في تموز/يوليو 2020، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، تقريراً يتناول انسحاب رجل الأعمال السوري، محمد حمشو، من الترشيح لانتخابات مجلس الشعب، قبل يومين من إجرائها. ووصفت الصحيفة حمشو بـ “رجل إيران”، وفق ما “يعتبره البعض”. وفي تموز/يوليو 2024، نشرت الصحيفة ذاتها تقريراً عن “عمليات تزوير ضخمة” حصلت خلال عملية الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب بالعاصمة دمشق، معظمها لصالح “قائمة شام” التي يتزعمها حمشو، والذي وصفته الصحيفة مجدداً بأنه مقرّب من إيران، مع إفاضة بالحديث عن صلاته التجارية الواسعة معها، وعن دعمه لأحياء تسكنها حواضن اجتماعية مقرّبة من إيران، في دمشق، وريفها، وفي ريف حلب، أيضاً.
يشكّل هذان التقريران الموجّهان من صحيفة تمثّل الموقف السعودي، بعضاً من الأدلة الكثيرة التي تدفع مراقبين للحديث عن فيتو “خليجي”، سعودي بالذات، حيال شخصيات مقرّبة من النظام، ومحسوبة على إيران، في الوقت نفسه. ووفق هذه النظرية، فإن النظام يتجاوب مع هذا “الفيتو”، في سياق تقبّله لبعض متطلبات “التطبيع العربي”.
والملفت، أن هذه المرة الثانية على التوالي، التي يُجهَض فيها مسعى محمد حمشو لنيل عضوية مجلس الشعب، بعد أن بقي تحت قبة المجلس لدورتين متتاليتين (ما بين 2012 و2020). وفي هاتين المرتين، ذهب الرأي الأرجح إلى أن حمشو كان ضحية علاقاته المميزة مع إيران، مع اختلافٍ في ترجيح الشخصية المحلية التي كان يدور في فلكها، ضمن سياق النفوذ الإيراني.
ففي عام 2020، شاعت نظرية تقول إن حمشو كان ضحية رغبة أسماء الأسد في تقليم أظافر ابن خال زوجها، رامي مخلوف، في سياق الحملة التي كانت تُشن عليه يومها. ووفق هذه النظرية، فإن أسماء الأسد أرادت إرسال رسائل لأطراف خارجية، بأنها تعمل على تقليص سلطة مخلوف، التي وُصفت بأنها ذات “هوى إيراني”.
أما في المرة الثانية، 2024، يتم التركيز على ماهر الأسد، بوصفه الشخصية المحلية التي يمثّل حمشو أحد أذرعها، الدائرة بدورها، في فلك النفوذ الإيراني، أيضاً.
ولا يتحدث أحد، بطبيعة الحال، عن أي بُعدٍ تركي حقيقي، في هذا الحدث، رغم أن السبب الرسمي لإسقاط عضوية محمد حمشو في مجلس الشعب، هو حمله للجنسية التركية. إذ لا يتوقع أحد أن حمشو قد يعمل لصالح نفوذ تركي، داخل مناطق سيطرة النظام. فحمله للجنسية التركية، ما كان ليكون، إلا بضوء أخضر من المتنفذين وأصحاب القرار داخل النظام ذاته. ولأسباب ما تزال غير واضحة، حتى الآن.
لكن اللافت أن التصويب على البعد الإيراني في علاقات حمشو، بوصفه السبب العميق لحرمانه من عضوية مجلس الشعب للمرة الثانية، يُغفل شخصية فهد درويش محمود، العضو الحالي في المجلس، والذي ترشح أساساً ضمن قائمة “شام” التي كان يقودها حمشو. فارتباط فهد درويش محمود، بمصالح إيران، مباشرٌ وأكثر علنيةً من حمشو. حتى أن بعض المصادر بدمشق تعتقد أن فهد درويش محمود يحمل الجنسية الإيرانية. لكنه رغم ذلك، لم يكن ضمن دائرة تصويب النظام على أعضاء بمجلس الشعب.
شخصية أخرى، طالها هذا التصويب، تشبه حمشو في جوانب كثيرة، باستثناء أنها أحدث وأقل شهرة في عالم أعمال النظام وشبكاته الزبائنية. خالد زبيدي، الذي وافق المجلس على منح إذن الملاحقة القضائية بحقه. بالتزامن، مُنِحَ إذن الملاحقة القضائية بحق مجاهد اسماعيل، عضو مجلس الشعب، وقائد “كتائب البعث”. والشخصيتان المشار إليهما، مقربتان من ماهر الأسد، وفق مصادر محلية عديدة.
اللافت أيضا أن الأسماء الأربعة التي طالتها إجراءات رفع العضوية ومنح إذن الملاحقة القضائية (حمشو ورجل الأعمال شادي الدبسي، وخالد زبيدي، ومجاهد اسماعيل)، تجاوزت الدراسات الأمنية التي تسبق الموافقة على الترشيح لانتخابات مجلس الشعب، وفازت بعضوية المجلس تحت أعين سلطات النظام. وهو ما لا يمكن قراءته إلا بوصفه تعبيراً عن استدراك طرف داخل النظام، لخطوة قام بها طرف آخر. أي أنها تعبير عن تناقضات داخل تركيبة النظام. أو أنها إجراء اضطراري استجابةً لضغوط خارجية. أو الاحتمالين معاً.
في سياق التحليل، يتحدث البعض عن سعي النظام للتخلص من أذرعه المكشوفة للعقوبات الغربية، واستبدالها بأخرى، أقل انكشافاً. كما ويتم الحديث عن استهداف الشخصيات المحسوبة على إيران، بصورة خاصة، في ظل التوتر المتفاقم إقليمياً، والاستهداف الإسرائيلي المتصاعد لكل ما يرتبط بإيران وحزب الله، في سوريا. لكن شخصية فهد درويش محمود، الباقي تحت قبة مجلس الشعب، تشكّل نقطة ضعف هذا التحليل. فهو يُعتبر بحق “رجل إيران” في ساحة الأعمال بسوريا، وهو مُعاقب أميركياً منذ مطلع العام الجاري. مما يجعل التناقض داخل تركيبة النظام، هو أكثر الدلالات قوةً، والتي يمكن التقاطها من جراء استهداف حمشو بالذات. ويدعمها استهداف زبيدي ومجاهد اسماعيل. فهذه الشخصيات جميعها، مقرّبة من ماهر الأسد. مما يدعم المعلومات المتداولة عن خلاف متفاقم بين بشار الأسد وشقيقه. ولا ينفي ذلك أن يكون الخلاف مرتبطاً بالعلاقة مع إيران، لكن خروج هذا الخلاف إلى حلبة “مؤسسات الدولة”، يجعله أقرب إلى صراع داخل العائلة الحاكمة. وهو صراع قد تهدأ وتيرته بانكفاء جزئي ومؤقت لماهر الأسد، في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة على جميع حلفاء إيران في سوريا، بالمرحلة الراهنة. لكن ذلك يطرح تساؤلات في المدى الزمني الأبعد، حول إن كان ماهر الأسد سينكفئ مجدداً إن كان الخلاف مع شقيقه في المرة القادمة، سيكون حول مسألة التوريث للجيل التالي من العائلة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
نظام طاغية الشام يقود العمليات “الانتخابية” للمؤسسات الدستورية السورية بطريقته المخابراتية، وذلك ضمن حسابات الولاء لقوى الإحتلال، وليس من أجل المصلحة الوطنية، محمد حمشو الحامل على الجنسية التركية والذي غض الطرف عنها، تم إستبعاده ضمن الولاءات الإقليمية ولمصالح خاصة فقط.