وقف حرب لبنان: ركيزة الحاضنة العربيّة؟

وليد شقير

لماذا يعطي بنيامين نتنياهو هدية لإدارة راحلة في وقت يسعى بما أوتي من تأثير إلى أن يخسر الديمقراطيون الانتخابات الرئاسية الثلاثاء المقبل؟

بعد الخيبة من الترويج الأميركي واللبناني والإسرائيلي لإمكان التوصّل لوقف الحرب، بات على لبنان التفكير بأسلوب مختلف لإنهاء الكارثة.

لماذا يكتفي لبنان بوساطة الموفد الأميركي آموس هوكستين والتحرّك الفرنسي في سعيه إلى وقف الحرب الإسرائيلية عليه؟ ألم يحِن الأوان كي يسلّم أمره للحاضنة العربية لعلّها تنخرط بإنقاذه، بدلاً من أن يكتفي بتسليم مصيره للتجاذب الأميركي الإيراني؟

خضوع وقف الحرب الكارثية على لبنان أو استمرارها لحسابات نتنياهو حيال الانتخابات الرئاسية الأميركية، مسألة لا نهاية لها. وفي المقابل، قيل مثلاً إنّه لو نجح آموس هوكستين الخميس في إسرائيل بوقف النار في لبنان، وفق تسريبات الإعلام الإسرائيلي عن مسوّدة الاتفاق، لكانت أصوات الأميركيين من أصل لبناني صوتوا الثلاثاء لكامالا هاريس.

انتخابات أميركا وتمديد المأساة

لا حدود للتقديرات في شأن تأثير مجريات الحرب على صناديق الاقتراع في أميركا. بعد الثلاثاء المقبل سيقال إنّ على اللبنانيين أن ينتظروا حسابات الدول المعنيّة بحرب لبنان حيال تركيبة الإدارة الجديدة، إيّاً كان الفائز. وهذا يمدّد المأساة الدموية والتدميرية للبلد إلى 20 كانون الثاني من العام المقبل. ومن بعدها ستطلع علينا نظريّات ترقّب وضع الفريق الحاكم الجديد لسياساته وتوجّهاته، لتتحوّل إلى وصفات لتبرير استمرار الحرب. هل يمارس ضغوطاً لأجل الحلول السياسية بعد أن يتحرّر من الحاجة إلى اللوبي اليهودي؟ أم لا تغيير في السياسات؟

لا أحد يضمن صحّة التكهّنات بأنّ من مصلحة أيّ إدارة جديدة أن توقف المقتلة، وأنّ إنهاءها في لبنان “أقلّ تعقيداً” من إنهائها في غزة. فمن بإمكانه الجزم في شأن مدى تناغم الدولة العميقة في الولايات المتحدة مع أوهام السقف الإسرائيلي المتمثّل في “تغيير الشرق الأوسط”؟ فهذا يعني أنّ الأمور ستأخذ المزيد من الوقت والدماء والدمار والنزوح والخسائر.

ما يعوّق الانخراط العربي في الحلول في لبنان إصرار طهران على إدارة الحرب تمهيداً لإدارة التفاوض

أوساطٌ دبلوماسية غربية تؤكّد أنّ تل أبيب أبلغت واشنطن أنّها تحتاج إلى أسابيع لاستكمال عمليّاتها. وللتذكير هذا ما كان يقوله القادة الإسرائيليون عن توغّلهم في غزة. وها إنّ سنة وزهاء شهر مرّا. الاستنتاج نفسه يمكن أن ينسحب على لبنان إذا استذكر المرء مناورات وقف النار في غزة.  

الحراك العربيّ و”الرّكيزة” الإيرانيّة

أحد أوجه سقوط لبنان في عين العاصفة كان خروجه عن الحاضنة العربية، مهما كانت الحجج التي تبرّره، سواء صحّ أنّ الدول العربية تركت فراغاً فيه، ملأته إيران، فعزّزت مشروعها لتوسيع نفوذها، أم واكبت الانكفاءَ العربي عن فلسطين ولبنان ثقةٌ مفرطة بالتحالف مع أميركا والغرب الذي أفاد من القطب الفارسي لتهديد الحلفاء، أم نقل فريق من اللبنانيين الولاء إلى الجمهورية الإسلامية وانسجم مذهبياً وعقائدياً مع مبدأ “تصدير الثورة”. أيّاً كانت المقاربات، النتيجة كانت ابتعاد لبنان عن الحاضنة العربية. ولا حاجة إلى سوق الدلائل والمحطّات.

في تقدير بعض القراءات أنّ الدول العربية الرئيسة تنتظر أن ينتهي الأميركيون من تقليم أظافر إيران الإقليمية، قبل أن تنغمس بدفع الحلول السياسية. وهناك من يرى أن لا حول ولا قوّة للمجموعة العربية في إنهاء الحرب، سواء في غزة أم في لبنان. بل إنّ واشنطن تفضّل التعامل مع سبب المشكلة، أي إيران، لأنّ الصراع والحرب معها، وكذلك التسويات والاتّفاقات.

يأخذ الحراك العربي للعب دور، على تواضعه، في المعادلة التي يفترض أن ترسو عليها المنطقة، مساراً تصاعديّاً في اتّجاهات عدّة، من دور مصر وقطر بتأييد عربي في صفقة التبادل ووقف النار في غزة، إلى الإصرار السعودي على آليّة عملية لقيام الدولة الفلسطينية شرطاً للتطبيع، وتحرّك اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المنبثقة من قمّة جدّة 2023… إلى التمهيد للتحالف الدولي لأجل حلّ الدولتين، الذي عقد أوّل اجتماعاته في الرياض الثلاثاء والأربعاء الماضيين. هذا فضلاً عن تسرّب معطيات حول تفاهم سعودي – مصري على تولّي الأردن متابعة الشأن اللبناني.. وصولاً إلى الدعوة إلى قمّة إسلامية عربية ثانية في 11 تشرين الثاني الجاري.

أحد أوجه سقوط لبنان في عين العاصفة كان خروجه عن الحاضنة العربية

ما أشارت إليه التسريبات عن ورقة أميركية لوقف النار هو قيام آليّة مراقبة لتطبيق القرار الدولي 1701 تضمّ إلى قوات الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وألمانيا (الحزب رفض فوراً أيّ دور لبرلين)، وطرح ذلك سؤالاً عن أسباب تجاهل أيّ دور لأيّ دولة عربية.

ما يعوّق الانخراط العربي في الحلول في لبنان إصرار طهران على إدارة الحرب تمهيداً لإدارة التفاوض. لا قراءة أخرى لما قاله رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف: “الركيزة الأساسية للشعب اللبناني وقادته ومسؤوليه هي إيران وشعبها وقائدها المرشد علي خامنئي”.

الورقة الكويتيّة 2022

وفيما يشكّل استمرار الحزب في القتال وإطلاق الصواريخ والمسيّرات ضدّ إسرائيل “ركيزة” الدور الإيراني  وتأثيره في قرارات السلطة، فإنّ الباحثين عن الدور العربي يشيرون إلى ركائز عدّة.

يذكّر هؤلاء بالورقة الكويتية بتاريخ 22/1/2022 إبّان زيارة وزير خارجية الكويت في حينها الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح بيروت. سلّمها الى المسؤولين اللبنانيين بهدف معالجة أسباب الخلاف السياسي مع دول الخليج بفعل حملات الحزب عليها وهيمنته على قرارات السلطة في البلد. من المفيد للداعين إلى الدور العربي التذكير ببنود تلك الورقة:

“1- التزام لبنان بكلّ استحقاقات مؤتمر الطائف.

2- التزام لبنان بكلّ قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية.

3- تأكيد مدنيّة الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني.

4- سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً.

5- وضع إطار زمني محدّد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004)، الخاصّ بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار رقم 1680 (2006) بشأن دعم سيادة واستقلال لبنان السياسي والتأييد التامّ للحوار الوطني اللبناني، والقرار 1701 (2006) الخاصّ بسلاح الحزب ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية.

6- وقف تدخّل الحزب في الشؤون الخليجية بشكل خاصّ، والشؤون العربية بشكل عامّ، والتعهّد بملاحقة أيّ طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضدّ دول مجلس التعاون.

أوساطٌ دبلوماسية غربية تؤكّد أنّ تل أبيب أبلغت واشنطن أنّها تحتاج إلى أسابيع لاستكمال عمليّاتها

7- وقف كلّ أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون، وملاحقة كلّ من يحاول التحريض على العنف أو يشارك فيه من المواطنين أو المقيمين في لبنان ضدّ حكومات مجلس التعاون الخليجي.

8- الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في شهر أيار 2022، ثمّ الرئاسية في شهر تشرين الأول 2022 وفق المواعيد المقرّرة من دون تغيير.

9- التدقيق على الصادرات اللبنانية إلى دول مجلس التعاون عبر آليّة وجود مراقبين بشكل ثنائي لضمان خلوّ الصادرات من أيّ ممنوعات، وبشكل خاصّ المخدّرات التي تستهدف الأمن الاجتماعي لدول المجلس، ويمكن في هذا الصدد اعتماد الآلية الأوروبية نفسها.

10- بسط سيطرة السلطات الرسمية اللبنانية على جميع منافذ الدولة.

11- وضع نظام تبادل معلومات أمنيّة بين دول مجلس التعاون والحكومة اللبنانية.

12- العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلّم ودائعهم في البنوك اللبنانية”.

هل طلب لبنان الانخراط العربيّ؟

حينها كان ردّ السلطة اللبنانية أن لا قدرة لها على تنفيذ البنود المتعلّقة بالقرارات الدولية، لا سيما الـ1559، والمتعلّقة بحصرية السلاح بيد الدولة. والتزم لبنان بتدابير منع تهريب المخدّرات… وبقيت الأمور معلّقة، الأمر الذي تسبّب بتفاقم التأزّم وصولاً إلى ما هو عليه لبنان اليوم. ولم يعد مفيداً القول إنّه لو جرى تنفيذ القرار الدولي وعاد البلد إلى الحاضنة العربية في حينها لجرى توفير الكثير من المآسي.

لا أحد يضمن صحّة التكهّنات بأنّ من مصلحة أيّ إدارة جديدة أن توقف المقتلة، وأنّ إنهاءها في لبنان “أقلّ تعقيداً” من إنهائها في غزة

بقدر ما يطرح البعض السؤال عن الدور العربي في مفاوضات وقف النار في لبنان، يسأل معنيّون: هل طلب لبنان رسميّاً مثلاً مشاركة عربية في آليّة مراقبة تنفيذ القرار الدولي؟ وهل قدّم طلباً لأيّ دولة عربية كي تشارك في مفاوضات وقف الحرب، لدفع المجموعة العربية إلى ممارسة الضغوط الدولية لهذا الغرض، بما يتجاوز إصدار البيانات؟ وهل المعادلة السياسية الداخلية باتت جاهزة للخروج من دائرة السعي إلى وقف الحرب وفق “الركيزة” الإيرانية المتشعّبة الأهداف والعناوين؟

قد تكون القمّة الإسلامية العربية المنتظرة في السعودية بعد 9 أيام فرصة لثنائي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي كي يوسّعا قاعدة الدول المتعاطفة مع البلد والساعية إلى الحلول السياسية.

المصدر: أساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى