ما تأثير مقتل السنوار في النظام الإيراني؟

علي رضا نوري زاده

لقد بقي ولي الفقيه وحيداً بعد مقتل هنية وفؤاد شكر وحسن نصر الله ونيلفروشان وأخيراً قائد “حماس”

كان السنوار قد زار إيران ذات مرة وقبّل يد ولي الفقيه. عندما قتل إسماعيل هنية كان جميع قادة “حماس” يستعدون للبيعة مع خالد مشعل لكنه رفض أن يكون مطيعاً لخامنئي، إذ تربطه علاقات واسعة مع عدد من دول المنطقة. وبأمر من خامنئي بايع أعضاء “حماس” السنوار ليصبح رئيسا للحركة.

كان يحيى السنوار كثير الغضب وترتسم أحياناً ابتسامة ثقيلة على شفتيه. يضع شالاً على كتفه ويتحدث بهدوء. لم تكُن لديه كاريزما ياسر عرفات ولا هيبة وطمأنينة محمود عباس. لم يملك أي ملامح من القادة الفلسطينيين الأولين.

كان قدامى القادة الفلسطينيين يتوزعون في الستينيات والسبعينيات على عدد من المدن مثل بيروت وعمان والقاهرة وبغداد وتونس، ومن هؤلاء جورج حبش ونايف حواتمة وأبو جهاد وخالد الحسن وأخوه هاني الحسن الذي أتى إلى إيران برفقة ياسر عرفات بعد الثورة، وأصبح بعدها سفيراً لفلسطين في طهران.

كان هؤلاء القادة يلتقون أحدهم الآخر كل أسبوع. لم يطلق أي من الثوار الفلسطينيين اللحى. ومع ظهور الخميني، فشلت الأنظمة العربية العلمانية في تحقيق الحد الأدنى لمطالب شعوبها وبالتزامن أخذ نشاط الإخوان المسلمين في مصر والأردن والسودان وسوريا منحى تصاعدياً واختفت وجوه “المقاومة” بواسطة عمليات “الموساد” وإرادة أنظمة مستبدة مثل نظام صدام حسين وحافظ الأسد. من هؤلاء النشطاء جورج حبش ونايف حواتمة وأبو حسن سلامة وأبو الهول وأبو داوود ومن بقي منهم توفي بصورة طبيعية.

بقي عرفات وعدد من رفاقه من أيام الحياة في الكويت وقد أسس سبعة من المناضلين حركة “فتح”، لكن ظهر بالتزامن الإسلاميون ودخل ساحة الثورة الفلسطينية من هم يطلقون اللحى ونداءات “الله أكبر”، فتغير نمط “المقاومة” بالتدريج. كان رفاق جورج حبش عندما يختطفون طائرات “لوفتهانزا” وينقلونها إلى الأردن يتعاملون مع المسافرين باحترام ويوفرون لهم النقل إلى صالات المطار ثم يفجرون الطائرات. لكن عندما ظهرت اللحية على ملامح الثورة، فإنهم أقدموا على حرق الطائرات والمسافرين معاً.

خالد مشعل وإسماعيل هنية ومحمود الزهار ومرشدهم الشيخ أحمد ياسين كانوا جميعاً يعتقدون بأن “الهدف يبرر الوسيلة”. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 رأينا تطبيق هذا الشعار بصورة عملية بعد عمليات “حماس” و”الجهاد”.

في مقابل هؤلاء، كان لدينا بن غوريون وغولدا مائير ودايان وإسحاق رابين يصطفون أمام “فتح” و”الجبهة الشعبية” و”الجبهة الديمقراطية”. اليوم لدينا نتنياهو وغالانت ونفتالي بينيت أمام السنوار والعالول والزهار. هنالك فرق شاسع بين فترة الستينيات التي كنا نرى فيها “شعراء المقاومة” وليلى خالد وأبو عمار مع الوقت الحاضر الذي تتصدر فيه وجوه مختلفة.

في الوقت الحالي يصلي خامنئي على جثمان إسماعيل هنية ويحمل نعشه قائد الحرس الثوري الذي تلطخت يداه بقتل عشرات الإيرانيين منذ الحركة الخضراء فصاعداً. يقيمون المآتم في إيران، ولكن ليس لأبناء الوطن، بل ليحيى السنوار.

من هو يحيى السنوار؟

كان واضحاً أن يأتي دور السنوار بعد مقتل إسماعيل هنية في طهران وحسن نصرالله وفؤاد شكر في بيروت. في اليوم التالي لعملية السابع من أكتوبر، كنت قد ذكرت في مقالة أن هذه العملية أتت بإرشادات وكلف مالية وتسليحية إيرانية من أجل القضاء على السلام الإبراهيمي. وبعد انفجارات الـ”بيجر” كنت أكدت أن هذه الأجهزة اشترتها إيران ووضعتها بحوزة “حزب الله”.

ولد يحيى السنوار في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في خان يونس جنوب قطاع غزة وانضم إلى “حماس” قبل الانتفاضة الأولى عام 1987 بعدما أسسها الشيخ أحمد ياسين.

وعام 1988 أسس السنوار جهاز أمن لـ”حماس” مهمته مطاردة المتهمين بالتجسس لمصلحة إسرائيل وكان عقاب غالبيتهم الحكم بالإعدام.

تخرج يحيى السنوار في الجامعة الإسلامية في غزة وتعلم اللغة العبرية. كان يتحدث العبرية طوال 23 عاماً قضاها في السجون الإسرائيلية وكانت لديه معرفة عميقة بالثقافة والمجتمع الإسرائيليين.

وحكم القضاء الإسرائيلي على السنوار بالمؤبد أربع مرات بتهمة قتله جنوداً إسرائيليين. وعام 2011 أطلق سراحه في صفقة تبادل للأسرى ضمن ألف و27 فلسطينياً أفرج عنهم مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط الجندي الفرنسي- الإسرائيلي الذي أسرته “حماس” لسنوات عدة.

وقبل أن يصبح قائداً لـ”حماس”، كان السنوار أحد أهم القادة العسكريين في “كتائب عزالدين القسام”، الجناح العسكري للحركة.

وكان السنوار يحلم بتحقيق تأسيس بلد فلسطيني موحد بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.

وعام 2006 أنهى انقلاب مصحوب بإراقة الدماء حكم السلطة الفلسطينية على غزة وتولت “حماس” إدارة قطاع غزة، وفشلت جميع جهود المصالحة بين “فتح” و”حماس” خلال السنوات الماضية.

اتخذ السنوار المبدأ المحافظ في التخطيط العسكري والبراغماتية في السياسة. كان يردد دائماً أنه لا يقاتل من أجل السلطة، بل يقاتل من أجل التفاوض مع إسرائيل من موقع مقتدر.

وعام 2015 أضافت الولايات المتحدة اسم السنوار إلى قائمة الإرهابيين الدوليين، إلى جانب قائد “كتائب عزالدين القسام” محمد الضيف.

يؤكد محمد دحلان الذي ترك السلطة في غزة لـ”حماس” أن السنوار والضيف أشرفا على بناء شبكة الأنفاق في غزة. في مايو (أيار) الماضي، تعهد غالانت باعتقال السنوار ومحاكمته وقال إذا عثرنا عليه مبكراً نساعده لكي يقبل مسؤولية بدء الحرب.

وكان السنوار قد زار إيران ذات مرة وقبّل يد ولي الفقيه. وعندما قتل إسماعيل هنية كان جميع قادة “حماس” يستعدون للبيعة مع خالد مشعل لكنه رفض أن يكون مطيعاً لخامنئي، إذ تربطه علاقات واسعة مع عدد من دول المنطقة. وبأمر من خامنئي، بايع أعضاء “حماس” السنوار ليصبح رئيساً للحركة.

رجل على وجهه آثار التعب وعظام مكسورة، جالس على أريكة في زاوية منزل، تلك كانت صورة نهاية من أحرق غزة وتقع على عاتقه ونتنياهو مسؤولية قتل 40 ألف فلسطيني.

علم العزاء

يرفع ولي الفقيه علم العزاء بعد مقتل أحد أبناء ولاية الفقيه، لكن شاباً في غزة يلعنه بعدما فقد منزله وأباه وشقيقته نائلة التي كانت في الثالثة من عمرها لدى مقتلها. في لبنان لدينا رجل الدين الشيعي علي الأمين الذي لم تسقط له دمعة بعد مقتل حسن نصرالله ولم يقرأ الفاتحة بعد مقتل السنوار. قال علي الأمين لتلفزيون “الحدث” أن يحيى السنوار وحسن نصرالله لا يعتقدان إلا بالموت ومع موتهما يمكن أن تنتهي المصائب في إيران ولبنان والعراق واليمن، بل في العالم أجمع.

في أقل من شهر، قتل أهم المطيعين لولي الفقيه. لقد نهبت المليارات من أموال إيران من أجل تمويل عملاء للنظام في الشرق الأوسط. لكن الآن قتل قادتهم وينظر ولي الفقيه إلى السماء مذعوراً ويردد متى سيأتي دوري؟.

بعد أحداث السابع من أكتوبر، كنت ذكرت أن نتنياهو يعتبر أن رأس الحية يقع في غزة ورأس الأفعى في لبنان ورأس التنين في طهران. لقد قضى على رأس الحية والأفعى في غزة وبيروت والآن أتى دور التنين. وفي الوقت الراهن نسمع كثيراً من النداءات تطالب بوقف الحرب من عدد من الكتاب والمفكرين والفنانين.

في إيران كان لدينا قرويٌّ انضم إلى المقاتلين ليطرد إسكندر من بلادنا وفلاح قطع رأس يزدجرد من أجل سرقة خاتمه ولباسه. إذا ما أحصينا العملاء للروس وصدام من بين الإيرانيين، فعددهم سيكون أقل بكثير من المواطنين الذين ضحوا بأنفسهم. إنهم شاركوا في الهجوم على بابل برفقة قوروش وانضموا إلى القتال من أجل تحرير الوطن من سفاح بغداد. إنهم طردوا الروس بواسطة جيش ثوري من أذربيجان، وخلال الأعوام الأخيرة طردوا سفاح تكريت من أكثر المدن بهاء ورموه في مزبلة التاريخ. أين هم الحالمون بولاية الفقيه؟.

المثقف الإيراني وبعد تجربة ثورة الدستور تعود على العمالة وخدمة مصالح الآخرين، فعندما نشأ حزب “تودة” ابتعد من الاهتمام بشعراء مثل فردوسي، وفي المقابل أتقن جيداً مقاس نظارة ماركس وشارب ستالين. فلدينا تجربة عام 1979 عندما وضع مصير شعب بيد الجمهورية الإسلامية وتجربة احتلال إيران لفترة 45 عاماً.

عندما كان رفسنجاني يتبادل الحديث مع مبعوثي جورج بوش الابن وفتح أجواء إيران خلال حرب أفغانستان والعراق أمام الولايات المتحدة الأميركية، كان يشتكي من عدم منحه تنازلات كثيرة مقابل هذه الخدمة، وقتها أقدم 500 مثقف إيراني في أميركا وأوروبا على نشر بيانات في وسائل إعلام أميركية وبريطانية وفرنسية ودفعوا مبالغ كبيرة للتنديد بالحرب على إيران وطالبوا بوقف الهجوم عليها.

لم يكُن وقتها حديث عن الحرب ضد إيران أو هجوم عليها. والولايات المتحدة قضت على عدوين لدودين للنظام الإيراني وكان ذلك ثمناً كبيراً لتعاون الحرس الثوري مع القوات الأميركية.

وفي الوقت الحاضر وبالتزامن مع شرارة الحرب التي أشعلها النظام والسقوط السريع لحاملي علم النظام الإيراني في فلسطين ولبنان واليمن، يأمل الشعب الإيراني في تشكيل حراك كبير لكن أصدقاء لنا يلومون آمال شعب يتطلع إلى التخلص من مخالب الذئاب. ولا تستطيع إسرائيل لوجستياً إرسال قوات برية إلى إيران واحتلالها. ونتنياهو يطالب برأس التنين.

لقد غادر هنية وفؤاد شكر وحسن نصرالله ونيلفروشان والسنوار وتركوا ولي الفقيه وحيداً. هذه التصفيات تحرم خامنئي من النوم الهانئ.

نقلاً عن “اندبندنت فارسية”

https://www.independentarabia.com/node/610273/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%9F

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى