قمة “بريكس” الروسية أظهرت تصميمًا على خلق نظام عالمي جديد

ستيفان وولف ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في اجتماعاته الثنائية الخاصة قبل وأثناء القمة، أكد بوتين فكرة أن روسيا، على الرغم من كل الجهود الغربية، ‏‏بعيدة كل البعد عن أن تكون معزولة‏‏ على المسرح العالمي. وأعطت الاجتماعات الفردية مع ‏‏شي،‏‏ ‏‏ومودي،‏‏ ورئيس جنوب أفريقيا ‏‏سيريل رامافوزا،‏‏ ورئيس الإمارات ‏‏العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان،‏‏ الفرصة لبوتين لدفع رؤيته الخاصة لمجموعة “بريكس” كمعسكر مقابل للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. ‏

*   *   *

‏كانت ‏‏قمة “بريكس” الأخيرة‏‏ في مدينة قازان الروسية أقل جدارة بالملاحظة من حيث ما حدث في الاجتماع مقارنة بما حدث قبله، أو على هامشه، أو ما لم يحدث فيه من الأساس. ومن بين الأشياء البارزة التي لم تحدث كان إحداث توسع آخر للمنظمة. ‏

‏منذ ‏‏إضافة‏‏ مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة في قمة “بريكس” 2023 في جوهانسبرغ، التي ضاعفت تقريباً عدد الدول مع الأعضاء المؤسسين من الدول الخمس الأصلية (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا)، توقف المزيد من التوسع. ‏

‏أحجمت‏‏ الأرجنتين، التي كانت قد دعيت أيضاً في العام 2023، عن الانضمام. ولم تقم المملكة العربية السعودية، وهي مدعوة أخرى في العام 2023، بأي تحرك بناء على عرض كانت قد تلقته بأن تصبح عضواً هي الأخرى. وكان ولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان، من بين الغائبين البارزين في قازان. ‏

‏وقررت كازاخستان؛ أكبر جار لروسيا في آسيا الوسطى، عدم‏‏ الانضمام قبل وقت قصير من انعقاد القمة. وقد أثار هذا التصرف غضب روسيا، مما أدى إلى فرض حظر فوري على واردات مجموعة من المنتجات الزراعية من كازاخستان كرد انتقامي ‏‏على ما فعلته.‏

وفي حين رفض مدعوون فرصة الانضمام إلى “بريكس”، لم يتم عرض العضوية على قائمة طويلة من المتقدمين. ووفقاً ‏‏لبيان‏‏ صدر عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع لكبار المسؤولين الأمنيين في “بريكس” في أيلول (سبتمبر)، أعربت 34 دولة عن اهتمامها بإقامة علاقات أوثق مع “بريكس” بشكل أو بآخر. ‏وتبدو هذه زيادة كبيرة في الاهتمام بعضوية “بريكس” مقارنة بالعام الماضي، عندما أدرجت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، ‏‏23 متقدماً للعضوية‏‏ قبل قمة 2023. ‏

‏لكنّ حقيقة أنه تم منذ ذلك الحين توجيه ست دعوات فقط -وقبول أربع دعوات- تشير إلى أن التوسع الرسمي للمنظمة، في الوقت الحالي على الأقل، قد أُحبط بسبب عدم قدرة الأعضاء الحاليين على التوصل إلى توافق في الآراء حول الجولة التالية من التوسع وإحجام بعض المدعوين عن الارتباط بالمنظمة.‏

الاجتماعات على هامش القمة‏

‏ربما يقدم ‏‏إعلان القمة‏‏ القليل من المضمون. لكنّ عدداً من الاجتماعات الثنائية عُقدت قبل الاجتماع وعلى هامشه، والتي كانت أكثر دلالة على اتجاه المنظمة. ولعل الحدث الأكثر أهمية في هذا الإطار كان عقد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينج، أول ‏‏حوار لهما وجهاً لوجه‏‏ منذ خمس سنوات. ‏

‏ويشكل هذا اللقاء تغييراً ملحوظاً عما كان عليه الحال قبل بضعة أشهر فقط، عندما كانت التوترات بين نيودلهي وبكين شديدة بما يكفي ‏‏لإلغاء مودي مشاركته‏‏ في ‏‏قمة‏‏ “منظمة شنغهاي للتعاون” في أستانا، كازاخستان. ولكن، مع ‏‏التوصل إلى اتفاق الآن‏‏ بشأن ‏‏النزاع الحدودي طويل‏‏ الأمد بين البلدين، توفرت للدولتين الأكثر سكاناً في العالم، ‏‏والأكثر قوة‏‏ على المستوى الاقتصادي في مجموعة “بريكس” من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فرصة ‏‏لإعادة بناء‏‏ علاقاتهما المشحونة.

‏سوف يكون من شأن تدفئة العلاقات بين الصين والهند أن تولد المزيد من ‏‏الزخم‏‏ لمجموعة “بريكس” للوفاء بأجندتها الطموحة لتطوير وتنفيذ رؤية لنظام عالمي جديد في نهاية المطاف. وينطوي هذا التوجه ضمناً على تحول في القيادة في مجموعة “بريكس” من الصين وروسيا إلى الصين والهند، ومعه احتمال حدوث تحول من اعتناق أجندة “مناهضة للغرب” إلى “أجندة غير غربية”.‏

‏كان هذا، بالطبع، شيئاً لم يفوته بوتين. وقد اعترف بهذا القدر عندما أشار إلى الجنوب العالمي والشرق العالمي في ‏‏ملاحظاته التي أدلى بها‏‏ في الجلسة الافتتاحية للقمة. كما شدد على أنه من المهم “الحفاظ على التوازن وضمان عدم تقليص فعالية آليات ’بريكس‘”. ‏

وفي اجتماعاته الثنائية الخاصة قبل وأثناء القمة، أكد بوتين فكرة أن روسيا، على الرغم من كل الجهود الغربية، ‏‏بعيدة كل البعد عن أن تكون معزولة‏‏ عن المسرح العالمي. وأعطت الاجتماعات الفردية مع ‏‏شي،‏‏ ‏‏ومودي،‏‏ ورئيس جنوب أفريقيا ‏‏سيريل رامافوزا،‏‏ ورئيس الإمارات ‏‏العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان،‏‏ الفرصة لبوتين لدفع رؤيته الخاصة لمجموعة “بريكس” كمعسكر مقابل للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. ‏

‏وقد تكون هذه وجهة نظر مشتركة في الشرق العالمي -روسيا والصين وإيران، وكذلك كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا غير الأعضاء في مجموعة “بريكس”. لكنّ من غير المرجح أن ينخرط كثيرون في الجنوب العالمي -خاصة الهند والبرازيل- في هذه الأجندة. وسوف يركزون على الاستفادة من عضويتهم في “بريكس” قدر الإمكان مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الغرب.‏

الافتقار إلى جدول أعمال متماسك‏

‏تشكل الهند اللاعب الأكثر أهمية في “بريكس” عندما يتعلق الأمر بالتوازن بين الشرق والغرب. وتشكل ‏‏تركيا؛‏‏ العضو في حلف شمال الأطلسي، المكافئ من الخارج. وقد سافر رئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، إلى قازان ولم يتردد في عقد اجتماع لمدة ساعة مع ‏‏”الصديق العزيز”‏‏ بوتين. ‏

‏كانت العلاقة بين موسكو وأنقرة ‏‏متوترة ومعقدة‏‏ عبر مجموعة واسعة من الأزمات، من جنوب القوقاز إلى سورية وليبيا والسودان. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بما قد تكون القضية الأكثر إثارة للانقسام على الإطلاق؛ العدوان الروسي على أوكرانيا، حافظت تركيا باستمرار على قنوات اتصال مفتوحة مع روسيا، وما تزال القوة الوحيدة في (الناتو) القادرة على القيام بذلك. ‏

وربما تكون حقيقة أن القليل من الضغط مورس من المصادر الرسمية في الغرب على أردوغان للتوقف انعكاساً لحقيقة أن قنوات الاتصال هذه ما تزال تحظى بتقدير في الغرب. ويشير هذا، بالإضافة إلى تعاون حلف الناتو المستمر مع الهند، إلى استراتيجية تحوُّط ينتهجها الغرب. وتتعاون الهند مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان -ما تسمى ‏‏بمجموعة الرباعية‏‏- بشأن الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقد حافظت على ‏‏حوار سياسي‏‏ مع الناتو منذ العام 2019. ‏

‏قد لا تتفق تركيا والهند مع الغرب في جميع القضايا. لكنهما أيضاً لا تفعلان ذلك مع معسكر الشرق العالمي داخل دول “بريكس”، وخاصة روسيا. وإذا لم يكن ثمة شيء، فإن هذا يحد من قدرة “بريكس” على صياغة أجندة متماسكة، وتعميق التكامل، وفي نهاية المطاف بناء تحد موثوق للنظام القائم.‏

‏غير أن الاعتماد على الهند وتركيا في مسعى الغرب إلى تقويض مجموعة “بريكس” لا يشكل استراتيجية ذات مصداقية في الأمد البعيد. ربما ‏‏لم تحقق “بريكس” سوى القليل‏‏ كمنظمة، لكن إعلان قمة قازان يشير إلى أن لاعبيها الرئيسيين ما يزالون ينطوون على تطلعات إلى تحقيق المزيد. ‏

‏مع ذلك، وكما تشير حملة التوسع المتعثرة للمنظمة، ثمة أيضاً معركة داخلية في “بريكس” حول اتجاهها المستقبلي. وهذا بدوره يخلق مساحة ويشتري وقتاً للغرب لممارسة تأثير بنّاء وأكثر إيجابية في العملية الجارية لإعادة تشكيل النظام الدولي. ‏

‏قد يكون الشرق العالمي بعيداً عن الخلاص، لكنّ هناك فرصة هائلة ما تزال قائمة لإعادة الانخراط مع الجنوب العالمي.‏

*ستيفان وولف ‏Stefan Wolff:‏ أستاذ الأمن الدولي، جامعة برمنغهام، المملكة المتحدة. ‏

‏*نشر هذا المقال تحت عنوان: Russia’s Brics summit shows determination for a new world order – but internal rifts will buy the west some time

https://alghad.com/Section-171/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA/%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B8%D9%87%D8%B1%D8%AA-%D8%AA%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D9%84%D9%82-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-1846506#:~:text=%D9%82%D9%85%D8%A9%20%22%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3%22%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9,west%20some%20time

المصدر: الغد الأردنية/(ذا كونفرسيشن)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى