النار هذه المرة: حرق المدنيين أحياء في غزة

خالد بيضون‏ ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في أعقاب الفظائع التي شهدها “مستشفى الأقصى” في قطاع غزة، يجب ألا ننسى أسماء وقصص أولئك الذين لقوا حتفهم. إن كل حياة تزهق هي تذكير بالكفاح المستمر من أجل العدالة والحق في الوجود. لا يمكننا أن نسمح لهذه الروايات أن تغرق في العبارات السياسية المبتذلة أو الخطابات القصيرة في وسائل الإعلام.‏

                          *   *   *

في الثالث عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، واجه العالم مرة أخرى الواقع الصارخ للوحشية في غزة، حيث شنت القوات الإسرائيلية هجومًا مروعًا على “مستشفى الأقصى” في دير البلح بغزة. وبذلك شهد العالم للتو، بعد مرور عام وأسبوع على هذه بدء الإبادة الجماعية، واحدًا من أكثر فصولها حلكه. ‏

‏تصف روايات شهود العيان مشهدًا من الرعب الذي لا يمكن تصوره -مدنيون، بمن فيهم الأكثر ضعفًا، محاصرون ويحترقون أحياء في مؤسسة كان ينبغي أن تكون ملاذًا آمنًا. وليست هذه الفظائع مجرد حدث مأساوي آخر في تاريخ طويل من العنف؛ إنها مظهر مخيف لاستراتيجية محسوبة ومبيتة لمحو الحياة الفلسطينية. ‏

بعد 373 يومًا من بدء الإبادة الجماعية، ليست الحوادث المروعة مثل هذا الحادث انحرافًا عن سياق -إنها توقع قاتم.‏

‏كان مستشفى الأقصى، الذي يشكل رمزًا للصمود وسط الدمار، بمثابة ملجأ لجأ إليه عدد لا يحصى من العائلات التي تبحث عن الأمان من القصف الذي لا يهدأ. ولا شك في أن استهداف مثل هذا المرفق هو انتهاك بشع لحقوق الإنسان وإهانة صارخة للإنسانية نفسها. بعد أسبوع من الذكرى السنوية الأولى لبدء حملة الإبادة الجماعية في غزة؛ ربما يكون هذا الهجوم من بين أكثر الهجمات خسة. إنه عمل إرهابي متعمد يهدف إلى غرس الخوف واليأس في قلوب السكان المحاصرين. والصور التي تواردت من ذلك اليوم مؤرقة – إنها تذكير صارخ بواقع غالبًا ما يختار المجتمع الدولي تجاهله أو الأسوأ من ذلك، تطبيعه.‏

‏تم حرق الناس أحياء، الكثير منهم من الأطفال، بينما كانوا ما يزالون مقيدين بأنابيب المحاليل الوريدية وأسرّة المستشفيات. وكان الهجوم متعمدًا، وموجهًا ضد المدنيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية حثيثة ويتشبثون بالحياة.‏

‏إن العنف البشع الذي يتعرض له قطاع غزة ليس حدثاً معزولاً؛ إنه استمرار لعقود من القمع الاستعماري والتطهير العرقي. ويكشف هذا الهجوم المنهجي على المدنيين عن الطبيعة الحقيقية للدولة الإسرائيلية: دولة تعطي الأولوية للقوة العسكرية على حياة الإنسان وتديم رواية التجريد من الإنسانية. وتدل القسوة التي ترتكب بها هذه الأعمال على أيديولوجية متجذرة في التفوق؛ أيديولوجية تسعى إلى محو وجود الفلسطينيين ذاته.‏

ومع ذلك، تستمر الولايات المتحدة في أن تكون متواطئة بنفس القدر في هذا الكابوس المتواصل. لطالما قدمت الولايات المتحدة دعمًا لا يتزعزع لإسرائيل، الذي مكَّنها من التوسع العنيف وتعزيز وضع راهن يتجاهل حياة الفلسطينيين. وكانت الفظائع الأخيرة في مستشفى الأقصى نتيجة مباشرة لهذا التواطؤ. كل قنبلة تسقط وكل حياة مدنية تفقد هي وصمة عار على جبين السياسة الخارجية الأميركية. ويبدو خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي تروج له أجوف عندما يقارن بمثل هذا الدعم الساحق لنظام يرتكب جرائم حرب بشكل منهجي.‏

‏كثيرًا ما يكون رد المجتمع الدولي على هذه الفظائع قاصرًا إلى حد يرثى له. وفي حين أن تعبيرات عن الغضب تطفو على السطح للحظات، فإنها كثيرًا ما تكون متبوعة بالصمت أو بتدابير غير فعالة. ولا يشجع هذا التردد في محاسبة إسرائيل أفعالها فحسب، بل يديم أيضًا معاناة الفلسطينيين. إنه مثال صارخ على الكيفية التي تشكل بها ديناميات القوة السياسة العالمية، حيث يُنظر إلى حياة المضطهدين على أنها فائضة يمكن الاستغناء عنها.‏

‏يجب علينا أن نتحدى تأطير هذا الصراع على أنه مجرد صراع جيوسياسي. إنه أزمة إنسانية تتطلب غضبنا الأخلاقي ومقاومتنا النشطة. يجب إدانة استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية الأساسية إدانة قاطعة. كم عدد الأرواح الأخرى التي يجب التضحية بها قبل أن يعترف العالم بأن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين الآن هو انتهاك بشع لحقوق الإنسان؟ إلى متى سيسمح العالم لنتنياهو ومعاونيه في الولايات المتحدة بالاستهزاء بسيادة القانون؟‏

‏في أعقاب الفظائع التي شهدها مستشفى الأقصى في قطاع غزة، يجب ألا ننسى أسماء وقصص أولئك الذين لقوا حتفهم. إن كل حياة تزهق هي تذكير بالكفاح المستمر من أجل العدالة والحق في الوجود. لا يمكننا أن نسمح لهذه الروايات أن تغرق في العبارات السياسية المبتذلة أو الخطابات القصيرة في وسائل الإعلام.‏

‏إن وسائل الإعلام الغربية متواطئة في محو هذه القصص. مع تكشف الرعب في المستشفى، كانت محطات (سي. إن. إن) و(بي. بي. سي) ونظيراتها في الإرث بطيئة في الإبلاغ عما حدث. وعندما فعلت ذلك، قللت من شأن جريمة الحرب واختزلتها إلى لمحة عابرة ضمن سرد كبير من التقارير المتحيزة التي قدمت نفس الرسالة القديمة: أن ‏‏حياة الفلسطينيين أقل أهمية بكثير من حياة الإسرائيليين، وفي أسوأ الأحوال، لا تهم على الإطلاق.‏

‏إن الحقائق الغربية تحترق. ولكن، بعد عام من الإبادة الجماعية، سوف يساعدنا فهم حقيقتها في العثور على حقيقتنا الخاصة.‏

*خالد أ. بيضون Khaled A. Beydoun: أستاذ في القانون ومؤلف.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Fire this Time: Burning Civilians Alive in Gaza

https://alghad.com/Section-171/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-1839498#:~:text=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1%20%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A9,Alive%20in%20Gaza

المصدر: الغد الأردنية/ (بن. سورد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى