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية تتجاهل «وجود عدة قوانين في سوريا تستهدف حياة وحرية المواطنين، دون أية ضمانات تتعلق بالمحاكمة العادلة والنزيهة، ومنها قانون الإرهاب» وهو ما سيؤدي إلى تهديد أمن وحياة اللاجئين العائدين إلى البلاد.
كما أشار تحليل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى أنّ عدداً من المراسيم، مثل المرسوم رقم 10 لعام 2018، تهدّد ملكيات اللاجئين السوريين، ما يضع عدداً كبيراً منهم دون أي قدرة على العودة إلى ممتلكاتهم، وهو ما يتهدد معيشة وكرامة اللاجئين المُعادين من لبنان. كما يضيف التحليل القانوني إنّ «تفعيل اتفاقية تسليم المطلوبين بين لبنان وسوريا، خاصةً في القضايا المتعلقة بمحكمة الإرهاب في سوريا، وما يمكن أن يرافق ذلك من انعدام ضمانات المحاكمة العادلة والإنسانية سواء في لبنان أو سوريا، يخلق مخاوف جدية على حياة وسلامة المحكومين بعد تسليمهم إلى سوريا».
ويقول د. محمد كتوب، مدير المناصرة والسياسات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، للجمهورية: «إنّ الورقة تحمل عدة نتائج كارثية، على رأسها المزيد من الضغط على لاجئين يعانون من ظروف قانونية صعبة اصلاً، والمزيد من احتقان في المجتمع اللبناني المضيف، حيث تحوي الورقة على بنود تتعلق بحملات إعلامية لتشجيع اللاجئين على العودة، وهذا سيزيد ضغط المجتمع المضيف الذي يعاني بشكل كبير من الاًزمة الاقتصادية». ويتابع كتوب في حديثه عن الخطورة الكامنة في مثل هذه القرارات: «الورقة لا تأخذ بعين الاعتبار نهائياً مسؤولية الحكومة السورية عن الجزء الأعظم من الانتهاكات والجرائم في سوريا، وتضع هذه الحكومة كشريكة في خطة إعادة اللاجئين بما يشمل مشاركة معلومات بين الحكومتين، وهذا البند خطير جداً وسيخلق تهديدات على سلامة اللاجئين بشكل كبير».
تشير تقديرات الحقوقيين إلى أنّ هذه الورقة، إذا ما تمّ تطبيقها، ستكون عملياً حكماً بالإعدام على الكثير من السوريين الذين سيتم الضغط عليهم بشتى الوسائل للعودة إلى البلاد التي لم تعتبرها أي من الحكومات الغربية، التي تستضيف لاجئين بدورها، آمنة لعودتهم بشكلٍ طوعيٍّ وكريم. كما أنّ استعادة التنسيق مع النظام السوري وتبادل المعلومات معه، خاصةً في ظل إقرار الورقة لعملية تسجيل شاملة جديدة وإلزامية للسوريين في لبنان، ستقود إلى عمليات تسليم للسوريين المطلوبين وفق أحكام محاكم استثنائية، مثل محكمة الإرهاب، وهو ما يهدد حياة الكثير منهم. فيما لا تُظهر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا مؤخراً أي مؤشر على قدرة العائدين على تأمين معيشتهم بشكل كريم، خاصةً وأن أكثر من ثمانين بالمئة من السكان في سوريا يعيشون تحت خطّ الفقر، وفق بيانات منظمات الأمم المتحدة، ما يعني عملياً أنّ الضغط القانوني والسياسي والإعلامي على السوريين للعودة إلى بلادهم اليوم سيقود إلى كوارث جديدة على لاجئين يعيشون أصلاً أصعب الظروف في لبنان.
المصدر: الجمهورية نت